اتفاق الدفاع بين واشنطن والرياض: الاحتمالات والإسقاطات بالنسبة إلى إسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • تدير إدارة بايدن في الأشهر الأخيرة حوارات مكثفة مع السعودية تهدف إلى الوصول إلى "صفقة كبيرة"، وبحسب تعبير مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الذي زار الرياض في منتصف آب/أغسطس 2023، فإنها ستؤدي إلى الاستقرار في الشرق الأوسط. الحديث يدور حول صفقة سعودية أميركية، يمكن أن تتضمن أيضاً مركّب التطبيع بين "القدس" والرياض. من جانبها، عبّرت السعودية عن رغبتها في توقيع اتفاق دفاع مع الولايات المتحدة.
  • سابقاً، خاضت الولايات المتحدة حوارات في هذا الموضوع على مدار سنوات مع الإمارات، لكنها لم تنجح. الآن، وبسبب المبادرة الإقليمية التي تدفع بها الإدارة، برز مرة أُخرى موضوع الاتفاق الدفاعي السعودي-الأميركي، وهذه المرة كمطلب سعودي في مقابل التطبيع مع إسرائيل. وبحسب المتحدثين باسم الإدارة، فحتى الآن، "لا يوجد إطار عام، والظروف ليست جاهزة للتوقيع، ولا يزال هناك الكثير مما يمكن القيام به." وبحسب سوليفان، هناك "تفاهمات واسعة بشأن العديد من المكونات المركزية." في هذا المقال سنبحث في إمكانية تحقُّق المطلب السعودي وإسقاطاته.
  • الإدارة الأميركية لها مصلحة في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع السعودية، على الرغم من العلاقة المتضعضعة في بداية ولاية الإدارة. يمكن القول أنه وفي أساس التراجع الأميركي الإدراك أن على الولايات المتحدة الرد على محاولات الصين توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وساهمت في ذلك أيضاً تدخّلات الصين في تجديد العلاقات بين إيران والسعودية. وفي هذا الإطار، يجب قراءة تصريح الرئيس بايدن على هامش قمة G-20، التي عُقدت في الهند خلال شهر أيلول/سبتمبر، بشأن المبادرة الطموحة التي تتعلق بربط الهند بالبحر المتوسط، والسعودية بالمغرب.
  • من المتوقع أن تطلب الولايات المتحدة من السعودية عدة مطالب لتحقيق الصفقة "الكبرى"، وضمنها تعميق الالتزام الأمني الأميركي للمملكة:
  • تقليص العلاقات بين الرياض وبكين في مجالات مختلفة، مع التشديد على التعاون التكنولوجي والأمني والنووي.
  • إدارة سعودية مسؤولة أكثر في مجال الطاقة وتفهُّم للمصالح الأميركية في هذا المجال.
  • اتخاذ خطوات بناء ثقة مع إسرائيل، كجزء من عملية تطبيع تأخذ حساسية المملكة في الحسبان.
  • خطوات سرية بهدف وقف الحرب في اليمن.
  • مطالب في مجال حقوق الإنسان والنظام القضائي في السعودية.
  • مطالبة بأن يقوم السعوديون بتحسين وترميم (وتمويل) البنى العسكرية اللوجستية الأميركية في السعودية.
  • يوجد في واشنطن اليوم داعمون لتحسين العلاقات مع السعودية من كلا الجانبين في الخريطة السياسية، وفي هذا السياق، تبرز محاولة السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إقناع زملائه الجمهوريين، وضمنهم المرشح للرئاسة دونالد ترامب، بدعم المبادرة التي تقودها الإدارة. وعلى الرغم من ذلك، فإنني أشك فيما إذا كان هناك تلهُّف في السعودية للدخول في التزام دولي عميق عموماً، وبصورة خاصة في الشرق الأوسط، وخصوصاً إذا كان هذا الالتزام يتطلب تخصيص قوات وموارد لوقت طويل، في الوقت الذي تدفع المصلحة الأميركية إلى التركيز على جنوب شرق آسيا.
  • وأكثر من ذلك، فإن احتمال استعداد الأميركيين لتوقيع اتفاق دفاع مُلزم، بحسب نموذج البند الخامس في الناتو، ضئيل، لأنه يُرغم الولايات المتحدة، قانونياً، على اعتبار أي هجوم على السعودية هجوماً عليها. ولكن، يمكن الوصول إلى نقطة مشتركة إذا وافقت السعودية على اتفاق يساهم في تحسين التعاون الأمني بين الدولتين ويكون أقل إلزاماً من هذا البند. يمكن أن نجد هذا النموذج في الاتفاق الذي وُقِّع مؤخراً بين الولايات المتحدة والبحرين. هذا بالإضافة إلى أن مكوّن الدفاع ليس المكون الوحيد الإشكالي بالنسبة إلى الإدارة التي يجب عليها التغلب على المعارضة الكبيرة، وضمنها المعارضة في أوساط الديمقراطيين، لطلب السعودية تطوير قدرات تخصيب يورانيوم مستقلة على أراضيها.
