العلاقات بين روسيا وحركة "حماس" في ظل حرب "السيوف الحديدية"
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • يشكّل الدعم الروسي الواضح لحركة "حماس" في أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر نقطة تحوّل في العلاقات الروسية الإسرائيلية. ففي حين دان كثيرون من زعماء العالم الهجمة القاتلة التي نفّذتها حركة "حماس" خلال السبت الأسود، انتهجت روسيا سياسة مناهضة لإسرائيل، وامتنعت من إدانة حركة "حماس". وصرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أسبوع فقط على نشوب الحرب، في خطاب ألقاه في أثناء عقد قمة زعماء دول الاتحاد السوفياتي السابق في عاصمة قيرغيزستان، بأن الهجمة على إسرائيل كانت غير مسبوقة، لكنه في الوقت نفسه، اتهم إسرائيل بأنها قامت بردة فعل وحشية. وقارن بوتين بين الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة، والحصار الذي فرضته ألمانيا النازية على لينينغراد، والذي تسبب بسقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين، تمثل في مئات الآلاف من السكان المدنيين. وعلى الرغم من أن بوتين تحدّث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فإنه أعلن أن المساس بالأبرياء في قطاع غزة هو أمر غير مقبول. وفي 16 تشرين الأول/أكتوبر، أرسل بوتين تعازيه لعائلات القتلى الإسرائيليين، وذلك في محادثة هاتفية أجراها معه رئيس الحكومة الإسرائيلية، من دون أن يشمل ذلك إدانة لحركة "حماس".
  • إن تعزيز العلاقة بين روسيا وحركة "حماس"، يعكس الاستراتيجيا الروسية المتمثلة في الحفاظ على العلاقات الجيدة مع أطراف الصراع المختلفة. وبالنسبة إلى "حماس"، هناك أهمية كبرى كامنة في العلاقات مع روسيا، بما يُظهر الحركة بأنها تنظيم مرحّب به في إحدى أهم عواصم العالم. مبدئياً، التزمت موسكو موقفاً، مفاده أن حركة "حماس"، المعرّفة بأنها منظمة "إرهابية" من كلٍّ من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، ودول أُخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، هي تنظيم سياسي شرعي.
  • لم تكن العلاقة بين روسيا وحركة "حماس" قريبة دائماً كما هي اليوم. ففي التسعينيات من القرن الماضي، وحتى فوز "حماس" في انتخابات 2006 للمجلس التشريعي الفلسطيني، قامت روسيا باستنكار النشاطات "الإرهابية" التي نفّذتها حركة "حماس"، وأطلقت على عناصرها اسم "عناصر ميليشيات إسلامية"، متطرفين، ومتشددين. تغيرت العلاقات بصورة كبيرة بعد الانتخابات، حين أعلن بوتين أن التنظيم استلم السلطة بواسطة انتخابات ديمقراطية وشرعية. وابتداءً من سنة 2006، عُقدت لقاءات دورية بين زعماء حركة "حماس" وممثلي وزارة الخارجية الروسية. في سنة 2011، طرأ تدهور موقت على العلاقات، في أعقاب دعم حركة "حماس" للمعارضة في الحرب السورية. لقد شارك عناصر "حماس" الذين كانوا في سورية وقت اندلاع الحرب، في القتال بصورة ناشطة إلى جانب قوات المعارضة، في حين قدمت روسيا دعمها لبشار الأسد. ومع ذلك، فإن العلاقات بين الطرفين لم تنقطع، وبمرور السنوات، عادت العلاقات إلى مسارها. وواظبت وفود من قيادة حركة "حماس" على الذهاب إلى موسكو ولقاء وزير الخارجية الروسي ومسؤولين روس آخرين، إلى جانب اللقاءات التي جمعت بين قيادات حركة "حماس" ودبلوماسيين روس في دول مختلفة. لم يكن موقف روسيا ثابتاً خلال جولات الحرب السابقة بين "حماس" وإسرائيل، بل تأثر بمصالحها في لحظة الاشتباك. في سنة 2014، خلال حملة "الجرف الصامد"، طرأ تغيير على السياسة الروسية، وحاولت روسيا الحفاظ على الموضوعية والحياد، والتزمت تخفيض انتقاداتها لإسرائيل، بعكس ما قامت به خلال معارك أُخرى، مثل موقفها خلال حملة "الرصاص المصبوب" (2008-2009). ولعل مردّ ذلك إلى امتناع إسرائيل من انتقاد روسيا بسبب قيام الأخيرة بضم شبه جزيرة القرم.
