بين بيرل هاربر و7 تشرين الأول/أكتوبر: الحذر من رؤى خاطئة إضافية
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل
مهند مصطفى
أسامة حلبي, موسى أبو رمضان
أنطوان شلحت
المصدر
- من الطبيعي أن تتجه الأضواء، بعد يوم "السبت الأسود" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلى صدمات وكوارث سابقة في التاريخ، التزم فيها القادة السياسيون والعسكريون بشكل مطلق بأفكار أدت إلى رؤى صلبة - بشأن نيات الأعداء والمنافسين. وأساساً، كان هناك مقارنة بين الضربة اليابانية المفاجئة، حين قامت اليابان، في 7 كانون الأول/ديسمبر 1941، بمهاجمة سفن الأسطول الأميركي، بضربة صعبة جداً (على الرغم من أنها لم تؤدّ إلى الشلل) في ميناء بيرل هاربر في هاواي، وبين الهجمة التي نفّذتها "حماس"، بعد 82 عاماً، على جنوب إسرائيل. وعلى الرغم من أوجه الشبه الموجودة بشأن كل ما يخص إيمان القيادات بالدول التي فوجئت، وقدراتها العسكرية المتفوقة على قدرات العدو، وتوصلاً إلى القناعة بنيات اليابان و"حماس" - وضمان عدم تغيير الوضع القائم بشكل دراماتيكي، فإنه توجد فجوة عميقة في المنطق والتخطيط في كلا الرؤيتين اللتين انهارتا في لحظة.
- في سياق علاقة إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت بطوكيو خلال الأشهر التي سبقت الهجوم الياباني المفاجئ، كانت السياسة الأميركية منظمة جيداً، وبحسبها، فإن الدبلوماسية الحادة الخالية من التنازلات كانت الضمانة الوحيدة لردع اليابان عن الاستمرار في خطواتها الهجومية في جبهة آسيا عموماً، والحفاظ على "السلام المجمد" بينها وبين الولايات المتحدة بشكل خاص. إلا إن المجموعة المركزية في الكابينيت الأميركي، التي قادها وزير الدفاع هنري ستيمسون ووزير المالية هنري مورغانتو، كانت على قناعة بأن المسار الوحيد لكبح اليابان هو تبنّي استراتيجيا عدوانية من دون تردد. وذلك عبر استعمال أدوات ضغط وضبط كبيرة، مثل منع اليابان من الوصول إلى النفط بالكامل، وتجميد أملاكها في الولايات المتحدة. وبحسب قيادات الصقور في الإدارة، فبسبب تفوّق الولايات المتحدة العسكري على اليابان، سيتم تفادي سيناريو الحرب على جبهتين.
- انضمام الرئيس روزفلت المتردد إلى معسكر الصقور (منذ البداية دعم استراتيجيا معتدلة أكثر بخصوص اليابان) - أغلق عملياً إمكان خفض التوتر المتصاعد بأدوات دبلوماسية، وبذلك، دفعت الإدارة مباشرةً إلى مسار مباشر من التهديدات والعقاب.
- يوم 7 كانون الأول/ديسمبر، تبين أن هذه الرؤية خاطئة وسطحية. ففعلاً، سياسة العقوبات المتطرفة، من دون أي استعداد لتقديم تنازلات، دفعت باليابان في نهاية المطاف إلى تحدي القوة الأميركية، واتخاذ قرار مليء بالمخاطر، والخروج إلى حرب من موقع ضُعف عسكري واقتصادي.
الشبه قائم في عيون مَن ينظر
- بعكس هذه الرؤية العدوانية "النقية" التي عارضت أي تنازُل، أو خطوة بناء ثقة مع اليابان، فإن الرؤية الإسرائيلية الأمنية والسياسية المهيمِنة تجاه "حماس" على مدار أكثر من 10 أعوام، كانت مستندة إلى الإيمان بأن سلة إغراءات وتعويضات هي ما سيؤدي إلى كبح التنظيم، وحتى دفعه إلى الاعتدال. ففي الوقت الذي اعتقد ستيمسون ومورغانتو أن كل خطوة بناء ثقة تجاه طوكيو، كالتزويد بالوقود بشكل مراقب ومحدود، ستُفسَّر بأنها ضُعف، وتؤدي إلى خطوات عدوانية إضافية - كانت القيادات الإسرائيلية، وعلى رأسها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ملتزمة الرؤية العكسية. بما معناه - حقائب الملايين من قطر، وإصدار تصاريح العمل بشكل أوسع للعمال في غزة، سيضمنان استمرار الهدوء النسبي في الجنوب. وفعلاً، أي فائدة عقلانية (من وجهة نظر غربية) يمكن أن يجنيها التنظيم المسؤول عن رفاه سكان القطاع، من كسر قواعد اللعبة، الحساسة أصلاً، والمبادرة إلى هجوم "بربري" ضد المدنيين؟
- إذاً، من الواضح أنه في الحالتين، التزم متّخذو القرار الرؤية التي ثبت أنها خاطئة من الأساس، حتى لو كانت متناقضة من حيث المضمون. في الحالتين، لم يستطيعوا التحرر من فقاعة القناعات التي آمنوا بها، ولذلك، استمروا في رؤية الأعداء على أساس طريقة عمل مشابهة، وافتراضات مشابهة، بشأن هامش العمل العقلاني، على الرغم من كمّ المعلومات الكبير الذي أثبت، بوضوح، المرة تلو الأُخرى، أن هذا الشبه موجود فقط بعيون مَن ينظر إليه.
