المطلوب بلورة استراتيجيا عميقة وحكيمة تستشرف المستقبل
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- مع بداية الأسبوع الرابع للحرب، ينقشع غبار الشعارات التي رافقت بدايتها، وتزداد حدّة الاعتراف بأن إسرائيل في مواجهة تحدٍّ مرهق وطويل. المعركة المنتظرة تذكّر بحرب الاستنزاف، أو بالبقاء الطويل عدة أعوام في الجنوب اللبناني، أكثر مما تذكّر بحرب "يوم الغفران"، ومن المؤكد أنها لا تذكّرنا بحرب الأيام الستة، التي كانت عبارة عن حروب قصيرة، وانتهت بصورة واضحة نسبياً.
- بناءً على ذلك، يتعين على إسرائيل بلورة استراتيجيا عميقة وحكيمة، تستشرف المستقبل، وفي الوقت عينه، التخطيط للعملية العسكرية والجهد المخصص لتحرير المخطوفين. ومن الضروري أن تكون هذه الاستراتيجيا خالية من الشعارات ذات المضمون المضلِّل والمركّب، ومن وجهات نظر خاطئة، ومن الفجوات في الفهم العميق لـ"حماس"، التي شكلت أساس النظرية حتى عشية السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
- أولاً، المطلوب الوضوح إزاء هدف المعركة. وفي هذا الإطار، يجب أن نوضح أن الهدف المركزي هو توجيه ضربة قاضية إلى حركة يبلغ عديدها 100 ألف ناشط في غزة، والقضاء على أكبر عدد ممكن من زعاماتها، واعتقال كثيرين آخرين، والتدمير المادي للبنى التحتية العسكرية والمدنية التي تستخدمها الحركة، وتجفيف مواردها الأساسية، ومنع استمرار سيطرتها على أنها السيّد الفعلي في القطاع. إلى جانب ذلك، المطلوب رؤية حكيمة. فكرة "حماس" بحد ذاتها، لا يمكن محوها، وفي الحقيقة، هناك أيضاً المنتسبون إليها والموجودون في مراكز المنظومة الفلسطينية، في الضفة الغربية، وفي القدس الشرقية، أو في الخارج، الذين لا يمكن المسّ بهم بالقوة نفسها المستخدمة في غزة. وعموماً، من الأفضل الامتناع من المراهنة على تغيير عميق في الوعي وسط الفلسطينيين، وهو هدف فشل الأميركيون في تحقيقه في العراق وأفغانستان، ولن يتحقق إلاّ بفعل تغييرات عميقة في الشرق الأوسط، وليس مفروضاً من الخارج.
- ثانياً، ننصح بفحص الأفكار المطروحة في الحديث الإسرائيلي بعين انتقادية، والتي تستند إلى سوابق من الماضي، من دون فهم المغزى الخاص بالحرب الحالية. ضمن هذا الإطار، على سبيل المثال، يُطرح إجلاء "حماس" من قطاع غزة إلى مكان آخر، مثلما جرى مع منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في سنة 1982. تتجاهل هذه الفكرة أن "حماس" حركة أيديولوجية متشددة، ويفضّل كبار المسؤولين فيها أن تكون نهايتهم مثل "هتلر في مخبئه في برلين، أو صدام حسين الذي ظل يعمل في الخفاء إلى حين القبض عليه"، على "إجلاء الخنوع" عن بيروت.
- علاوةً على ذلك، وبعكس منظمة التحرير، "حماس" متجذرة في عمق المجتمع الغزّي، وتستمد منه قوتها والتأييد لها. وبالتالي، ليس من الواضح ما هي الدول، بما فيها إيران حليفة الحركة، التي ستوافق على استقبال عشرات الآلاف من "المخربين" من أصحاب السوابق والمثيرين دائماً للمشكلات.
- هناك فكرة أُخرى طُرحت كثيراً في الماضي، ومن الصعب أن نشهد تحقُّقها، وهي فرض نظام جديد برعاية قوة دولية في القطاع. لإسرائيل تجربة مرّة مع هذا النوع من النماذج التي يتبين أنها من دون أسنان، على سبيل المثال، اليونيفيل في الجنوب اللبناني، أو القوة المتعددة الجنسيات التي انتشرت بعد الانفصال عن غزة على الحدود بين القطاع ومصر في سنة 2005، وهربت من هناك، بعد وقت قصير من بداية عملها. علاوةً على ذلك، في الواقع الدولي الحالي المليء بالتحديات الأمنية والاقتصادية، ثمة شك في أن تقبل أي دولة إرسال قواتها إلى منطقة منكوبة ومليئة بالتهديدات، مثل قطاع غزة.
- فقط بعد إزالة الشعارات وما تبقى من النظرية، يمكن أن ننظر في المرآة. توجيه ضربة قاتلة إلى "حماس"، يتطلب دخولاً واسعاً إلى القطاع. وفي اليوم التالي للضربة، ستجد إسرائيل نفسها في مواجهة عدد من البدائل السيئة، وستضطر إلى اختيار الأقل سوءاً من بينها. أحد هذه الخيارات هو إقامة حُكم يستند إلى قوى محلية لها علاقة قوية بالسلطة الفلسطينية، ويحظى بتأييد خارجي كبير. وهذا الهدف يوجد حوله كثير من علامات الاستفهام، لكنه أكثر حكمةً من سائر البدائل، ومن أجل تعزيز فرص تحقيقه، على إسرائيل البدء بخطوات عملية منذ الآن، وبصورة خاصة إجراء اتصالات بجهات من داخل المنظومة الفلسطينية، ومن خارجها.