جميعهم يتحدثون عن التطبيع، ولا أحد يتحدث عن السلام
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- يصادف هذا الشهر مرور 30 عاماً على توقيع اتفاق "أوسلو"، والردود متوقعة. في أوساط اليمين، سيقولون إن إسرائيل كانت ضحية عملية احتيال فلسطينية، ويضيفون بعض نظريات المؤامرة بشأن مقتل رابين، الهدف منها تبرئة الصهيونية الدينية وحاخاماتها وبنيامين نتنياهو من التحريض على القتل. وفي أوساط اليسار، سيقولون إن إسرائيل احتالت على الفلسطينيين بوعود كاذبة بإنهاء الاحتلال، وعملياً، أغرقت الضفة الغربية وشرقي القدس بالمستوطنين. في نظر اليمين، رابين غبي، وفي نظر اليسار، هو محتال. إلاّ أنهما سيتفقان على شيء واحد: كلمة "سلام" التي برزت في الحيز العام خلال سنوات "أوسلو"، شُطبت منه كلياً، وبصورة خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين الذين لا يتم ذكرهم مطلقاً كطرف في مفاوضات، أو تسوية سلمية.
- حكومة "اليمين الكاملة" الحالية أعلنت في الخطوط الأساسية أن: "للشعب اليهودي حقاً حصرياً لا يمكن التشكيك فيه على كامل أرض إسرائيل." وفي الاتفاقيات الائتلافية، التزم نتنياهو قيادة "سياسة من أجل فرض السيادة على الضفة"، ويعمل على تحقيقها. وفي الوقت نفسه، وعدت الحكومة بـ"دفع اتفاقيات سلام إضافية لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي". بما معناه، نتنياهو يريد السلام وإنهاء الصراع، وفي الوقت نفسه، يجب أن تضم إسرائيل الضفة، ولا يوجد للفلسطينيين أي حقوق قومية، حتى في قطاع غزة الذي يُعتبر جزءاً من "مناطق أرض إسرائيل" التابعة لليهود فقط.
- ما يقوم به اليمين بحق الفلسطينيين هو "إنكارهم كشعب"، وهذا موقفه منذ أعوام طويلة "شعب مخترع". لكن أيضاً في الجهة المعارضة له، من "قوة كابلان" [ساحة الاحتجاجات]، واليسار، لا يتحدثون عن سلام مع الفلسطينيين. أما "الكتلة ضد الاحتلال" [حركة معارِضة للاحتلال تجمع يهوداً وعرباً]، فتطالب بالخروج من الضفة، وليس بالسلام. أما القادة الأمنيون، والطيارون والجنرالات السابقون - القوة القائدة للاحتجاجات، فهم يعبّرون بالأساس عن التخوف من محاكمتهم في محكمة الجنايات الدولية بسبب جرائم الحرب في الضفة، إذا تحولت المحكمة العليا إلى وحدة كتّاب بلاط لدى نتنياهو وياريف ليفين.
- لا تتعامل الحكومة والاحتجاجات مع الفلسطينيين كشركاء في صوغ الواقع المستقبلي. الاحترام الذي حصلت عليه القيادة الفلسطينية من إسرائيل والولايات المتحدة في فترة "أوسلو"، نُسِي على وقع نغمة "لا شريك" التي لخص بها إيهود باراك فشله في الوصول إلى اتفاق مع ياسر عرفات في سنة 2000. في الحكومة، هناك نقاش بشأن تقوية أو تفكيك السلطة الفلسطينية، ولكن لا يتعلق بـ"حل الدولتين".
- إخفاء مصطلح "السلام" يبرز بصورة خاصة على خلفية الوضع السياسي في إسرائيل التي شهدت ازدهاراً غير مسبوق في علاقاتها مع العالم العربي في أعقاب "اتفاقيات أبراهام". إسرائيل تدير مفاوضات بشأن اتفاق مع السعودية، الدولة الأهم بين الدول العربية اليوم، ويجتهد جميع الأطراف للحديث عن "اتفاق تطبيع" من دون ذكر كلمة "سلام" التي ارتبطت، كما يبدو، بالخاسرين الذين ألقوا خطابات مبالَغاً فيها، وعلى رأسهم شمعون بيرس. الآن، يطبّعون، وليس بالكامل، على الرغم من الوعود في الخطوط الأساسية للحكومة. أما بخصوص الفلسطينيين، فإن تحدثوا، هم يتحدثون عن تحويل الأموال والأعمال الشرطية.
- وإذا كانت هذه هي الحال، فإن تصريحات إيتمار بن غفير التي تفاخر فيها بالإرهاب [اليهودي] في الضفة كان لا ينبغي أن تثير هذا الجدل، والأكيد لم تكن بحاجة إلى الاتهامات المبالَغ فيها من "مصادر سياسية" لم تكشف عن نفسها بشأن"عملية دعائية". بن غفير عكس الواقع الميداني جيداً، والحديث الإسرائيلي الداخلي، وكذلك سياسات الحكومة التي يشغل فيها مكانة مركزية. المشكلة ليست في "الهاسباراه" - بطرح الاحتلال كشيء ممتع، أو ضروري للأمن. المشكلة في السياسة الإسرائيلية التي تركت مصطلح السلام، وترى الفلسطينيين كمجموعة من الرعايا من دون أي حقوق.
- في هذه الأيام، أنا أشتاق إلى رابين الذي عرف كيف يقود الإسرائيليين إلى السلام، ويعكس الثقة للفلسطينيين والمجتمع الدولي. تشويه صورته في الذكرى السنوية لـ"أوسلو" يشير إلى الطريق السيئة التي مرت بها إسرائيل منذ مقتله، وحتى تحوّل بن غفير من الهامش، وأصبح يستحوذ على الاهتمام في ساعات الذروة.