هناك إشارات تشهد
- بسبب خبرة الماضي القريب والبعيد (من دون الحديث عن الرؤية التي انهارت بشكل صادم في يوم الغفران في سنة 1973)، اليوم، يجب تبنّي خط حذِر أكثر من أجل تفادي السقوط في ذات المصيدة في الرؤية مرة أُخرى. وبشكل خاص، بشأن الرؤية القائمة اليوم، وتمتنع حتى من صوغ خطة أولية لـ"اليوم التالي". الولايات المتحدة دفعت ثمناً كبيراً نتيجة هذا الامتناع، عندما التزمت مبدأ "مع ضرب النار، تصمت الأفكار". النتيجة كانت دخول الاتحاد السوفياتي، ذي الأهمية الاستراتيجية، إلى أوروبا في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو ما صاغ مبادئ الحرب الباردة إلى حد بعيد. واليوم؟ على الرغم من الخطابات الدافئة من الرئيس بايدن لإسرائيل، والاحتضان الداعم منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر المر، فإنه لم يخفِ انتقاداته بأن إسرائيل لم تجهز أي خطة سياسية. وأكثر من ذلك، بسبب وجود فراغ (باستثناء إلغاء إمكان أن تكون السلطة شريكة في المسار، بحسب رئيس الحكومة)، فإنه من غير المفاجئ أن الرئيس والمقربين منه شددوا، أكثر فأكثر، على الرسالة، وأعلنوا "إمكانية السلطة المجددة" كخطة مفضلة.
- طبعاً، هذا لا يعني أن على إسرائيل قبول الموقف الأميركي كحقيقة مطلقة. إلا أنه في المقابل، وبسبب التعلق العسكري والسياسي الكبير باستمرار دعم العم سام، فسيكون من الجيد أن تبادر إسرائيل إلى التفكير السياسي مع دول أُخرى (على سبيل المثال ترتيبات موقتة، تستند إلى وجود الأمم المتحدة، أو إقامة قوة متعددة الجنسيات، حتى لو كان هذا مجرد أساس للنقاش مع الإدارة. وفي هذا السياق، من المهم التذكير بأن الرؤية الأميركية بشأن الجبهة مختلفة عن الإسرائيلية. فالإدارة اليوم تتعرض لانتقادات كبيرة لأنها لا ترد بحزم على الاستفزازات المتتالية من طرف أذرع إيران في المنطقة، ومن طرفنا، فإن جزءاً على الأقل من أهداف المواجهة، تم تحقيقه. المساعدات لإسرائيل والتواجد العسكري الأميركي، كان ولا يزال مهماً. أذرع "محور الشر" توقفت، وما يدل على ذلك، هو أن ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر لم يؤدّ حتى اليوم إلى تصعيد غير مسيطَر عليه.
- وبسبب حقيقة أن حالة استطلاعات الرأي للرئيس العجوز ابن الـ81 عاماً، بعيدة كل البعد عن أن تكون جيدة، وأن مستوى الدعم الجماهيري لإسرائيل يتراجع بصورة خاصة في أوساط حزبه؛ ولأن البيت الأبيض امتنع من استخدام الفيتو قبل أسبوع بشأن قرار مجلس الأمن الذي طالب بتوسيع الهدن الإنسانية والممرات في القطاع - فمن المفضل (ومع استمرار القتال)، أن يتم الإصغاء إلى الإشارات التي تصل من واشنطن، والبدء بصوغ "خريطة طريق" لليوم التالي، بدلاً من الغرق في الرؤية التي تلغي أي تجهيزات سياسية لليوم التالي، قبل وقف النار بشكل تام.
- كلُّ تهرُّب من التعامل مع هذه القضية الوجودية، إذ من المتوقع أن تدخل الهدنة الأولى حيز التنفيذ، يمكن أن يدفعنا إلى واقع جديد، حتى إنه يمكن أن يدفعنا إلى مواجهة علنية ومباشرة مع البيت الأبيض.