ألم نعد منذورين للفوز؟ العلاقات الأميركية الإسرائيلية تدخل في حلقة مفرغة
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • في ساعاته الصعبة، اعتاد الرئيس ريتشارد نيكسون التجول في أروقة البيت الأبيض، بحثاً عن ضحية يشاهد معه، أو معها، للمرة المليون ربما، فيلمه المفضل "باتون"، الصادر سنة 1970، والذي يتحدث عن حياة بطل الحرب العالمية الثانية الجنرال جورج باتون. سبب هذا الاستحواذ الذي اعترى نيكسون تجاه الرجل، بحسب كتاب سيرته الذاتية، كامن في اللقطة الافتتاحية التي يعلن فيها باتون أن "الأميركيين يحبّون المنتصرين (winners)، ولا يحتملون الخاسرين." لقد كان نيكسون، في كثير من النواحي، استثنائياً في تعامُله مع الأمور، لكن هذه الاستثنائية لم تشمل أبداً مقاربته إزاء إسرائيل: فإيمانه المطلق بأن "إسرائيل" منذورة للفوز، هو الذي أملى في السابق، ويملي دائماً، الدعم الاستراتيجي الأميركي لها.
  • لهذا السبب، يتعين علينا أيضاً أن ندرك العواقب البعيدة الأمد، المترتبة على زيارة الرئيس جو بايدن للبلد، وهذا الاحتضان الأميركي الدافئ منذ نشوب الحرب في غزة. ما من شك في أن هذه الزيارة، في المدى القريب، هي تعبير رائع عن الصداقة، وهي تثبت، إلى جانب إرسال حاملتَي الطائرات الأميركيتين إلى المنطقة، مدى الاهتمام والالتزام الأميركيَين بالأمن الإسرائيلي. لكن، في المدى البعيد، فإن هذه العلاقات المميزة بين البلدين موجودة على مفترق طرق مصيري، فالدعم الأميركي لإسرائيل استند إلى المفارقة دائماً، وإلى الافتراض أن إسرائيل ليست بحاجة إلى دعم. بمعنى أنه يكفي أن توفّر الولايات المتحدة لإسرائيل وسائل القتال، أما الأخيرة، فهي ستحقق النصر بقدراتها الذاتية.
  • إن الهجمة التي شنتها حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، واحتمالات اندلاع الحرب، في مواجهة كلٍّ من حزب الله وإيران، تهددان الآن بقلب المعادلة، والخطر المترتب على ذلك واضح: فإذا ظهرت إسرائيل في عيون الأميركيين، بصفتها محتاجة إلى إنقاذ - لا إلى دعم فقط - فهي ستفقد شرعيتها الاستراتيجية في واشنطن، وستتحول من كونها منحة إلى محنة.
  • وعلى الرغم من كل التصريحات (الصحيحة) بشأن القيم المشتركة التي تربط بين الدولتين، فإن تطوير العلاقات بينهما وتعزيزها يرتبط، عملياً وبصورة مباشرة، بتعاظُم إسرائيل الجيو سياسي. خلال الجدالات التي دارت في دوائر صُنع القرار الأميركية، قبيل إعلان "استقلال إسرائيل" سنة 1948، طُرح السؤال التالي: مَن سيدافع عن هذه الدولة الضعيفة، إن لم تكن قادرة على الدفاع عن نفسها؟ لم يصدق كثيرون في واشنطن أن إسرائيل ستبقى في قيد الحياة، ولذا، كانوا يخافون من أن يضطر الجنود الأميركيون إلى القدوم من أجل الدفاع عنها، في نهاية المطاف.
  • كلما أثبتت إسرائيل قوتها، على مدار السنوات، كلما خَبت الأصوات التي عارضت تعزيز العلاقة بين البلدين في الولايات المتحدة، وبدأت باعتبارها كنزاً استراتيجياً في الحرب الباردة.  لقد ساهم كلٌّ من حرب سيناء [1956]، وحرب الأيام الستة، والاستعداد الإسرائيلي للتدخل خلال أحداث أيلول الأسود، وحملة عنتيبي، في ترسيخ صورة "إسرائيل المنتصرة"، في نظر الأميركيين، وأثبتت للولايات المتحدة أن لديها، ليس فقط مَن تستند إليه، بل أثبتت، وبصورة أساسية، أن الولايات المتحدة يمكنها أن تعتمد على أن لديها مَن يقوم بالمهمة بقواه الذاتية.
  • إن كل مَن لديه اطّلاع على المحادثات الدبلوماسية العاجلة، والمذعورة، التي دارت خلال الأسبوع الأول من حرب "يوم الغفران"، يعرف كيف كانت إسرائيل تسير على حبل رفيع في تعامُلها مع الأميركيين: لقد كانت إسرائيل، من جهة، مضطرة إلى إبداء ثقتها بانتصارها، ومن ناحية أُخرى، كان عليها أن تعكس خطورة الوضع لكي تتلقى السلاح الضروري لتحقيق ذلك النصر بنفسها. وهذا هو أيضاً، بالمناسبة، ما يجعل إسرائيل تتميز من بقية حلفاء الولايات المتحدة. فإسرائيل، بعكس كلٍّ من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، ودول حلف شمال الأطلسي، لم تحتَج أبداً إلى مظلة نووية، أو إلى وجود القوات الأميركية لكي تدافع عن أراضيها. لقد كان يُنظر إلى إسرائيل بصفتها "حاملة الطائرات الأميركية الأكبر في العالم، غير القابلة للإغراق"، حسبما وصفها، ذات مرة، وزير الخارجية في إدارة ريغان، ألكسندر هيغ.
  • على مدار الأسابيع الماضية الأخيرة، تلقّت "حاملة الطائرات هذه" ضربة مباشرة وموجعة، ونتيجةً لذلك، فإن إسرائيل تعيش الآن في حلقة مفرغة: فإذا تم النظر إليها، للمرة الأولى في حياتها، بصفتها بحاجة إلى الولايات المتحدة لكي تنقذها، أو على الأقل، لكي تقدم لها المساعدة لحماية نفسها من حزب الله، فإن نجاعتها الاستراتيجية ستتقوض، في نظر كثيرين من الأميركيين. وفي المقابل، ليس من المؤكد أن تتمكن إسرائيل من الخروج منتصرةً من المواجهة المتعددة الجبهات، من دون هذا التدخل العسكري.
  • بناءً عليه، من المهم أن ندرك التالي: الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى دول أُخرى تعتمد عليها في الحماية، فهناك ما يكفي من هذه الدول في آسيا، وأوروبا، والخليج الفارسي. الولايات المتحدة بحاجة إلى حليفة إقليمية قادرة على تحقيق النصر بنفسها. إن الحدود الفاصلة بين الشراكة والارتهان الاستراتيجي عبارة عن خيط رفيع. ويُحظر أن تنهي إسرائيل هذه الحرب من دون أن توضح للولايات المتحدة، أنها كانت شريكة، وستبقى.