مع اقتحام مستشفى الشفاء، الجيش وجهاً لوجه مع قلب منظومة "حماس"
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • دخول القوات الإسرائيلية إلى مستشفى الشفاء فجر اليوم (الأربعاء) يكشف تطوراً دراماتيكياً نسبياً في الحرب على "حماس". وهو يعبّر عن استعداد إسرائيلي للدخول في مواجهة مباشرة، على الرغم من المخاطر مع قلب المنظومة العسكرية والسلطوية لحركة "حماس" في شمالي القطاع، في أعقاب الهجوم البري في الأسابيع الأخيرة. ثمة شك في أن قيادة "حماس"، التي أولت المستشفى مكانة مهمة في خطط القيادة والتحكم لديها، قدّرت أن إسرائيل ستقوم بمثل هذه الخطوة. اقتحام المستشفيات، المحدود في أهدافه ونطاقه، ينطوي أيضاَ على مخاطر وتعقيدات. ويمكن أن يؤثر هذا في ردات فعل المجتمع الدولي، وفي فرص الدفع قدماً بإطلاق المخطوفين قريباً، وأيضاً في سلوك حزب الله على الحدود مع لبنان.
  • يتحرك الجيش الإسرائيلي، منذ عدة أيام، بطريقة منهجية حول المستشفيات في غزة، وفق توجيهات رئيس الأركان هرتسي هليفي.  إسرائيل تريد أن تثبت الاستخدام الواسع لـ"حماس" للمستشفيات والغرف الموجودة تحتها، كقيادات وأماكن يختبىء فيها عناصرها. سبقت اقتحام مستشفى الشفاء عملية عسكرية مشابهة لتلك التي قامت بها وحدة كوماندوس بحرية في مطلع الأسبوع في مستشفى الرنتيسي، الأصغر كثيراً. لقد وافقت الإدارة الأميركية على الخطوة الإسرائيلية، وقالت في الأمس إن لديها معلومات استخباراتية تؤكد اتهامات إسرائيل. لكنها مع ذلك، طلبت من الجيش عدم استخدام السلاح في داخل المستشفى من أجل تقليص الخطر على الطواقم الطبية والجرحى الفلسطينيين الذين لا يزالون في المستشفى.
  • استكملت الكتيبتان 162 و36 يوم أمس احتلال مخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة. لا يزال هناك بعض المعارك التي تدور خلال عمليات البحث عن "مخربين" وأدوات قتالية. المهم، أن الكتيبتين اندمجتا معاً، واستكملتا حصار مركز المدينة. رموز الحكم التابعة لـ"حماس"، لحق بها الضرر في العملية الإسرائيلية - أمس، أشرت هنا إلى "المربع الأمني" التابع للتنظيم، والذي تم احتلاله. ومنذ ذلك الوقت، تم احتلال مبنى المجلس التشريعي الذي كان تابعاً للسلطة الفلسطينية، قبل أن تسيطر عليه "حماس" بالقوة في سنة 2007. كتيبة من لواء "غولاني" التقطت صوراً في المبنى مع العلم الإسرائيلي. وأشك في قدرة "حماس" على استرداد مواقع السلطة المدنية في شمالي القطاع قريباً.
  • قائد الكتيبة 162، الجنرال إيتسيك كوهين، قال أمس إن الجيش خلق "الظروف التي تسمح بتفكيك القدرات العسكرية والسلطوية لـ’حماس’ في مدينة غزة". ومثل كثيرين من الضباط الذين يعملون في شمالي القطاع، يعتقد كوهين أن القتال يسير مثلما خُطِّط له. الجيش يعمل بصورة منهجية حول المستشفيات في غزة، وبتوجيهات من قائد هيئة الأركان هرتسي هليفي.
  • العاصفة الشتوية التي وصلت إلى المنطقة، ذكّرتنا بمقولة مهمة: إن كان هناك شيء واحد أصعب من الحرب، فهو الحرب في الشتاء. إلا إن المخاطر التي تتربص بالجنود الموجودين في القطاع، لا تنحصر في حالة الطقس. فبعد أسبوعين ونصف في القطاع، هناك خطر من أن تتحول القوات إلى ثابتة، وبالتالي تكون عرضةً أكثر للإصابة. البقاء لوقت طويل يُلحق الضرر أيضاً بالروح القتالية، وهو ما يجعل القوات مكشوفة. أما الضباط، فإنهم قلقون من عدة تهديدات ممكنة، وعلى رأسها الصواريخ المضادة للدروع والمنازل المفخخة. هذا فضلاً عن أنه في المناطق ذات الكثافة العالية، مثل مركز المدينة، يجب على القوات الدفاع عن نفسها في مواجهة إطلاق النار من داخل المباني المتعددة الطبقات. كثير من هذه المباني التي أصيبت بالقصف الجوي، لا يزال موجوداً، وهناك تخوّف من إقامة "حماس" مواقع جديدة للقنص وإطلاق الصواريخ المضادة للدروع.
  • عملياتياً، الجيش لم ينفّذ عمليات في الأحياء الواقعة في شرق ومركز مدينة غزة. وهو لا يزال يركز على الأنفاق، ويحاول إيجاد حل فعال لهدمها سريعاً. وزير الدفاع يوآف غالانت يعبّر في الأيام الماضية عن تفاؤله إزاء نقطتين: القدرة على تسريع الضرر بالأنفاق، ووتيرة فقدان "حماس" السيطرة في شمالي القطاع.
  • وفعلاً، "حماس" لا تسيطر على هذه المنطقة، لا سياسياً ولا مدنياً. أما بشأن القدرات العسكرية، فيبدو أن الكتيبتين اللتين تفعّلهما "حماس" في شمالي القطاع ومدينة غزة، تلقّتا ضربات قاسية، والهيكلية القيادية فعالة بشكل جزئي فقط. الكتائب الثلاث التي تعمل في مخيمات اللاجئين وسط القطاع، في خانيونس ورفح - أصيبت إصابات خفيفة، ولا تزال لديها القدرة على العمل في إطار الهيكلية القيادية والسيطرة. ومن أصل 24 قائد كتيبة ومنظومات موازية لدى "حماس"، قُتل نصفهم تقريباً. هذا بالإضافة إلى أن مصادر فلسطينية نشرت أمس أنه منذ يوم السبت، فُقد الاتصال بأحمد غندور، قائد المنطقة الشمالية. غندور هو إحدى القيادات الكبيرة والقديمة في الذراع العسكرية - ويبدو أنه القائد الثاني الذي قُتل من "حماس"، بعد أيمن نوفل.
  • ضابط كبير قال لـ"هآرتس"، إن "المخربين" يعملون الآن في شمالي القطاع "بصورة عامة في إطار مجموعات صغيرة نسبياً، لا تتجاوز 10 أشخاص. ويتفادون القتال ليلاً. وفجراً، بعد الصلاة، يفعّلون مسيّرة في الهواء من أجل معرفة ما تغير في تجهيزاتنا حولهم، ومحاولة تنظيم هجوم موضعي". إطلاق القذائف من شمالي القطاع توقف تقريباً. هناك بعض حالات إطلاق النار القليلة نسبياً من الجنوب، ومحاولة مبادرة إلى إطلاق دفعة صواريخ واحدة في اليوم، موجهة إلى تل أبيب. وأمس، أصيب 3 من سكان تل أبيب بإطلاق النار، أحدهم جروحه خطِرة.
  • حجم الدمار في القطاع لا ينعكس كله في نشرات التلفاز الإسرائيلية. الضباط في الجبهة، والكتائب، وأيضاً في قيادة الجنوب، مصممون على أن الجيش "لم يأتِ من أجل تسوية غزة بالأرض، بل لإخضاع حماس". ومنذ دخول القوات إلى القطاع، يتم تفعيل قوة نار ثقيلة للدفاع عنها، حتى لو كان الثمن إصابة المواطنين الفلسطينيين الموجودين في الجوار. لكن بحسب الضباط، لا توجد حسابات انتقامية هنا. ويقول "ما من أحد هنا ينظر إلى فيديوهات الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، من أجل التشجيع. تفعيل النيران هنا مهني".