  • أما الآن، فإن منظومة المصالح الروسية لا تميل إلى مصلحة إسرائيل. فالمصلحة الروسية الأساسية اليوم تتمثل في تحويل انتباه الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، عن أوكرانيا. وازدياد التدخل الأميركي في الشرق الأوسط يخدم هذا الهدف. وفي المقابل، فإن روسيا تتهم الولايات المتحدة بالمسؤولية عن اندلاع الاشتباك الراهن. وثانياً، تطمح روسيا إلى إعادة ترميم مكانتها، كونها لاعباً دولياً مؤثراً، ولذا، فهي تحاول ترويج وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وإلى جانب ذلك، فإن منظومة العلاقات القائمة بين روسيا وإيران تحولت إلى حلف استراتيجي، نتيجة الحرب في أوكرانيا، وبهدف الحفاظ على هذه العلاقة، تروّج موسكو سياسة مؤيدة تجاه حلفاء إيران، وخصوصاً حركة "حماس"، إذ إنه من المريح لموسكو أن الولايات المتحدة باتت تركز اهتمامها على الشرق الأوسط.
  • ينعكس الدعم الروسي لحركة "حماس" في الخطوات التي اتخذتها موسكو على الساحة الدولية. ففي تاريخ 16 تشرين الأول/أكتوبر، روّجت روسيا مقترحاً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يدعو إلى وقف إطلاق النار، إلا إن المقترح الروسي لم يتضمن إدانة لحركة "حماس"، أو لهجومها على إسرائيل، بل شمل استنكاراً للعنف وأعمال الإرهاب ضد المدنيين، وهو تعبير من شأنه أن يتم تفسيره، إمّا كاستنكار لأفعال "حماس"، وإمّا كاستنكار لنشاط إسرائيل في غزة. وعلاوةً على ما تقدم، فإن المقترح الروسي لمّح إلى أن إسرائيل مسؤولة عن قصف المستشفى الأهلي، على الرغم من الشهادات التي تشير إلى أن الصاروخ الذي استهدف المستشفى انطلق من أراضي القطاع. وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر، استخدمت روسيا حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد مقترح أميركي دعا إلى إدانة حركة "حماس" وتأييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. ولاحقاً، صعّدت روسيا خطابها المناهض لإسرائيل من خلال العودة إلى المصطلحات السوفياتية، ففي 2 تشرين الثاني/نوفمبر، أنكر السفير الروسي لدى الأمم المتحدة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بادّعاء أن إسرائيل دولة احتلال.
  • كما تُظهر تصريحات كبار مسؤولي حركة "حماس" مدى التقارب بين حركتهم وروسيا. فعلى سبيل المثال، في مقابلة أجرتها قناة روسيا اليوم الرسمية التابعة لروسيا، قال علي بركة، وهو قيادي في حركة "حماس"، إن تنظيمه قام بتبليغ موسكو بشأن الهجمة، بعد وقت قصير على انطلاقها. كما قام وفد من حركة "حماس" بزيارة لروسيا خلال الحرب، وأعلن القيادي في الحركة موسى أبو مرزوق أن "روسيا هي الصديقة الأقرب لحركة ’حماس’". في أعقاب الزيارة، وجّهت "حماس" شكرها إلى بوتين ووزارة الخارجية الروسية على جهودهما من أجل "وقف الهجمة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني". كما صرّح خالد مشعل، أحد مسؤولي حركة "حماس"، في مقابلة أجرتها معه قناة مصرية، بأن الروس بهرتهم الهجمة التي نفّذتها حركته، وأنهم سيدرّسونها في كلياتهم العسكرية.
