مسألة "إلى أين نناور؟" التي طُرحت طوال 20 عاماً، تمت الإجابة عنها في غزة
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- خلال الحملات السابقة في قطاع غزة، دار الحديث كثيراً حول إلحاق الضرر بـ"المربع الأمني" التابع لحركة "حماس"، وهو منطقة مواقع عسكرية في جنوب غربي مدينة غزة. حتى أنه في سنة 2009، وخلال الحملة العسكرية، وصلت قوة صغيرة نسبياً من الدبابات والمدرعات إلى أطراف المنطقة. ضابط كبير في إحدى الكتائب التي تناور في القطاع، سُئل أمس عن المربع الأمني، فردّ قائلاً: يُستعمل الآن موقفاً للدبابات.
- التغطية الجزئية من الطرف الإسرائيلي وضباب المعركة الذي يفرض عزل القطاع عن الإعلام الفلسطيني، يصعّبان الوصول إلى صورة كاملة للمعارك في شمالي القطاع. عملياً، القوة التي يفعّلها الجيش عبر ثلاثة ألوية، والتدمير الكبير الذي يقوم به، يثمران نتائج عسكرية أولية.
- صحيح أن إسرائيل لا تزال بعيدة عن إخضاع "حماس". فقائد الحركة يحيى السنوار، لا يزال تحت الأرض في مكان آمن، كما يبدو، ولا ينوي إعطاء الأوامر بوقف القتال. إلاّ إن كتائب "حماس" في غربي مدينة غزة والمناطق الشمالية تواجه صعوبات كبيرة بسبب الضغط العسكري الذي يتم تفعيله عليها. تقدُّم الجيش منوط بإصابات، وحتى بمقاومة حادة من "حماس" أحياناً، كما جرى خلال الأيام الأخيرة في مخيم الشاطئ. ويبدو حتى اللحظة أن "حماس" غير قادرة على إيقاف، أو تأخير ألوية إسرائيلية لوقت طويل، عندما تقوم الأخيرة بالدخول إلى موقع عسكري، أو إلى أحد الأحياء.
- الجيش يستمر في العمل، قصداً، بالقرب من المستشفيات التي تستعملها "حماس" لأهداف عسكرية. أمس، أجرت قوات كوماندوس بحرية مسحاً لمستشفى الرنتيسي، وقال الناطق باسم الجيش دانيال هغاري إنه احتُجز في المكان إسرائيليون مخطوفون.
- ميزان القوى الذي يبدو واضحاً الآن، بمرور كل يوم في ميدان القتال، أضيف إليه الحدث الأهم في هذه الحرب، وهو طلب إسرائيل من سكان القطاع إخلاء المنطقة والتوجه جنوباً. إسرائيل فرضت تهجيراً جماعياً، وبالقوة، على ما يقارب الـ 900 ألف إنسان، وسيحتاج الفلسطينيون إلى سنوات كثيرة من أجل تغيير هذه النتيجة (تم التدرب على هذه الخطة سابقاً، لكنها لم تحدث قط بهذا الحجم). أغلبية مناطق القتال لن تكون صالحة للحياة عدة أشهر، إن لم يكن سنوات. في أثناء القتال، دُمّرت أحياء كاملة في غزة، وعلى مشارفها، فضلاً عن الحديث عن كميات المتفجرات التي لا تزال في الميدان.
- مَن قام ببناء منظومة قتالية تحت بيوت مليونَي إنسان، طوال 15 عاماً، كان عليه أخذ ما قد يحدث بعين الاعتبار. بالضبط كما كان عليه أن يأخذ بعين الاعتبار إسقاطات تنفيذ مذبحة جماعية بحق المدنيين الإسرائيليين في "غلاف غزة" على أبناء شعبه. في الحالتين، يبدو أن قيادات "حماس" تجاهلت النتائج المتوقعة...
- نشرت صحيفة "واشنطن بوست" أول أمس، واستناداً إلى مصادر إسرائيلية وإقليمية، أن الخطة الأصلية لـ"حماس" في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، تضمنت وصول "مخربين" إلى أهداف في وسط البلد، وصولاً إلى الضفة الغربية. وبحسب المراسلين الذين نشروا الخطة بشكل دقيق، فإن نهايتها كانت إجرامية، وغير معقولة. بعد مضيّ 5 أسابيع ونصف، هذه الأحداث الصعبة هي الدافع لِما تقوم به إسرائيل. فعلى مدار سنوات طويلة من التغطية العسكرية للجيش، لم أصادف قط مثيلاً لهذه الإرادة الموجودة لدى الضباط والجنود. إنها تذكّرنا بالإرادة التي خيّمت بعد مذبحة "فندق بارك" في نتانيا، والتي دفعت إلى "السور الواقي" (2002)، وللدقة، يجب مضاعفة ذلك 30 مرة؛ أشك في أن يتسنى تحقيق ذلك بسبب الضغوط الدولية، لكن في رأي الضباط في القطاع، يجب أن تنتهي الحملة فقط عندما تُهزم "حماس".
