من دون مخططات لليوم الذي يتلو الحرب، إنجازات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة ستنزل إلى الحضيض
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- حتى لو تم تمديد الهدنة، وتواصل عقد صفقات تبادُل المخطوفين على مدار وقت طويل، هناك إجماع على المستويَين السياسي والعسكري، مفاده بأن القتال سيتواصل بعد ذلك بكامل قوته، إلى أن يتحقق هدف تفكيك حركة "حماس". لقد أثبت الجيش الإسرائيلي، على مدار الأسابيع الأربعة الماضية، أنه قادر على تحقيق هذا الهدف. لكن الإنجاز العسكري، الذي دفعنا ثمنه غالياً منذ الآن، سيكون بلا قيمة إن لم يتبعه أي عمل سياسي لخلق الواقع الجديد في قطاع غزة.
- بعد هذا الإخفاق الفادح الذي شهدناه في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تمكّن الجيش الإسرائيلي من نفض أثر الصدمة المفاجئة والإخفاق، وأظهر أمام جميع الساخرين، والمشككين، وجميع "أنبياء الغضب"، بمختلف أنواعهم، أنه قادر على السيطرة على واحد من المرافق الأكثر تحصيناً في العالم، وإخضاع المنظومات الدفاعية لحركة "حماس". وعلى الرغم من القيود التي تفرضها المناطق المبنية في شمال قطاع غزة، وهي تفرض على الجيش التحرك في عدد محدود من المحاور المعروفة، نجح الجيش في تحقيق المفاجأة، وتنفيذ الهجوم من محور لم يتوقعه العدو.
- لقد هاجمت قوات الفرقة 162 ["فرقة الفولاذ"، الفرقة المدرعة التابعة للقيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي]، التي تحركت على امتداد المحور الساحلي، مخيم الشاطئ للاجئين، شرقاً، واصطدمت بخط دفاعي كانت عبواته الناسفة موجهة إلى الغرب. لقد قام عناصر حركة "حماس"، على ما يبدو، بزرع هذه العبوات، مفترضين أننا سنهاجم مخيم الشاطئ من جهة البحر. وهذا ما جرى أيضاً في كلٍّ من جباليا والزيتون، اللتين كانت منظوماتهما الدفاعية موجهة إلى الشرق، وتمت المهاجمة من جهة الغرب. أما مركز مدينة غزة، الذي تمت مهاجمته من الجنوب والغرب والشمال، فقد خضع بسرعة.
- بعد مرور أربعة أسابيع على الأعمال القتالية، تمكنت إسرائيل من السيطرة على معظم شمال قطاع غزة، باستثناء أحياء التفاح والدرج والشجاعية. وخلال ذلك، وجهت إسرائيل، في خطوة غير مسبوقة، جميع سكان شمال قطاع غزة تقريباً، البالغ عددهم 1.4 مليون إنسان، إلى جنوب القطاع. لقد تحقق هذا الإنجاز في مقابل ثمن باهظ ومؤلم، بلغ نحو 70 قتيلاً في صفوف قواتنا، لكنه لا يقترب، بأي صورة، من التوقعات التي سادت قبل الحرب، والتي مفادها أن عدد خسائر الجيش سيصل إلى المئات، بحسب نبوءات "أنبياء الغضب"، على غرار اللواء المتقاعد إسحق بريك.
غزة أولاً
- لكن، وفي الوقت الذي تقوم الآلة الحربية التابعة للجيش الإسرائيلي، بإثبات جهوزيتها وكفاءتها، فإن الأرضية السياسية التي تقف فوقها ظلت خاملة ومتكاسلة. أما مجلس الأمن القومي، وهو الهيئة القيادية التي من المفترض أن تنتج الخطوة السياسية التي ستستكمل وترسخ الإنجاز العسكري، فيبدو أنه بقي على حاله، هيئة ينصبّ جلّ عملها على توفير خدمات الغسيل والتنظيف لعائلة نتنياهو. وقبل أن نجدد القتال، يبدو أنه علينا استكمال احتلال شمال قطاع غزة، والانطلاق في تحرُّك بري إلى الجنوب، علينا أن ندرك أن تمكُّن مجلس الأمن القومي من ترسيم حالة إنهاء الحرب أمر مصيري. فإن لم تتمكن إسرائيل من ترسيم شكل المنظومة التي ستدير قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، وتجنيد القوى الدولية المطلوبة لمثل هذه المنظومة، فلن نتمكن من تحقيق هدفنا العسكري.
- يجب تقديم هذه المنظومة منذ الآن. إذ إن الجيش الإسرائيلي سيتمكن، مع انتهاء الهدنة، من استكمال احتلال شمال قطاع غزة، وتركيع كتائب "حماس" الباقية هناك. لكن قبل أن ننطلق إلى المناورة الحاسمة في جنوب القطاع، على إسرائيل التخطيط لمرحلة النهاية، وإلا فإننا لن نملك الشرعية التي تضمن وصولنا إلى الجنوب.
- في هذه مرحلة، يُقدَّر أن قيادة حركة "حماس" موجودة في خانيونس، وعلى ما يبدو، أغلبية المخطوفين أيضاً. لقد اختار الجيش الإسرائيلي الشروع في المناورة البرية في الشمال، بناءً على إدراكه أن أغلبية الحشود العسكرية والمؤسسات السلطوية التابعة لحركة "حماس" موجودة هناك. إن الإنجاز المادي، وعلى صعيد الوعي، الكامن في احتلال مدينة غزة، كان يهدف إلى دفع قيادة حركة "حماس" إلى إدراك أنها ستفقد كل شيء، وها نحن نرى، فعلاً، أن احتلال المدينة دفعهم إلى الشروع في إطلاق سراح المخطوفين.