  • ولا يقتصر الدعم الروسي لحركة "حماس" على الساحة الدبلوماسية الدولية. إذ إن هناك شهادات تشير إلى وجود وسائل قتالية روسية في أيدي حركة "حماس"، وضمنها صواريخ مضادة للدروع، وصواريخ أرض - جو، وغيرها، على ما يبدو، نقلتها إيران، في ظل تجاهُل روسي للأمر. وإلى جانب ذلك، في المقابلة نفسها، المشار إليها سابقاً، في قناة روسيا اليوم، ادّعى بركة أن روسيا منحت حركة "حماس" وكالة إنتاج بنادق كلاشنكوف الآلية، وذخائر مناسبة لها. كما تستخدم الذراع العسكرية لحركة "حماس" خوادم حاسوبية روسية. وعلى المستوى الاقتصادي أيضاً، يمكن رؤية استناد حركة "حماس" إلى بورصة كريبتو الروسية، من خلال تحويل عشرات ملايين الدولارات عبر محافظ رقمية، تسيطر عليها حركة "حماس" (وحركة الجهاد الإسلامي) للتحايل على العقوبات الأميركية المفروضة عليهما. وبحسب تقارير أوكرانية، لقد ساعدت مجموعة فاغنر على تدريب "مخربي حماس".
  • يُضاف إلى ذلك أن وسائل الإعلام الروسية الرسمية تبنّت هي أيضاً خطاً واضحاً مؤيداً للفلسطينيين. فالدعاية الروسية تسعى لتبرير نشاطات الجيش الروسي في أوكرانيا من خلال التركيز على مسؤولية الجيش الإسرائيلي في المساس بالمدنيين، والمبالغة في أعداد الضحايا في الجانب الفلسطيني. بعد قصف المستشفى الأهلي، ادّعى الإعلام الروسي مقتل آلاف الأشخاص، وهو رقم يتجاوز كثيراً الأرقام التي قدمتها مصادر غزية. يتم تصوير الجنود الإسرائيليين على أنهم "لا أخلاقيين"، نتيجة الأذى الشديد الذي يكبّدونه للسكان المدنيين في غزة، بعكس الجنود الروس الذين يُدّعى أنهم "غير قادرين على العمل بهذه الطريقة ضد المدنيين من النساء والأطفال". كما أن وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا، على غرار تليغرام، يسودها خطاب حاد مناهض لإسرائيل، ومليء بمظاهر فظة معادية للسامية.
  • في أعقاب محاولة الاعتداء الجماعي التي نُفّذت في داغستان في29 تشرين الأول/أكتوبر، دعا بوتين إلى عقد اجتماع مع أعضاء الحكومة ورؤساء الأجهزة الأمنية الروسية، حيث قام بترسيم خط واضح بين الحرب في أوكرانيا وبين الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس"، ثم اتهم الولايات المتحدة والغرب بزعزعة الاستقرار في روسيا، والشرق الأوسط، والعالم بأسره. وصرّح بأنه "على الجبهة الأوكرانية، سيُحدَّد مصير روسيا ومستقبل العالم بأسره، بما يشمل الشعب الفلسطيني". إن الربط بين الحربين، يضع روسيا، بما لا يدع مجالاً للشك، إلى جانب حركة "حماس"، في حين يضع إسرائيل في المحور المضاد، إلى جانب الولايات المتحدة والغرب. وعملياً، يقوم بوتين بتأكيد كلام بايدن بأن روسيا وحركة "حماس" تخوضان حرباً مشتركة ضد الأنظمة الديمقراطية.
  • إن تصريحات بوتين، وسلوك روسيا بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تزيد في وضوح فشل المفهوم الخاطئ الذي يقول إن روسيا لن تقف ضد إسرائيل في ساعات الاختبار. إن التغييرات الواجبة في سياسات إسرائيل تجاه روسيا تتمثل في الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة بصورة لا تحتمل الشك، ويشمل ذلك تقديم الدعم إلى أوكرانيا. وكلما سارعت إسرائيل إلى تكييف سياساتها وفق هذا التحدي، كلما تحسّن التوازن الاستراتيجي لمصلحتها في الشرق الأوسط وخارجه.
 

المزيد ضمن العدد