ديْن أخلاقي
- بعد مرور عقدين من التردد بشأن "إلى أين يمكن أن تصل المناورة؟" حصل الجيش هذه المرة على مصادقة على عملية عسكرية واسعة، على الرغم من تخوُّف المستوى السياسي من الفشل والخسائر. حالياً، لم تتحقق المخاوف. الآن، عدد "المخربين القتلى" أكثر من 4100 قتيل، منهم 1100 قتيل في معارك اليوم الأول داخل إسرائيل. الآلاف الآخرون أصيبوا (وهنا يجب التحذير من أن الجيوش تميل إلى المبالغة في تعداد خسائر العدو دائماً). وعلى جميع الصعد، هناك شعور كبير بالرضا عن التعاون الملحوظ، حتى الآن، بين سلاح الجو والاستخبارات والقوات الميدانية - وهناك رضى عن عمل القوات البرية والمدرعات، على الرغم من الخبرة العملياتية النسبية.
- وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يزال هناك 3 مشاكل مركزية. الأولى هي أن التفوق العسكري لا يُترجَم إخضاعاً لـ"حماس"، الذي لا يبدو أنه قريب؛ وثانياً، الجيش لا يعمل في جنوبي القطاع تقريباً، حيث تم دفع السكان، وعليه التعبير عن رأيه بشأن وجودهم هناك، وخصوصاً أن الوضع الإنساني يزداد سوءاً، ومن المتوقع أن يزداد سوءاً أكثر عندما يحل فصل الشتاء وتنتشر الأوبئة؛ وثالثاً، هذه المعركة بدأت بتفوّق كبير جداً لـ"حماس" في أعقاب القتل والخطف يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر - ويبدو أن التنظيم يود استغلاله للتوصل إلى صفقتين لتبادل الأسرى، ينوي طرحهما كانتصار استراتيجي.
- أمس، للمرة الأولى منذ أكثر من أسبوع، لم تُنشر أي أخبار عن مسار المفاوضات. وعموماً، فإن صورة المفاوضات معروفة: الحديث يدور حول تحرير نحو 80 من المخطوفين - من النساء والأطفال والمرضى، وكما يبدو أيضاً، أجانب - في مقابل 3 مطالب تطرحها "حماس": وقف إطلاق نار موقت؛ تحرير أسرى من إسرائيل؛ وتزويد بالوقود. الخلاف الأساسي هو بشأن عدد أيام وقف إطلاق النار (’حماس’ تأمل بأن تتحول إلى وقف إطلاق نار طويل، يتم خلاله إجراء مفاوضات بشأن تحرير بقية المخطوفين). وزير الدفاع يوآف غالانت والقيادات العسكرية يطالبون بزيادة الضغط المتواصل على "حماس"، وفي اعتقادهم أن هذا الضغط يمكن أن يدفع السنوار إلى التنازل. لكن في حال طُرحت صفقة جدية أكثر، ومن الواضح أن "حماس" تنوي تنفيذها، فإن الحكومة ستقرر لمصلحة الصفقة. الديْن الأخلاقي للمواطنين الذين جرى التخلي عنهم يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ببساطة، هو كبير جداً.
أوامر عبر تويتر
- على حدود لبنان، يبادر حزب الله، ويستمر في إطلاق صواريخ مضادة للدروع وقذائف على قوات الجيش، يومياً. أحياناً، يتم الدمج بين المسيّرات الهجومية، وهناك محاولات لإلحاق الضرر بالمناطق الواقعة جنوبي الحدود، وضمنها بلدات مدنية. استمرار هجوم حزب الله، وفي الخلفية ما حدث في الجنوب، يعزز مطالب سكان المناطق الحدودية بفتح معركة في لبنان أيضاً. الادعاء الأكثر أهمية هو إنه لا يمكن العودة والسكن في تلك البلدات من دون إبعاد قوة "الرضوان" التابعة لحزب الله عن الحدود، إلى شمالي نهر الليطاني على الأقل.
- يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر، وكما أشارت الأنباء، جرى نقاش كبير في القيادة الإسرائيلية بشأن هجوم استباقي ضد حزب الله في لبنان. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رفض توصية غالانت وقيادات الجيش بالتصعيد في الشمال. نتنياهو تخوّف من إدارة معركة في جبهتين، غير مخطَّط لها، وغير مسيطَر عليها، وفضّل تفادي الصدام مع الولايات المتحدة التي أعلنت، قبل ذلك بيومين، نشر قوتها في المنطقة لحماية إسرائيل.
- ومنذ ذلك الوقت، شهدنا حدثين: حزب الله صعّد هجماته، والجيش بدأ بخوض المعركة البرية في غزة. استفزازات حزب الله تزداد أيضاً بسبب معرفته أن جزءاً ليس بسيطاً من القوات البرية موجود في الجنوب، وأن إسرائيل ستحتاج إلى وقت لكي تنظّم معركة على جبهتين. حتى اللحظة، لا تزال إسرائيل في حالة دفاع في الشمال، وتحاول حصر المواجهة لتكون أقل من حرب شاملة.
- هذا لا يزعج بعض الشبيبة السابقين لإذاعة الجيش للمطالبة بالهجوم الفوري على حزب الله وتوجيه أوامر في "تويتر"، في الوقت الذي ما زالوا يحركون في خيالهم صوراً في صندوق الرمال الإقليمي. لكن الحياة معقدة أكثر من ترك القرارات لمحلّلي التلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي. من المحتمل أنه لا يوجد مفر من حرب مع حزب الله؛ ويمكن أن يتطلب الوضع المركّب التعامل مع جبهتين. وسيكون من الجيد التوصل إلى قرارات كهذه من خلال مسار واعٍ وصوغ سياسات، وليس عبر حسابات سياسية وصورية، وأن يؤخذ بعين الاعتبار أيضاً الثمن الكبير المترتب على حرب إقليمية.
الكلمات المفتاحية