لماذا أخطأت الاستخبارات؟
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- ما الذي أدى إلى المفاجأة الكاملة التي حدثت للاستخبارات والجيش في صباح 7 تشرين الأول/أكتوبر؟ كيف فشلت منظومة المراقبة المتطورة التي نشرتها إسرائيل حول القطاع، وفي داخله، ولم تعمل الإنذارات المصيرية التي كان يمكنها إنقاذ حياة كثيرين؟ طبعاً، هناك أسباب استخباراتية وتكنولوجية لهذا العمى، لكن، يوجد خلف هذا كله فشل أساسي، هو أن أحداً في إسرائيل لم يتخيل خطة "حماس" العسكرية.
- محمد ضيف ويحيى السنوار خطّطا لهجوم بحجم كتيبة على مجمل مراكز الجيش وبلدات "غلاف غزة"، بهدف قتل أكبر عدد ممكن من الإسرائيليين، وخطف مئات النساء والأطفال إلى غزة، وتعذيب الضحايا بوحشية، وزرع الخوف فيمن تبقى، وتجميع معلومات استخباراتية من قواعد الجيش. هذه هي المهمة التي خططت لها قيادات "حماس" وتدربت عليها، بعد أن سلّحت جنودها وجمعت استخبارات للعملية، وانتظرت الوقت الذي سيكون فيه الانتباه الإسرائيلي متدنياً جداً في نهاية الأعياد. حافظت "حماس" على أمن المعلومات، ونُفّذت خطة تمويه ناجحة: القيادتان السياسية والعسكرية في إسرائيل، من بنيامين نتنياهو وما دونه، كانتا مقتنعتين بأن "حماس" مرتدعة، ومشغولة بالنمو الاقتصادي، وليس بالتحضيرات لاجتياح.
- تعاظُم قوة "حماس" لم يحدث فقط داخل الأنفاق وفي الظلام. فـ"مخرّبوها" تدربوا في النهار، علناً؛ وفي الجانب الإسرائيلي، تابعوا وكشفوا وجود قوات برية تتدرب على القتال. لكنهم افترضوا أن القوة التي تبنيها "حماس" لقتال الجيش هي "نخبة" في مقابل "غولاني"، ورأوا في هذا إشارة إلى مأسسة "حماس" وتحوّلها من "جيش إرهابي" إلى جيش نظامي. لم يفهموا في إسرائيل أن التعامل مع الجيش سيكون المهمة الثانوية، والجهد الأساسي سيكون في ارتكاب مذبحة جماعية بحق المواطنين في منازلهم، وفي حفلة، وفي المناطق المفتوحة على طول المنطقة، وفي الوقت نفسه.
- هكذا عملوا على المستوى العملياتي عندما أحبطوا أجهزة المراقبة، واحتلوا مقرات القيادة لشلّ الاستخبارات القتالية والقيادة والسيطرة التابعة للجيش، وهو ما أدى إلى ترك المواطنين من دون حماية، هكذا عملوا على المستوى التكتيكي في البلدات التي تم الهجوم عليها. وفي الوقت نفسه، كان هناك قوات على المداخل لمنع التعزيزات، بينما انتقلت القوة الأساسية من منزل إلى منزل...
- لم يتوقع أحد في إسرائيل هذا السيناريو الصعب، ولم يكتشفوا أنه الهدف العسكري للعدو. السيناريوهات التي تجهّز الجيش لها كانت شبيهة بالحرب السابقة في سنة 2014: اقتحام قوة صغيرة، عبر الأنفاق أو فتحة في السياج، أو هجوم بقوارب على مواقع إسرائيلية، ومن الممكن على بلدة أو اثنتين، بهدف القتل وخطف الجنود والمواطنين. واستناداً إلى هذا السيناريو، تم نشر قوات قليلة العدد من لواء غزة، وتدريب القيادات والجنود. وافترضت هيئة الأركان أن الإنذار سيكفي، وأن الحاجز التحت الأرضي والسياج يحبطان، أو يؤخران الهجوم الواسع، وسيصل سلاح الجو بسرعة للمساعدة.
- فيلسوف العلوم كارل بوبر [فيلسوف نمساوي - إنكليزي (1902-1994)] علّمنا أن القصة تسبق الحقائق، وكل معرفة جديدة تبدأ بفرضية تعطي تفاصيل المعنى. عندما لا نفهم القصة، نخطئ في تحليل الحقائق. كان يمكن النظر في تدريبات "حماس" وتقدير درجة مهنية الجنود في غزة، والأسلحة والمعدات، لكن إذا أخطأنا في التفكير في أن هذه القوة مبنية لقتال الجيش، أو لتنفيذ عملية صغيرة ومحلية، فمن السهل السخرية من العدو الذي يرسل مركبات رباعية الدفع ودراجات ومسيّرات ضد الدبابات والمدرعات وسلاح الجو. إذا فهمنا أن "حماس" بنَت جيشها، بهدف الهجوم على مواطنين من دون حماية، وأن الاجتياح جرى في المنطقة كلها، وليس في نقطة واحدة أو اثنتين، فإن التهديد الكامن فيه سيكون أكثر خطراً.
- لو فهموا في إسرائيل أن "حماس" تجهّز لمذبحة وخطف جماعي، وليس لحدث آخر شبيه بما كان يجري، فإن التحذير المصري بأن "حدثاً كبيراً ستشهده غزة"، والمعلومات المقلقة التي وصلت إلى الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية، عشية الهجوم، كانت ستحصل على اهتمام مختلف كلياً. لقد فاتتهم القصة، ووضعوا التحذيرات جانباً، وبعيون مغلقة، اندفعنا نحو الكارثة.