  • بالنسبة إلى السعودية، فإن المصلحة الأولى والأساسية هي الدفاع الأميركي عنها في مواجهة العدائية الإيرانية. السعوديون لا يتخوفون من قيود على حرية حركتهم (كتلك الموجودة لدى إسرائيل) لأن قدراتهم العسكرية محدودة أصلاً، وبصورة خاصة في مقابل إيران. لكن اتفاق دفاع رسمي مع الولايات المتحدة، وخصوصاً إذا تضمّن بنداً إلزامياً كالبند الخامس في الناتو (في مقابل ذلك، ستكون السعودية مطالَبة بالمزيد من التنازلات الجدية إزاء إسرائيل)، سيرفع احتمالات المساعدة الأميركية في حال تنفيذ هجوم على السعودية. السعودية تسعى لكي يكون الاتفاق رسمياً مع واشنطن، أيضاً بسبب الثقة المتزعزعة خلال الأعوام الأخيرة إزاء استعداد الولايات المتحدة للدفاع عنها، بالأساس بسبب عدم الرد الأميركي على الهجوم الإيراني على مواقع تكرير النفط الخاصة بالمملكة في أيلول/سبتمبر 2019. أما فيما يخص حجم القوات الخاضعة للقيادة المركزية في الجيش الأميركي (CENTCOM) فهناك تقليص بحجم 85%، مقارنةً بسنة 2008، وهي سنة الذروة، حتى أنه يوجد تقليص بنسبة 15% في الفترة 2022-2023 (بعد الانسحابات من أفغانستان والعراق).
  • الحلف الدفاعي ليس "منتوجاً جاهزاً" وموحداً. فهو ككل اتفاق دولي، يكون نتيجةً لاتفاق بين الدول التي لديها حرية صوغه، بحسب مصالحها.
  • الدرجة الأعلى هي المعاهدات والاتفاقيات الأمنية-معاهدة "الناتو"، وضمنها البند الخامس الذي يُلزم الدول الشريكة في الحلف اتخاذ خطوات من أجل مساعدة بعضها البعض، بينها خطوات عسكرية في حال تعرّضت إحدى الدول الشريكة لهجوم عسكري.
  • الدرجة الأقل-يمكن أن تقرّ الولايات المتحدة بأن السعودية هي Major Defence Partner، وهذه خطوة من صلاحية الرئيس لا تُلزم الولايات المتحدة اتخاذ أي خطوة إلى جانب السعودية.
  • الدرجة الأخيرة؛ يمكن للولايات المتحدة أن تقرّ بأن السعودية هي Major Non NATO ally، هذا التعريف يسمح للدول بزيادة التعاون الأمني والتكنولوجي بينها، من دون أن يقيد الولايات المتحدة (إسرائيل تُعتبر كذلك إلى جانب مصر وقطر والبحرين وباكستان).
  • تعزيز الالتزامات الأميركية حيال الشرق الأوسط إزاء حليفة مركزية فيه كالسعودية، وزيادة الوجود العسكري في الخليج العربي، هما مصلحة إسرائيلية واضحة. لذلك، لا يجب أن يكون لدى إسرائيل أي مشكلة جوهرية مع دخول الولايات المتحدة في التزام أمني معيّن مع السعودية، وضمنه توقيع اتفاق دفاع. وذلك للأسباب التالية:
  • في جميع الأحوال، فإن "القدس" والرياض تتعاونان في المجالات الأمنية والاستخباراتية المختلفة منذ أعوام طويلة، والاتفاق الأميركي-السعودي يمكن أن يعزز هذا الاتجاه.
  • اتفاق الدفاع السعودي-الأميركي سيساعد في الجهود الإقليمية لوقف التوسع الإيراني في المنطقة.
  • زيادة التعاون الأمني بين واشنطن والرياض سيكون أساساً لتحسين قدرات إسرائيل كـ"تعويض".
  • اتفاق الدفاع مع الولايات المتحدة هو مصلحة سعودية مركزية، لكن السعودية لن تكتفي بالالتزام الأميركي بأمنها كي توافق على صفقة تطبيع مع إسرائيل. من المتوقع ألّا تتنازل الرياض عن مطالبها الأخيرة، وعلى رأسها موافقة الإدارة الأميركية على تحسين قدراتها في المجال النووي، وبصورة خاصة تفعيل دائرة وقود نووي كاملة، وضمنها تخصيب يورانيوم في أراضي المملكة-وأيضاً بسبب الصعوبات في موافقة الإدارة وإسرائيل على ذلك.
  • هذا المطلب السعودي يضع إسرائيل، التي لديها مصلحة واضحة في التطبيع مع السعودية، أمام معضلة حقيقية. ففي الوقت الذي تستطيع إسرائيل الموافقة على اتفاق دفاع بين الولايات المتحدة والسعودية، عليها أن تعارض أي تنازلات أميركية في المجال النووي: دائرة وقود نووي كاملة ومستقلة، ستسمح للسعودية بمراكمة قدرات ومعرفة ومواد في المجال النووي، ويمكن أن تسرّع سباق التسلح النووي في دول إضافية في الشرق الأوسط.