السيسي بين المطرقة المصرية والسندان الفلسطيني
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- أعلن السيسي في المؤتمر الصحافي الذي عُقد بمناسبة زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز إلى القاهرة، أنه يتعين على إسرائيل، بما أن قطاع غزة موجود، عملياً، تحت السيطرة الإسرائيلية، إجلاء سكان قطاع غزة إلى النقب، إلى أن تنتهي من القتال والتعامل مع "متطرفي حماس".
- إلى ذلك، أوضح الرئيس السيسي خلال اللقاء الذي عقده مع وزير الخارجية التركي، أن سكان قطاع غزة إذا ما استجابوا للدعوة الإسرائيلية بالنزوح جنوباً، فإن القضية الفلسطينية ستنتهي. لقد ألقى السيسي، عبر هذين التصريحين، بكامل المسؤولية على كاهل إسرائيل، سواء فيما يتعلق بمصير سكان القطاع، أو معالجة موضوع "متطرفي حماس".
- إن أشد ما يخيف الساسة المصريين، وفي مقدمتهم الرئيس السيسي، يتمثل في تحويل شبه جزيرة سيناء إلى مدينة خيام يقطنها اللاجئون الغزيون الذين لن يترددوا في العمل، انطلاقاً من أراضي سيناء، ضد إسرائيل، وهو ما سيؤدي إلى أعمال انتقامية من جانب إسرائيل. مثل هذه النشاطات، حسبما يدّعي، من شأنها زعزعة الأمن القومي المصري، ومعاهدة السلام المصرية مع إسرائيل.
- والجدير بالذكر أن السيسي، منذ انتخابه، قام بتحويل موارد وفيرة وعديد كبير من قوات الأمن المصرية، بهدف تطهير سيناء من تنظيم أنصار بيت المقدس، وهو فرع محلي لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء. وقد زرع التنظيم الرعب في سيناء، وتمكن من تجنيد سكان شبه الجزيرة من البدو إلى جانبه. وفي آذار/مارس 2015، قام المصريون بإغراق أنفاق "حماس" على حدود قطاع غزة بمياه البحر، في إطار قتالهم الضاري ضد تنظيم أنصار بيت المقدس، بافتراض أن "حماس" تتعاون مع تنظيم الدولة، وتسمح لأعضائه بالمرور عبر أنفاقها بحُرية. لم تزعج السيسي مطلقاً حقيقة أن غمر الأنفاق بمياه البحر من شأنه تلويث مياه الشرب، وتخريب الأراضي الزراعية، فقد كان الهدف يبرر الوسائل المتخذة.
- لقد خاطر عدد هائل من عناصر قوات الأمن المصرية بحياتهم في الكفاح ضد التنظيم، لكن السيسي كان مصراً على اجتثاث التنظيم من سيناء، ولهذا، حظيت الجهود المصرية في سيناء بتعاون كامل من إسرائيل، التي سمحت، حتى بإدخال قوات الجيش المصري إلى شبه الجزيرة، بأعداد تفوق الأعداد المسموح بها، بحسب معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية. ويمكن للسيسي أن يسجل في صالحه النجاح التام في هذه المهمة. إذ عاد السياح مؤخراً إلى سيناء، وأهمهم السياح الإسرائيليون الذين يتدفقون إلى شبه الجزيرة بأعداد هائلة، وذلك بعد مرور فترة تكاد تبلغ عقداً من الزمن، منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، التي سجلت أرباح قطاع السياحة المصرية فيها انخفاضاً غير مسبوق.
- في الوقت نفسه، فإن مكانة السيسي في العالم العربي، ومكانة مصر بصفتها "أم الدنيا"، الآخذتين في التدهور، لا تتيحان للرئيس السيسي التنصل من جميع مسؤولياته تجاه مصير سكان قطاع غزة. ولهذا الغرض، استجاب السيسي لمطالب عدد من أعضاء مجلس الشعب الذين طالبوا بعقد جلسة برلمانية استثنائية، للتعبير عن التضامن مع سكان القطاع، وتم خفض العلمين المرفوعين على مبنى البرلمان إلى نصف السارية، تعبيراً عن الحداد، وجرى إعلان الحزن الوطني ثلاثة أيام، حداداً على الضحايا الفلسطينيين الأبرياء الذين قضوا في الهجوم على المستشفى الأهلي. كما بادر السيسي إلى عقد اجتماع قمة دُعيَ إليه ممثلون عن دول الإقليم، إلى جانب ممثلين دوليين. وقد أكد حضوره، حتى الآن، ممثلون من قطر، وتركيا، واليونان، والسلطة الفلسطينية، والإمارات، والبحرين، والكويت، والسعودية، والعراق، وقبرص. كما وعد الأمين العام للأمم المتحدة بالمشاركة في المؤتمر الذي يهدف، بحسب تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، إلى وقف التدهور في القطاع، والتوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق نار، وصوغ حلّ للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، بالاستناد إلى حل الدولتين.
- هذه المبادرة تعيد رفع السيسي، إلى مرتبة "البالغ العاقل"، من ضمن زعماء الإقليم، وهي تعيد إلى المصريين مكانتهم، إلى حد ما، بصفتهم لاعباً إقليمياً مهماً. كما أن الوعد الذي قطعه السيسي للرئيس الأميركي بايدن، والذي يفيد بأن مصر مستعدة لفتح معبر رفح لإدخال الغذاء والماء والمعدات الطبية لسكان القطاع، قد حظيَ بالعرفان من جانب الرئيس الأميركي، وساعد السيسي على تحصين صورته، بصفته زعيماً تهمّه المصلحة المصرية قبل كل شيء، لكن في الوقت نفسه، لا تغيب عنه مصالح أخوته العرب الغزيين.