ليست صدفة

  • أعلن الجيش أمس وفاة الجندية في فرقة الاستطلاع نوعا مرتسيانو، بعد يوم واحد على نشر "حماس" فيديو تظهر فيه وهي في قيد الحياة. وأشاروا في الجيش إلى أن قرار إعلان وفاتها في القطاع لا يستند إلى الفيديو، كما اتهموا "حماس" بإدارة معركة نفسية صعبة ضد عائلات المخطوفين. حالياً، وفي جبهة أُخرى، تم نشر فيديو أول، تظهر فيه الباحثة الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف حيةً وتتحدث. لقد خُطفت تسوركوف في العراق على يد ميليشيات شيعية داعمة لإيران قبل نحو 8 أشهر. توقيت نشر الفيديو، لا يبدو أنه صدفة. قيادة "حماس" طلبت مؤخراً من الميليشيات في العراق مساعدتها في المعركة ضد إسرائيل. حالة تسوركوف هي حادثة أُخرى مؤسفة تضيع في ظروف الحرب الشاملة.
  • قال الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس، إنه يؤمن بعقد صفقة لإطلاق سراح الرهائن لدى "حماس". ونشرت صحيفة "واشنطن بوست"، استناداً إلى مصادر إسرائيلية هذه المرة، أن الحديث يدور حول صفقة لتحرير ما بين 70 و100 من النساء والأطفال الإسرائيليين في غزة - في مقابل تحرير عدد مماثل من الأسرى الفلسطينيين، وعن وقف إطلاق نار لأيام معدودة في القطاع.
  • المصادر الإسرائيلية تصف قائد "حماس" في القطاع يحيى السنوار، بأنه الشخص الوحيد في الجانب الفلسطيني، الذي سيقرر إمكان التوصل إلى صفقة. السنوار يقف على رأس مجموعة صغيرة من الناشطين القدامى وقيادات الذراع العسكرية، وتتضمن الشقيقين محمد ومروان عيسى ومحمد ضيف. هذه المجموعة لها مكانة قيادية أعلى من قادة الكتائب في "حماس"، وتقوم بصوغ سياسات التنظيم. قيادته في الخارج تُستعمل أساساً لنقل الرسائل من دول أُخرى إلى السنوار والمحيطين به في القطاع.
  • السنوار ينتهج خطاً أكثر حدّة في مطالبه، لكن بعض  المصادر يدّعي أنه يغيّر مواقفه بشأن إمكان القيام بصفقة. وعلى الرغم من أن السنوار يعتقد أنه حقق إنجازاً كبيراً وتاريخياً على إسرائيل خلال الهجوم المفاجئ يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر - فإنه يبدو متفاجئاً بالأحداث في الآونة الأخيرة. والمقصود انتقال نحو مليون غزّي من شمالي القطاع إلى جنوبه، وموجة الاغتيالات التي لحقت بقيادات التنظيم، وأيضاً الصعوبات التي تواجهها الذراع العسكرية بالتعامل مع ضغط الجيش. الأخوان السنوار، وكذلك الضيف، هم من مواليد مخيم اللاجئين في خانيونس. من الصعب التصديق أنهم لا يزالون في شمالي القطاع بعد اقتحام الجيش المنطقة.

