يجب ألّا تعمينا نجاحاتنا التكتيكية في غزة، فالمراحل الحاسمة لا تزال أمامنا
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
- بدأت الحرب في قطاع غزة بأسوأ طريقة يمكن تخيُّلها. إذ إن "حماس" بادرت، وإسرائيل بوغتت، والأثمان كانت أثقل من أن تُحتمل. في ميدان المعارك نفسه، انقلب السحر على الساحر، بعد الأيام الأولى، ومنذ ذلك الحين، تستمر الأعمال القتالية بحسب المخطَّط لها، لكن المعارك تصل الآن إلى نقطة رئيسية تستوجب اتخاذ قرار.
- كيف يمكن إنهاء المعركة الحالية، والانتقال إلى المعركة المقبلة بصورة تعزز تحرُّكنا في اتجاه تحقيق أهداف الحرب؟ ترغب إسرائيل في تحقيق ثلاثة أمور: استبدال سلطة "حماس" بعنوان سلطة أُخرى؛ والقضاء على القدرات العسكرية للحركة؛ واستعادة المخطوفين. إذا تمكنّا من تحقيق الأهداف الثلاثة، فسنحقق، ضمناً، هدف تحسين الحماية. بمعنى: ستتم استعادة الشعور بالأمان، ويعود السكان إلى "غلاف غزة"، ويجري ترميم مكانتنا العسكرية في الشرق الأوسط.
المعركة الأولى أصبحت وراءنا، والثانية
في عزّها، والمعارك القادمة أمامنا
- المعركة الأولى خيضت بالنار، إذ تم تدمير قدرات حركة "حماس" من الجو، ومُهّدت الأرض للحملة البرية. أما المعركة الثانية، فتمثلت في العملية البرية المشتركة، التي تركّع كتائب "حماس" في شمالي قطاع غزة. تثبت المناورة أن الحركة لا تملك القدرة على إيقاف الجيش الإسرائيلي، أما الإنجاز التراكمي المتمثل في هزيمة كتائب "حماس"، فسيؤدي في نهاية المطاف إلى هزيمة التنظيم بأسره.
- ما ورد أعلاه، لا يعني وجوب هزيمة كتائب "حماس" الـ 27 بأسرها، لكن من المعقول الافتراض أن هزيمة معظمها، إلى جانب القضاء على القادة الكبار للتنظيم، وخصوصاً الثلاثي "غير المقدس" (السنوار، والضيف، وعيسى)، سيشكل الكتلة الحرجة الكافية لخلق الشعور بالهزيمة في صفوف قادة الحركة.
القرار الصعب الذي سيتوجّب على إسرائيل اتخاذه
- لنبدأ من النهاية. كما قال رئيس الحكومة، في نهاية المطاف، ستكون إسرائيل مسؤولة عن قطاع غزة، أمنياً، لكنها لن تقوم باحتلال القطاع. هذا يعني أننا سنواصل العمل في القطاع، عسكرياً، من أجل "جزّ العشب"، مهما تطلّب الأمر من وقت. لن يتم إعلان وقف رسمي لإطلاق النار، ولن يكون هناك تفاهمات مع حركة "حماس"، ولا معادلات ردع متبادل، مثلما هي الحال اليوم في مواجهة لبنان. وإلى جانب ذلك، فإننا لا نعتزم إعادة الحكم العسكري إلى قطاع غزة، وإدارة حياة مليونَي فلسطيني يعيشون هناك. هذه المهمة سنتركها لتلك الهيئة السلطوية الجديدة التي ستُشكَّل في القطاع.
- ما هي تلك الهيئة الإدارية، ومتى ستتشكل؟ حسناً، على المرء أن يكون متواضعاً جداً في تقييمه الأمر، سيكون هناك هيئة سلطوية شبه منضبطة، تُشكَّل على مدار بضعة أشهر، والأمر يتعلق كثيراً بالقرارات التي يجب اتخاذها منذ الآن.
كيف يمكننا المواصلة من هذه النقطة؟
- على إسرائيل مناقشة بعض المسائل منذ الآن: فأولاً، عليها أن تعمل على تسريع الانتصار، وبناءً عليه، يجب النظر في المعارك التي يجب إدارتها الآن، من أجل زيادة الضغط على قيادات "حماس"، بطريقة تدفعها إلى الاستعداد لإطلاق سراح المخطوفين، الذي سيترافق مع هدنات إنسانية ووقف الأعمال القتالية، وبناءً عليه، يجب أن نقرر ما هو الوضع على صعيد العملية البرية المستقرة والآمنة، الذي يسمح لنا بالقيام بهدنات في الأعمال القتالية، تتيح التفاوض وإطلاق سراح المخطوفين.
