في الوقت الذي تتجند الأمة لحرب وجودها: نتنياهو منشغل بالخلاص الشخصي
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • دماء إخوتنا لا تزال تصرخ بقوة من الأرض، وأيضاً بكاء الرهائن في غزة مسموع جيداً في كل أصقاع البلد. لكن مصمم الخراب يختار سماع أصوات أُخرى تساعده على تحديد مسار التهرب من المسؤولية. ففي الوقت الذي تتجند الأمة، كلها تقريباً، لحرب وجودها، يتجند هو بالكامل لحرب أُخرى، النجاة الشخصية.
  • لا يقوم بتقديم العزاء (وهناك كثير من العزاءات للأسف)، ولا يزور الجرحى، ولا حتى يعانق عائلات الرهائن، الذين تمر عليهم كل لحظة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية كجهنم أبدية. يزور فقط مناطق نظيفة، ويلتقط صوراً مع الجنود في الخلفية، بعد أن يتأكد حراسه من أنهم جميعاً من دون أسلحة. هو ليس كبطله ونستون تشرتشل، لا يملك الشجاعة لإيقاف موكبه والنزول للتحدث مع الناس في الشارع. يعلم بأنه سيُطرد بصورة مخجلة. والأسوأ من هذا كله، يبدو في الأيام الماضية أنه لا يملك، حتى شجاعة تنفيذ أهداف الحرب التي عرّفها: تفكيك قوة "حماس" العسكرية والسلطوية في غزة. هذا التهديد نريده.
  • الجيش فشل على جميع الصعد، الاستخباراتية والعملياتية والقيادية. وعلى صعيد تشخيص التهديد والتجهز له والرد. والشاباك أيضاً. وبعد أن قاموا من وهلة الصدمة، سارع أصحاب المناصب الأمنية إلى تحمُّل المسؤولية عن الفشل: بدءاً من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، وصولاً إلى مقاتلي وحدة "شلداغ" الأبطال الذين طلبوا السماح من سكان "الكيبوتس" لأنهم لم ينجحوا في إنقاذهم.
  • لم يتحملوا المسؤولية للحصول على الإعجاب. ولم يضعوا الماكياج للوقوف أمام الكاميرات والتعبير عن القيادية. تحملوا المسؤولية، لأن هذا ما يقوم به مَن يتحمل المسؤولية، لكي يستطيع الاستمرار في العمل. وكان يبدو للجميع أنه وفي اللحظة التي تحمّلوا المسؤولية، قلّ حِمل الفشل الذي يحملونه، وهو ما سمح لهم بالتركيز، منذ تلك اللحظة، على الهدف الأعلى: الانتصار في الحرب.
  • هذه الحرب ستُدار، في مرحلتها الأولى على الأقل، ممن تحملوا ثقل الفشل الكبير. المعركة ستكون طويلة، ويمكن أن يتم استبدال قسم منهم خلالها. لكن في الوقت الذي يركزون على مهمة تفكيك "حماس" وأنفاقها، ينشغل المسؤول عنهم بحفر طريق خلاصه الشخصي. سيكون من الصعب الانتصار هكذا.
  • في نهاية هذا الأسبوع، وقف رئيس الحكومة أمام القرار الأصعب الذي أُرغم على اتخاذه خلال حياته. فمن جهة، هناك حياة أكثر من 200 إسرائيلي (بعض الرهائن ليس في قيد الحياة)، ومن جهة أُخرى، هناك مصير الأمة برمتها، وقدرتها على البقاء هنا. لا يمكن تحقيق الهدفين معاً - تحرير الرهائن وأيضاً هزيمة "حماس".
  • سيكون هناك ثمن من حياة الأشخاص في كل قرار يتّخذه. وليس كعادته، هذه المرة، لا يستطيع الهروب من القرار، أو التهرُّب منه حتى النهاية. إسرائيل لا تستطيع الدخول في مفاوضات تمتد إلى أشهر مع "حماس" والموافقة على وقف إطلاق نار طويل الأمد، يسمح لـ"حماس" بالتسلح وإعادة تنظيم القوات. نافذة الوقت لاتخاذ القرار تُغلق.

