يجب أن يتوقف التصعيد ضد المجتمع العربي
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إن أحداث "السبت الأسود"، هي أمور تستحق كلّ إدانة إنسانية... منذ ذلك الحين، تتواصل المحاولات التي لا تتوقف، والهادفة إلى إشراك المجتمع العربي في الأحداث وإطلاق حملة "حارس الأسوار 2"، كما سمّاها إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي. بن غفير ليس وحده في هذا المجال. فوزير التربية والتعليم وآخرون، ينطلقون في حملات صيد ساحرات ضد المجتمع العربي، في حين دعا المفتش العام للشرطة إلى نقل المواطنين العرب إلى غزة جواً.
- يبلغ تعداد المجتمع العربي في إسرائيل اليوم نحو 2.1 مليون إنسان. وهم يمثلون أقلية كبيرة (تبلغ نحو خُمس عدد السكان)؛ لقد قرر هذا المجتمع عدم الرقص على أنغام الناي المدمّر الذي يعزفه الساعون للقضاء عليه، وهو يحافظ على ضبط النفس. لم يستجب المجتمع العربي في إسرائيل إلى جهات خارجية كـ"حماس"، للمشاركة في "طوفان الأقصى" و "المعركة الشاملة" ضد إسرائيل، ولم يُصغ أيضاً إلى الجهات التحريضية داخل الحكومة.
- في يوم "السبت الأسود"، تألم المجتمع العربي من رؤية المشاهد المرعبة، وفرض على نفسه حظر تجوال عبّر عن عُمق ألمه. بعد ذلك فوراً، بدأت وسائل الإعلام العربية تتناقل أخباراً عن الفظائع التي تم ارتكابها في غزة، وقد وجد المجتمع العربي نفسه متألماً وممزقاً من الاتجاهين، لكنه حافظ على انضباطه بصورة نموذجية أيضاً، ولم يرقص، لا على أنغام الناي العنصري، ولا الناي القاتل.
- يدلنا التاريخ على أنه في جميع الاحتجاجات الجماعية- كما جرى في يوم الأرض الأول سنة 1976، حين تم إعلان الإضراب العام الأول في أوساط الجماهير العربية، أو خلال أحداث تشرين الأول/أكتوبر 2000، أو أحداث "حارس الأسوار" سنة 2021- كان المجتمع العربي مستقلاً في اتخاذ قراراته. وهو يفعل ذلك بدافع من شعوره بالألم الجمعي الذي يعاني جرّاءه، ولا يستعين بآخرين ليقودوه.
- إن المواطَنة هي الأساس الذي يوحّد جميع الفئات في الدولة، ولذلك، حين شُرع في المساس بمواطنة العرب، ابتداءً من قانون القومية وما تلاه، فقد انهار كل شيء.
- لقد دخل المجتمع العربي إلى هذا الحدث وهو مصاب بكدمات، وينزف، ويتفتت، نتيجة عنف الإجرام المنظم الذي أودى بحياة مئات القتلى من أبنائه على مدار العام الماضي. لقد عانى هذا المجتمع، طوال السنوات الماضية، جرّاء السياسات الحكومية المؤذية التي أهملت الأمن الشخصي لأبناء المجتمع العربي. إن هذه الدولة، بصفتها المسؤولة عن الأمن الشخصي، اختفت بكل بساطة من البلدات العربية، وتركتها لمصيرها. إن الدولة، في دورها الرئيسي العصري، هي الوحيدة المسموح لها بممارسة العنف، وفرض النظام. وهكذا، أفسحت الدولة، بغيابها، المجال أمام المنظمات الإجرامية المنظمة لملء الفراغ الذي تركته. وبحسب الشرطة، فإن هذه المنظمات وغيرها تملك نحو نصف مليون قطعة سلاح (!). في يوم "السبت الأسود"، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، اتضح لنا أن الدولة اختفت أيضاً من "غلاف غزة". إن الدولة تهمل جميع مواطنيها، حرفياً.
- في 19 تموز/يوليو 2018، بينما كنت أنا وعائلتي نائمين، ونحلم بغد أفضل، صادق الكنيست على قانون القومية العنصري الذي اقترحته حكومة نتنياهو. وهو قانون انحرف بصورة متطرفة عن نص "وثيقة الاستقلال" التي ضمنت المساواة بين جميع فئات المجتمع في الدولة. وهكذا، أطلقت الحكومة، بصورة احتجاجية، بداية الانقلاب القضائي في إسرائيل. لقد رسّم هذا القانون معنى جديداً ومتطرفاً، ورمزياً ودستورياً، لمفهوم المواطنة، وقد شرّع الممارسات العنصرية المتمثلة في تهويد الحيز، كما يشير البند السابع من القانون المقترح (أقرّت المحكمة العليا هذا القانون)، وهكذا، بدأ الانقلاب القضائي، فمورِس أولاً ضد المجتمع العربي، الذي يشكّل هدفاً سهلاً، وبعدها، تم توجيه الانقلاب ضد دولة إسرائيل كلها.
- المواطنة هي المبدأ الذي يوحّد الناس في دولة ما، وهي التعاقد الأساسي الوحيد بين الدولة ومواطنيها. فإذا ما تم المساس بهذا التعاقد، فإن المجتمع يتفتت. إن المساس بمواطنة العرب يستمر من خلال قانون القومية، وقانون المواطنة المصاب بفوبيا ديموغرافية، وقانون لجان الاستقبال للبلدات، وبواسطة الخطاب المعادي. هكذا نجحت جهات داخلية في عزل المجتمع العربي، ليسبح في دمه. إنه إهمال بهدف الإهمال. وعلى الرغم من أن المواطنة هي الأساس الوحيد الذي يجمع شمل جميع الفئات في الدولة، فإنه تم إسقاطها، وبعد إسقاطها، سقط كل شيء.
- على الرغم من الأضرار، فإن المجتمع العربي لا يرقص على أنغام أيّ جهة من الجهات التي ذكرتها أعلاه، ويتضح أن قدرة هذا المجتمع على التحمل، على الرغم مما مرّ ويمر به، عالية جداً. والدليل على ذلك، فإن مئات آلاف العمال العرب والعاملات العربيات في هذه الأيام، يقومون بتشغيل المستشفيات والصيدليات وأي قطاعات تشغيلية حيوية في البلد. إنهم يقومون، عملياً، بصيانة الدولة في وقت الحرب. هذه اللحظة هي اللحظة التي يجب أن تُترك فيها هذه الأقلية وشأنها، والتوقف عن التحريض ضدها. ربما يدرك الساسة، في نهاية المطاف، أن دولةً تسعى للحياة، عليها أن تحترم حقوق أقلية تشكل أكثر من خُمس عدد سكانها.
- إن المجتمع العربي في إسرائيل هو أقلية عرضة للخطر، ويكافح بلا كلل، حتى في هذه الأيام، من أجل الحفاظ على نفسه ممن يريدون استخدامه كأداة. أما الأغلبية اليهودية الساعية هنا لبناء حياة منصفة، فتواجه حالة طوارئ مهمة: يجب التوقف عن ضرب أسس مواطَنة الأقلية العربية، ويجب التوقف عن التحريض ضدنا في هذه الأيام. لأن هذا يمكن أن يؤدي إلى حدوث كارثة إضافية.