قضية غير متفّق عليها

  • إلى جانب الآمال بالتوصل إلى صفقة تبادُل أسرى، يبدو أن بايدن يفقد صبره بالتدريج، بسبب الأضرار التي تنتج من العملية الإسرائيلية في غزة، على الرغم من أنه يتعاطف مع صدقيتها بالكامل. في المدى الطويل، يبدو أن الرئيس يربط بصورة علنية وواضحة بين إخراج سلطة "حماس" من غزة، وبين الدفع، مجدداً، بمسار سياسي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وليس فقط أن رئيس الحكومة لا يؤمن بذلك، بل أكثر من ذلك، هو يتخوف من أن يفكك الجانب اليميني المتطرف حكومته من الداخل - إذا وافق على وقف إطلاق نار سريع، وإذا عاد إلى المفاوضات مع السلطة.
  • وزير الخارجية إيلي كوهين، وهو آخر المواهب الاستراتيجية التي جاءت بها الحكومة الحالية، قدّر أول أمس، أن الوقت السياسي المتبقي لمصلحة إسرائيل تقلّص إلى أسبوعين، أو ثلاثة. هو تقريباً التقدير نفسه الذي يُسمع بصمت داخل أجهزة الأمن. الوزير غالانت يريد أكثر من ذلك، فهو يدعم توسيع وتعميق العملية. وفي حال لم تتحقق آماله، فسيكون على إسرائيل البحث عن تغيير طريقة العمل العسكري. الإدارة الأميركية أوصت سابقاً بإخراج القوات والدخول في عمليات دقيقة أكثر، كاقتحامات محدودة الوقت لأهداف "حماس".
  • خطوة كهذه ستكون منوطة بتسريح أغلبية جنود الاحتياط، وهذا جيد للاقتصاد لكن فيه الكثير من المخاطر: غزة ستبقى مسألة غير محسومة، سواء بشأن هزيمة "حماس"، وأيضاً مصير المخطوفين. من غير الواضح كيف يمكن دفع الحدود الشمالية إلى الاستقرار، طالما لا يزال هناك تهديد مباشر من قوة "الرضوان" التابعة لحزب الله - المنتشرة على الحدود، والتي كشفت في الأسابيع الماضية نياتها. هناك تقديرات في عدة دول أوروبية أن الحرب لن تنتهي في قطاع غزة، ويمكنها في نهاية المطاف أن تتدحرج إلى مواجهة كبيرة بين إسرائيل وحزب الله.
  • تهديد جديد نسبياً سُمع يوم أمس من اليمن، حيث ادّعى رئيس الحكومة الحوثية أن بلاده ستضرب السفن الإسرائيلية التي تمر في البحر الأحمر، هذا بالإضافة إلى إطلاق الصواريخ والمسيّرات على منطقة إيلات. بالأمس، اعترضت منظومة "حيتس" صاروخاً أُطلق من اليمن في البحر الأحمر خارج حدود إسرائيل. الولايات المتحدة ترى أن الحوثيين هم جزء من الدائرة الأبعد للمواجهة، وتفضل أن تترك لإسرائيل معالجتها.  لكن يبدو أن على إدارة بايدن، قريباً، أن تجعل رسائلها الموجهة إلى إيران أكثر حدةً، هذا في حال أرادت منع تحوُّل اشتباك محلي، بغض النظر عن صعوبته، إلى حرب إقليمية.
 

المزيد ضمن العدد