- بالإضافة إلى ذلك، فإن الحرب هي سلسلة من المعارك. ولذا، يُطرح السؤال التالي: ما هو الوضع النهائي للمعركة الحالية؟ وكيف يمكن ربطها بالمعركة التالية التي تعقبها؟ وإلى جانب ذلك، يجب علينا أن نطرح على أنفسنا السؤال: ما هو الوضع النهائي للحرب العسكرية؟ ومتى ننسحب من قطاع غزة، وما الذي نتركه خلفنا؟
- يتعيّن علينا أن نتذكر أن كل هذه المعارك، وصولاً إلى نهاية الحرب، تتطلب منا وقتاً لا نملكه. تحتاج إسرائيل إلى أن تدرك كيف يمكنها "إنتاج" الوقت المطلوب، في مواجهة الضغوط المتصاعدة التي تطالب بإنهاء القتال. سيكون هناك أيضاً ضغط متعلق بضرورة تسريح جنود الاحتياط، لكي تعود عجلة الإنتاج الاقتصادي إلى الدوران. وكل ذلك، يرافقه الضغط الدولي المتصاعد، والمتمثل في الاحتجاجات المناهضة للحرب، وموجات اللاسامية المتطرفة التي تجتاح العالم، واقتراب فصل الشتاء الذي عندما يحل، سيُفاقم المشاكل الإنسانية داخل قطاع غزة. إن عقارب الساعة تدق، والوقت آخذ في النفاد.
على الساحتين العسكرية والدبلوماسية - الدولية،
هذا ما يجب القيام به منذ الآن
- يجب ألّا يعمينا النجاح العسكري التكتيكي، لئلا نتعثر في المعركة الحالية. إن المعارك التي يخوضها مقاتلونا، ببطولة، تهدف إلى خدمة هدف الانتصار في المعركة. علينا أن نعرّف المعنى المطلوب لانتهاء هذه المرحلة، وبعدها ننتقل إلى المعركة المقبلة، وهكذا دواليك، إلى الأمام، إلى حين تحقيق الانتصار في الحرب كلّها، ويجب علينا ألّا ننجرف مع التيار، وألّا نتعثر.
- بالإضافة إلى ما تقدّم، يجب أن يكون هناك وضوح استراتيجي، مترافق مع غموض عملياتي (أعتذر عن التعقيد)، سأحاول ترجمة الأمر إلى لغة عبرية بسيطة: علينا التوضيح للشعب الإسرائيلي والمجتمع الدولي رؤيتنا لمسار هذه الحرب: كيف سنصل إلى مرحلة النهاية في قطاع غزة، وكيف يرتبط الأمر بالجهات الدولية، والدول العربية، والسلطة الفلسطينية. علينا أن نوضح كيف يمكننا التعامل مع قطاع غزة من ناحية إنسانية، ابتداءً من اليوم، ووصولاً إلى اليوم الذي يتلو انتهاء الحرب.
- علاوةً على هذا كلّه، فالمطلوب هنا هو الهدوء والحزم في موضوع المخطوفين. علينا أن نواصل التوعية بشأن هذه المأساة الرهيبة، من جهة، وأن نمارس كل الضغوط المطلوبة على الحكومة، وعلى المجتمع الدولي، من أجل إعادة المخطوفين. ومن ناحية أُخرى، علينا أن ندرك أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً. كلنا أمل بأن يعود المخطوفون، ويمكن الافتراض أن الأمر سيجري في إطار صفقة تبادُل، لكن هذه الصفقة لن تتحقق بخطوة واحدة.
- ليس لدى حركة "حماس" أي مصلحة في التوصل إلى اتفاقية شاملة، بمعنى "كل شيء في مقابل كل شيء"، ويجدر الافتراض أنها سترغب في القيام بهذه العملية على امتداد فترة زمنية طويلة. يشمل الأمر حرباً نفسية انتهازية، تشنّها حركة "حماس"، تهدف إلى دفع الحكومة الإسرائيلية إلى وقف الضغط العسكري، وكلما تفاقم شعور عدوّنا بالضائقة، فإنه سيكثف استخدامه الانتهازي للمخطوفين، واستخدامهم كأداة للضغط على المجتمع الإسرائيلي.
- لقد بدأت هذه الحرب بشكل سيئ للغاية، بأسوأ شكل يمكن لحرب أن تبتدئ به. لقد كانت الضربة الافتتاحية التي وجّهها العدو إلينا وحشية وفظيعة. ومثّل "السبت الأسود"، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، إخفاقاً عاماً لمنظومة الأمن الإسرائيلية. علينا أن نقول، باستقامة وصدق، إنه ما من نصر، مهما عَظُم، يمكنه محو عار هذه الصدمة. وعلى الرغم من كل شيء، وكما أشرت أكثر من مرة، فإن قوة الجيش، وقوة أي منظومة، يُختَبران في قدرتهما على الاستفاقة من الأزمات الشديدة، وقلب الحال تماماً، وتحقيق الانتصار في المعركة.
- صحيح أن الثمن باهظ، لكن ما تحقق من إنجازات في ساحات المعركة جيد حتى الآن. من المناسب تحديد النقطة الزمنية الدقيقة التي ننجز فيها استنفاد التحرك التكتيكي، قبل أن يتحول الأمر إلى غرق في حلقة مفرغة، تتمثل في تحرُّك استراتيجي يوفر التبريرات لاستمراره، بسبب النجاحات التكتيكية. فيتنام تشكل المثال التاريخي الأفضل على هذه الحالة، في تاريخ الجيوش.
- الآن بالتحديد، وقبل أن نصل إلى تلك النقطة، آن الأوان للتفكير في المرحلة المقبلة، وآن الأوان للحؤول دون الانجراف في الدوامة العسكرية. وهذه هي وظيفة دوائر صُنع القرار السياسي: أن تتمكن من النظر إلى ما وراء النجاحات التكتيكية.