اللقاء السري مع الحكومة الليبية: بدلاً من التطبيع حصلنا على فشل ذريع
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- "لم يكن هناك أي شيء بالصدفة، أو لم يخطَّط له مسبقاً، في اللقاء بين وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في روما،" هذا ما قاله جلال هرشاوي، الباحث في المركز الملكي للأبحاث في لندن، والباحث الأكبر اليوم في الساحة الدولية للشؤون الليبية.
- ما قاله هرشاوي يتعارض مع البيان الذي أصدره ديوان رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، وجاء فيه أن اللقاء جرى بالصدفة، ولم يكن رسمياً. وهذا بعد أن تم الكشف عن اللقاء واندلعت مواجهات وتظاهرات في العاصمة الليبية طرابلس الغرب ضد اتفاق تطبيع مع دولة إسرائيل. وخلال الليل، أُضرمت النار في فيلا خاصة برئيس الحكومة في طرابلس الغرب، وأُخرى تابعة لابن أخيه إبراهيم الذي يُعَد يده اليمنى.
- وبحسب مصادر سياسية، فإن رئيس الحكومة الليبية لم يكن مهتماً فقط باللقاء، بل سبقته أيضاً تحضيرات دقيقة جداً. وفي إطار المفاوضات التي سبقت اللقاء التاريخي، والتي شارك فيها الجانب الإسرائيلي، وأيضاً الإيطالي، اتخذت الحكومة الإيطالية قراراً في الشهر الماضي بتقديم موعد فتح خط طيران بين روما وطرابلس الغرب في مقابل عقد اللقاء الإسرائيلي- الليبي برعاية إيطالية.
- وكما نشرنا أمس، فإن اللقاءات الأولية بين إسرائيل وليبيا بدأت منذ ثلاثة أعوام، لكنها لم تنضج إلى درجة لقاء سياسي على مستوى وزراء خارجية إلّا مؤخراً. وبحسب جلال هرشاوي، فإن الدبيبة اتّخذ قراراً بالمصادقة على اللقاء في أعقاب ضغوط سياسية كبيرة داخلية، وأيضاً خارجية.
- في كانون الثاني/يناير، زار رئيس الـ CIA ويليام بيرنز العاصمة الليبية، وكان الهدف بالأساس ضم ليبيا إلى "اتفاقات أبراهام". ولكن، على الرغم من توجُّهه الإيجابي، فإن الدبيبة لم يشعر بالراحة إزاء التقدم في العلاقات مع إسرائيل. كان هذا بعد شهرين فقط من إرغامه، تحت الضغط الأميركي الكثيف، على تسليم واشنطن الرجل الذي خطط وصنع القنبلة التي أسقطت طائرة بان أم في الكارثة في لوكربي. وأدى تسليم المطلوب لواشنطن إلى إشعال موجة غضب في ليبيا موجّهه ضد الدبيبة، الذي يتم التعامل معه على أنه يتذلل للأميركيين. الدبيبة تخوف كثيراً من تمرّد داخلي في صفوفه، ولم يكن جاهزاً في ذلك الوقت للتقدم في محادثات تطبيع مع إسرائيل. مؤخراً، شعر الدبيبة بأنه يتعرض لضغوط داخلية كبيرة، وتخوف من أن تتزعزع الأرض الليبية تحت أقدامه، وأن احتمالات استمراره في السلطة مرتبطة أكثر من أي وقت مضى بالدعم الخارجي. الهدف من قرار التقدم في المحادثات مع إسرائيل كان شراء الوقت السياسي إلى حين موعد الانتخابات المقررة في كانون الأول/ديسمبر القريب.
- إذاً، لماذا تشوشت الأمور؟ فبحسب مصادر مطّلعة، جرى اللقاء في الأسبوع الماضي في أحد بيوت الضيافة الرسمية التابعة لوزارة الخارجية الإيطالية، وبوجود وزير الخارجية الإيطالي. ومن طرف ليبيا، تواجدت وزيرة الخارجية المنقوش، ومن طرف إسرائيل حضر كلٌّ من وزير الخارجية إيلي كوهين ومدير عام الوزارة رونين ليفي الذي كان مؤخراً في منصب رئيس قسم الشرق الأوسط وأفريقيا والعلاقات الخاصة في مجلس الأمن القومي، والذي كانت له يد في صوغ "اتفاقات أبراهام".
- وبحسب مصادر مطّلعة أيضاً، التُقطت صورة لوزيرة الخارجية الليبية والوزير كوهين. وتم الاتفاق على نشرها بعد أيام وخلال أسبوعين، وكما يبدو، كان ذلك لجسّ النبض على الأرض وخلق ظروف ملائمة للكشف عن اللقاء التاريخي. لكن بحسب المصادر، في مرحلة معينة، كان هناك تخوف من تسريب الخبر، واتُّخذ القرار باستباق التسريبات عبر بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية. كيف ولماذا سُرّبت الأخبار - هذا ما لم تجِب عنه المصادر، لكنها ألمحت إلى أن هناك أكثر من يد أو اثنتين في حكومة نتنياهو تنبش في القضايا الخارجية.
- كان لدى وزارة الخارجية كل الأسباب لتقدّر مسبقاً أن النتيجة ستخلق نوعاً من الفشل. ففي جولة المحادثات السابقة بين إسرائيل وليبيا، والتي عُقدت في الأردن، سُرِّب أيضاً خبر عن اللقاء، لكن ديوان الدبيبة أنكر وجوده. وبحسب جلال هرشاوي، فإن السعوديين هم مَن رصد أن شيئاً ما يحدث، وهم أيضاً الذين نشروا ذلك. وبحسب هرشاوي، فإن السعوديين "يلعبون لعبة مزدوجة. فمن جهة، يرسلون رسالة إلى الخارج بأنهم يتحدثون مع إسرائيل، وفي الداخل يكشفون في الإعلام الخاص بهم أن دولاً عربية أو إسلامية تتحدث سراً مع إسرائيل، لكي يقولوا إنهم ليسوا الوحيدين في الميدان."
- في المحصلة، كان من المفترض أن يشكل هذا اللقاء اختراقاً سياسياً كبيراً، وتحول إلى فشل. وزيرة الخارجية أُرغمت على الهروب فجراً إلى إستانبول بطائرة خاصة تابعة للحكومة الليبية. الساحة السياسية مشتعلة، وفي طرابلس الغرب، يعدّون الأيام الأخيرة للحكومة.
هل سينجو الدبيبة من هذه المغامرة الإسرائيلية التي قام بها؟ هذا السؤال كبير. فبحسب مصدر ليبي مقرّب من الدبيبة، فإن جذر المشكلة هو بالضغوط الإسرائيلية والتوقعات المبالَغ فيها. أول أمس، وقبل وقت قصير من إقالة المنقوش، كان المصدر متفائلاً، لكنه في الوقت نفسه كان متحفظاً. وقدّر أنه في القيادة السياسية، وأيضاً وسط الفئات الشعبية الليبية، هناك انفتاح على إسرائيل، لكن كل شيء يتعلق بتوجهات براغماتية، سرية، وصبورة. وبحسبه، الكشف عن اللقاء كسر قواعد اللعبة.
الكلمات المفتاحية