- بات يحيى السنوار يدرك ما الذي فقده في مدينة غزة، وهو يدرك أيضاً أن تركيع خانيونس لن يكون شديد الصعوبة بالنسبة إلينا، ولذا، فهو يحاول تأجيل النهاية. في جنوب القطاع، هناك مناطق غير مبنية أكثر من الشمال، وهذا ما يضع قيوداً أقل على المناورة. لكن قبل أن نبدأ بالتحرك في اتجاه خانيونس، علينا إجلاء أكثر من 200 ألف من سكانها، وأن نواجه حالة إنسانية من المفضّل جداً ألا تعترض طريقنا.
- اليوم، هناك أكثر من مليون لاجئ غزي انتقلوا إلى جنوب القطاع. فإذا أضفنا إلى هذا الرقم، سكان خانيونس والبلدات المحيطة بها، فسنصل إلى 1.8 مليون لاجئ سيتم حشرهم في المؤسسات العامة الـ 250 الموجودة في جنوب القطاع، ومدن الخيام التي تمّت إقامتها على الساحل. فمن سيكون مسؤولاً عن هؤلاء؟
- هذا هو، على وجه التحديد، ما وجّهه رئيس هيئة الأركان السابق، غادي أيزنكوت إلى منسّق أعمال الحكومة في المناطق (الحاكم العسكري). فظاهرياً، لا يفرض القانون الدولي على الجيش الإسرائيلي المسؤولية عن السكان في أثناء الأعمال القتالية، لكن إسرائيل تعمل بموجب أكثر أحكام القانون الدولي صرامة. وأغلبية الاحتمالات مفادها أنه في المراحل الانتقالية بين انتهاء المناورة في قطاع غزة وبين إنشاء منظومة التحكم في القطاع، فإن المسؤولية عن هؤلاء الناس ستكون ملقاة على كاهلنا، وعلى كاهل منسّق شؤون الحكومة في المناطق.
يجب العودة إلى فيلاديلفي (محور صلاح الدين)
- إن لم نتمكن، حتى الآن، من التخطيط اليوم، بشأن المبنى الهيكلي للسلطة التي ستحكم قطاع غزة بعد حركة "حماس"، فسنجد أنفسنا غارقين، ليس فقط في وحل قطاع غزة، بل أيضاً في مجاريه وأوبئته. مشكلتنا اليوم تكمن في أنه ليس لدينا شمعون بيرس آخر يتمكن من تجنيد زعماء العالم لمثل هذه الخطوة. بل لدينا رئيس حكومة مصروع، منبوذ، لا أحد في العالم يمد له اليد، باستثناء الرئيس جو بايدن، وحتى بايدن، يقوم بهذا الأمر بتحفّظ.
- وشئنا أم أبينا، فإن الإجابة على معضلة قطاع غزة يجب أن تشمل في معادلتها السلطة الفلسطينية. فمن دون هذه السلطة لن يكون في الإمكان تجنيد الأميركيين والأوروبيين والدول العربية، لإدارة قطاع غزة وإعادة إعماره في اليوم الذي يتلو الحرب. أبو مازن ليس شخصاً محبوباً لدى أغلبية الإسرائيليين، كما أنه، بكل تأكيد، بعيد عن كونه صهيونياً، أو مؤيداً لإسرائيل، لكنه الجهة الوحيدة غير المتأثرة بإيران، والتي يمكنها تحمُّل مسؤولية قطاع غزة، في ظل توفُّر دعم دولي. لا يزال لدى الرجل 27 ألف موظف يتلقون رواتب شهرية داخل قطاع غزة، وهم يشكلون بنية تحتية لنظام مستقبلي. على الرغم من هذا، فإن الرجل لن يتمكن من الدخول إلى قطاع غزة على الدبابات الإسرائيلية. سيكون هناك حاجة إلى تحالُف غربي - عربي لتقديم الدعم له، من ناحية الشرعية والمال.
- هناك أيضاً سؤال دراماتيكي لم تحسمه إسرائيل بعد: ما هو مستقبل معبر رفح ومحور فيلاديلفي، المحور القائم بين قطاع غزة ومصر. حتى سنة 2005، كان هذا المحور تحت السيطرة الإسرائيلية، أما المعبر الحدودي، فكان تحت السيطرة المشتركة لكلٍّ من إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وخلال انفصالها عن قطاع غزة، قامت إسرائيل بالتخلي عن قبضتها على الخط الحدودي والمعبر.
- لم تقرر إسرائيل بعد ما إذا كانت ستعيد إحكام سيطرتها على الحدود والمعبر، ومردّ ذلك أساساً إلى الحساسية تجاه مصر. لكن يجب أن يكون من الواضح أنه لن يكون في إمكان أي جهة، سواء أكانت عربية أم دولية، أن تضمن لنا عدم مرور السلاح من مصر إلى قطاع غزة. إن لم تعد إسرائيل إلى السيطرة على المعبر الحدودي إلى قطاع غزة، فسيبدأ مجدداً العدّ التنازلي لتسلّح حركة "حماس" من جديد.