حرب بوابات غزة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- الحرب التي فُرضت على إسرائيل، في أعقاب الحملة "الإرهابية الوحشية والهمجية" التي نفّذتها حركة "حماس" في يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، هي حرب مهمة لا مثيل لها. ويمكن اعتبار هذه الحرب، إلى حد كبير، فصلاً حاسماً من حرب الاستقلال الإسرائيلية. بعد حرب يوم الغفران، أدرك زعماء كبار في الدول العربية، وعلى رأسهم السادات، أنه لا يمكن هزيمة إسرائيل في ساحات القتال الكلاسيكية. نتيجةً لذلك، هناك مَن ذهب إلى مفاوضات تم في أعقابها توقيع معاهدات سياسية بين إسرائيل ودول عربية، وآخرون بحثوا عن بدائل.
- السوريون، على سبيل المثال، توجهوا نحو اكتساب قدرات غير تقليدية، وبنوا ترسانة أسلحة كيميائية تُعَد من أكبر الترسانات في العالم. أمّا الإيرانيون، فيبحثون عن طرق لخلق مشروع نووي عسكري، وفي هذه الأثناء، قاموا بخلق حلقات نارية حول دولة إسرائيل، تشمل كلاً من حزب الله، وحركة "حماس"، وحركة الجهاد الإسلامي، والميليشيات الشيعية في سورية.
- كان هناك مَن اعتقد أن "الإرهاب" سيهزم إسرائيل، وبدا خلال الانتفاضة الثانية أن ياسر عرفات يقود خطوة ستنجح في تركيع إسرائيل فعلاً. وقد جاءت حملة "السور الواقي" في سنة 2002، لتضع حداً للحلم الفلسطيني بضرب إسرائيل، عبر موجة متواصلة من الأعمال "الإرهابية" وإلحاق الضرر الجسيم بها، بعد أن فاق تعداد القتلى في إسرائيل الـ 120 قتيلاً في الشهر الواحد. لم ندرك، وهنا أكتب عن نفسي شخصياً، أن حركة "حماس" في غزة ستحاول "بمزيد من الوحشية"، ومزيد من النجاح أيضاً، تحقيق الحلم المتمثل في تقويض إسرائيل، عبر عمل "إرهابي همجي".
- هذه الحملة الناجحة، بالنسبة إلى "حماس"، ليست سوى بداية الحرب ضد إسرائيل، والتي يجب على إسرائيل حسمها بانتصار واضح، لا لبس فيه.
الأمر مهم على مستويات ثلاثة:
- المستوى الأول، والأكثر وضوحاً، هو ضمان حياة بلا تهديدات لسكان "غلاف غزة". وشرط إعادة السكان إلى المنطقة وبناء البلدات، يتمثل في القضاء على التهديد الكامن على الطرف الآخر من الحدود. لهذا الغرض، يجب ضرب قدرات حركة "حماس" العسكرية بصورة جسيمة، وتدمير جميع بناها التحتية وخلاياها، بطريقة تجعل "حماس" غير قادرة على العودة، بصفتها تنظيماً لديه قدرات عسكرية، وموجوداً بعد انتهاء الحرب. ولهذا الغرض، يجب إعادة ترسيم الحدود العسكرية للقطاع، بصورة تبعد "الإرهاب" عن خط البلدات الإسرائيلية.
- يتمثل المستوى الثاني في مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط، واستعادة قدرة الردع الإسرائيلية في جميع أرجاء الإقليم. لهذا الغرض، يجب أن يكون نجاح الجيش الإسرائيلي قاطعاً، ولا لبس فيه، كما أن تدمير القدرات العسكرية يجب أن يكون شديد الوضوح. ويجب أن يدرك الجميع في شتى أرجاء الشرق الأوسط، أن إسرائيل لديها خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها في أي حال: إذ إنها ستردّ بكامل قوتها، ومن دون قفازات حريرية، وأن أعداءها سيعانون بصورة لا تتلاءم مع أفعالهم. يجب أن يدرك كل شخص في الشرق الأوسط، أنه في السياق الإسرائيلي، هناك معنى مهم للمقولة الفرنسية "في الحرب كما في الحرب". من المهم أن تكون النتائج الظاهرة لهذه الحرب إشارة تحذير للإقليم كله.
- يتمثل المستوى الثالث في أهمية الحرب على المستوى الدولي. المقصود هو حرب سيكون من الواضح أكثر في نهايتها كيف سيتصرف العالم، وإلى أين يتجه. هل تتصاعد قوة "قوى الشر"، بقيادة إيران وحزب الله و"حماس" والجهاد الإسلامي، وحلفائهم من القوى العظمى، أم أن تحالُف الدول الراغبة في كبح العدوان في أرجاء الشرق الأوسط، بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل، هو الذي يحدد المسارات، وهو المنتصر. إن دول العالم تتطلع إلى هذا النزاع، ونتائجه ستكون ذات تأثير مهم يطال مساحة تمتد ما بين أوكرانيا وتايوان، بيْد أن تأثيرها الأهم، سيكون في مصير الشرق الأوسط بكل تأكيد.
- أدرك الرئيس جو بايدن هذا الوضع، ولذا، تكفّل بإرسال قوة أميركية عسكرية كبرى إلى المنطقة، بهدف ردع إيران وحلفائها. لقد وقف الرئيس الأميركي، بوضوح، إلى جانب إسرائيل، من خلال زيارته الاستثنائية في أثناء العمليات الحربية. وأدركت الولايات المتحدة أن إسرائيل تملك القدرة على التأثير فيما يحدث في العالم بأسره. فإسرائيل تقف كجدار فاصل بين "الهمج" وبين عالم القيم الأخلاقية المتمدن.
- بناءً عليه، فإن نتيجة الاجتياح البري الذي سيُنفّذ في المستقبل القريب، ستكون مهمة جداً، ربما هي الأهم، منذ قرار عبور قناة السويس في حرب الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]، على طريق حسم المعركة في الجنوب. في تلك الحرب، انطوى الأمر على مخاطرة كبيرة. وقد ترددت غولدا مئير، رئيسة الحكومة آنذاك، بصورة كبيرة، لكن حدسها دفعها إلى المخاطرة. إن دولة إسرائيل تعيش واقعاً مماثلاً، إلى حد كبير، ونحن اليوم، بحاجة إلى حدس صحي، يفوق المعرفة والخبرة، من أجل أن نتمكن من حسم المعركة.
- في رأيي المتواضع، يجب البدء بالتحرك البري. فمستقبل الجنوب الإسرائيلي، ومكانة إسرائيل في الإقليم، ومستقبل الشرق الأوسط بأسره، إلى جانب مستقبل قدرة العالم على حماية الأخلاق الإنسانية الأساسية، قد أصبحت كلها على المحك. هذه المسائل ستُحسم في المواجهة العسكرية التي ما زلنا في بدايتها. لن يكون الأمر سهلاً، ففي الحرب، سيسقط كثير من الضحايا بين الجنود، وربما يسقط ضحايا في جبهتنا الداخلية أيضاً، كما أن الحرب ستستمر وقتاً طويلاً، وسيتواصل تساقُط الصواريخ علينا، واقتصادنا لن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب. لكن الثمن يستحق، إذا ما أصبح واضحاً لنا، ولأعدائنا، ولأصدقائنا، وللمتفرجين، من هو الطرف المنتصر، من دون حاجة إلى توضيحات.