ليست جولة إضافية - حسم

  • منذ عشية السبت الأسود، كان من الواضح لإسرائيل كلها أننا نخرج في حرب يمكن أن تكون لها نتيجة واحدة: إبادة "حماس" مع كل قدراتها. ليست معركة محدودة، ولا جولة قتالية، إنما حرب يجب أن تنتهي بنصر واضح. لم يكن لدى الجيش خطة عملية لهكذا حرب.
  • في الأيام التي تلت المذبحة، كانت قيادة المنطقة الجنوبية لا تزال في حالة صدمة، وانشغلت بتطهير "بلدات الغلاف". الجنرال تشيكو تامير الذي جهّز الخطط العملياتية السابقة للقيادة، التزم وبدأ بوضع خطة جديدة، هدفها الحسم في مقابل "حماس". تامير هو إحدى القيادات العسكرية البارزة التي نشأت في الجيش خلال عشرات الأعوام الماضية. ويمكن أن يكون الوحيد الذي يعرف كيف يقرأ "المنطق الشرير" للقائد العسكري الذي يقف في مواجهته - محمد ضيف.
  • إلى جانب الجنرال في جيش الاحتياط يوسي باخر، من سكان كيبوتس "بئيري"، والذي قاتل يوم "السبت الأسود" ضد مَن اخترقوا الحدود، وفقط مع بعض أبناء عائلته، جهّز تامير خطة، الهدف منها دفع الجيش إلى مراكز ثقل وسيطرة "حماس"، ثم الحسم. هذه الخطة لمناورة برية جدية إلى داخل القطاع، تعكس قوة الجيش بكاملها. ستحتاج إلى كثير من الوقت، وسيكون لها أثمان ليست قليلة من حياة الأشخاص، لكنها ستحقق الهدف المطلق.
  • أما الأميركيون، فأرسلوا إلى هنا ثلاثة جنرالات لديهم خبرة كبيرة، وأوصوا الجيش بالعمل ضد "حماس" كما عملت الولايات المتحدة ضد "داعش" - بمنطق القصف حتى الإبادة (Degrade and destroy). هذا شرط ضروري لعودة الحياة إلى الجنوب، لكنه غير كافٍ، في غزة التي سيبقى ممنوعاً وجود "حماس" فيها، أو أي قوة عسكرية أُخرى يمكن أن تشكل تهديداً.
  • قيام نتنياهو باستشارة شخصيات كثيرة خطوة جيدة، لقد استمع إلى العديد من الآراء، لكن التنازل عن الهدف النهائي ممنوع: النصر على "حماس". المنطقة كلها تنظر، وإذا بدأنا الآن بالتردد واتخاذ خطوات غير حاسمة إلى داخل غزة، فهذا سيجعلنا ننزف من دون نتيجة - ويزيد في شهوة حزب الله الضرب بنا من الشمال. لا يمكن التوصل إلى الحسم عندما تقاتل بحذر، تعلمنا هذا بثمن دماء مؤلم خلال حرب لبنان الثانية، وخلال "الرصاص المصبوب". الجيش يستطيع الانتصار في غزة، ويجب عليه ذلك.

بريك يبث الرعب

  • من بين الخبراء الكثر الذين استشارهم نتنياهو كان الجنرال في جيش الاحتياط إسحاق بريك، وهو الذي يتم التعامل معه الآن على أنه نوسترداموس العصر الحديث، الذي حذّر وتوقّع كل الخراب الممكن. هناك ما يجب الاستماع إليه في انتقادات بريك للجيش. خسارة، لأن نتنياهو لم يستمع إليه، أو لوزير الدفاع يوآف غالانت، قبل نصف عام، عندما حذّرا من أن خطوات حكومته تفكك قوة إسرائيل، وتضعنا أمام خطر واضح وفوري. "حماس" استمعت، كما يبدو، واغتنمت الفرصة.
  • بريك يستغل المنصات التي تُمنح له الآن، من أجل الاستمرار في بثّ الرعب فينا جميعاً. يشرح أن الجيش غير جاهز، ولا يستطيع تنفيذ المهمة. وأوصي كل مَن يخاف من أقواله، بالذهاب إلى الجنوب، ومشاهدة القوة التي جُمعت في مقابل غزة. غزة في هذه الحرب ستلاقي قوة الجيش الحديث، كما لم يقابلها أحد حتى الآن في الشرق الأوسط.
  • الجيش لن يدخل إلى غزة بمنطق جولة قتالية وعمليات جراحية مختارة. عندما سيفعّل الجيش كامل قوته، وسيفعّلها، لن تستطيع أي كتيبة تابعة لـ"حماس" أن توقفه. سيتخلفون وراء قواتنا ويجعلوننا ندفع ثمناً، لكنهم في نهاية المطاف، سيُبادون، ونحن سننتصر. في سنة 1940، قال تشرتشل للبريطانيين "تسألون ما هي سياستنا؟ وأنا أجيب، الحرب بكل القوة والموارد ضد عدو متوحش. وما الهدف؟ سأجيب بكلمة واحدة: الانتصار. لأنه: لا بقاء من دون انتصار."