الجيش الإسرائيلي لا يشعر بضرورة العودة فوراً إلى استمرار الحملة، وسيؤيد تمديد الهدنة في مقابل إطلاق سراح مخطوفين
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- كانت الجولة الثالثة من صفقة إطلاق سراح الرهائن، أمس، أفضل من الجولتين السابقتين. لقد تم الانتهاء من نقل المخطوفين في ساعات المساء المبكرة، وهم 13 إسرائيلياً، بينهم 4 نساء و9 أطفال، ورجل إسرائيلي يحمل الجنسية الروسية، و3 مواطنين تايلانديين. جرى الأمر من دون تأجيل في اللحظة الأخيرة، أمام وسائل الإعلام، بعكس ما جرى في الجولتين السابقتين على مدار اليومين الماضيين. بدورها، قامت إسرائيل، وفقاً للاتفاقية، بإطلاق سراح 39 أسيراً فلسطينياً من النساء، والقصّر، والمسنين. في حين بلغ إجمالي عدد الذين تم تحريرهم من أسر "حماس"، حتى الآن، 39 إسرائيلياً.
- ومع ذلك، هذا لا يعني أن الأمور مرّت بسلاسة خلف الكواليس. فمنذ ساعات الصباح الباكر، ساد توتّر كبير خطّ الاتصالات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة "حماس"، والتي كانت بوساطة من الولايات المتحدة ومصر وقطر. طوال اليوم، سادت الجانب الإسرائيلي خشية واضحة من تشويش في اللحظة الأخيرة. بل إن مسألة المكان الذي سيتم عبره نقل المخطوفين إلى البلد، كانت موضع بحث واتصالات مكثفَين، وقرارات تم اتخاذها في ظل توتُّر شديد.
- في الجولتين السابقتين، تم نقل المخطوفين من داخل قطاع غزة، عبر معبر رفح، إلى أيدي المصريين، ومن هناك، إلى "الأراضي الإسرائيلية". تبذل الحكومة المصرية وقواتها الأمنية جهوداً هائلة على مدار الأسابيع الماضية، إن في مجال نقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، أو في مجال ضمان تقدُّم صفقة المخطوفين، التي تُعد قطر الوسيط الرئيسي فيها. لكن الانتقال إلى رفح، عبر جنوب القطاع، يتطلب عملية سفر طويلة نسبياً، وخلال الجولة الأولى من التبادل، هاجم فلسطينيون بالحجارة سيارات كانت تنقل المخطوفين. وقالت النساء الإسرائيليات اللواتي كنّ في القافلة أنهن خِفنَ على حياتهن.
- بناءً عليه، اتُّخذ في هذه الجولة قرار القيام بعملية نقل أسرع، بواسطة الصليب الأحمر، عبر شمال قطاع غزة، الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية، والسفر من هناك على امتداد الطريق الساحلي الغزي إلى الشمال، نحو "الأراضي الإسرائيلية". في المقابل، لم يكن من الممكن تجاهُل الدور المصري في إنجاح الصفقة، ولهذا، تم نقل المواطنين التايلانديين الثلاثة، والمواطن الإسرائيلي الحامل الجنسية الروسية (الذي أعلنت حركة "حماس" أنها ستطلق سراحه تلبية لطلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين)، عبر معبر رفح.
- لم تكن هذه العقبة الوحيدة طوال اليوم. إذ تتبدى، من خلال الاتصالات مع حركة "حماس"، في الموازاة، مظاهر الفوضى السائدة في قطاع غزة، بعد 50 يوماً من الحرب، إلى جانب "السادية" التي ميزت سلوك هذه المنظمة منذ هجمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر. إن الفوضى والدمار الكبير اللذين أصابا الذراع العسكرية لحركة "حماس"، ومقدّراتها المدنية في شمال القطاع، راكما المصاعب أمام زعيم "حماس" يحيى السنوار، في بسط سيطرته التامة على القطاع.
- صحيح أن السنوار نجح في تعميم الالتزام بقرار وقف إطلاق النار بصورة تامة على قواته، في شمال قطاع غزة أيضاً، وإدارة صفقة المخطوفين. ومع ذلك، فمن المحتمل أن الرجل يواجه مصاعب حقيقية في جمع جميع الرهائن الإسرائيليين المشمولين في هذه المرحلة من الصفقة (وآخرين قد يتم تضمين أسمائهم في قوائمها لاحقاً). وفي الوقت ذاته، من المرجّح أنه يتلقى صورة جزئية عن التطورات، وهذا ما يزيد في شكوكه بشأن إجراءات مختلفة. هذا ما جرى يوم السبت، عندما قام بتعطيل تطبيق الجولة الثانية من إعادة المخطوفين، لأنه افترض، عن طريق الخطأ، أن إسرائيل تمتنع من السماح للعدد المتفق عليه من الشاحنات التي تم السماح بمرورها إلى شمال قطاع غزة. لقد كان التأجيل نابعاً، عملياً، من المصاعب التي واجهتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في تطبيق هذا الإجراء المعقد في موعده.
- يضاف إلى ما تقدم، أنه من الواضح أيضاً أن الرجل يحاول ممارسة الضغط النفسي على الجمهور الإسرائيلي، الذي يبدو أنه مفعم بالترقب في كل مرة يتم إطلاق سراح دفعة جديدة أخرى من المخطوفين. إن حركة "حماس" تدرك هذا الترقب جيداً، وتتعامل معه على أنه نقطة ضعف محتملة. وهكذا، تواصل "حماس" القيام بفصل أبناء العائلات، الذين تتم إعادة بعضهم، في حين يظل آخرون محتجزين حتى الآن في القطاع، في خرق للاتفاقيات الأصلية التي تم التوصل إليها.
- علينا، قبل أن نستدخل تطبيع هذه الخطوة برمّتها، الإشارة إلى أنه لا يوجد أي أمر منطقي في قيام هذا التنظيم باختطاف النساء والأطفال والمسنين بشكل جماعي في المقام الأول (علينا أن نؤكد هذا أمام وسائل الإعلام الدولية، التي عاد بعضها إلى جدول أعماله الطبيعي، مغفلاً هذه القضية المهمة). إن حركة "حماس" تواصل استخدام هؤلاء كما لو كانوا بضاعة وأوراق مساومة، بعد أن قامت في "غلاف غزة" وفي حفلة "رعيم" بقتل أكثر من 1100 إسرائيلي بريء. إن الصور المنتشرة لـ"إرهابي" مقنّع يضع يده، بلطف، على مسنّة أو طفل إسرائيليَين، لا يجب أن تمحو من الوعي الفظائع التي ارتكبها هذا التنظيم، قبل وقت ليس ببعيد. ولولا الضغوط التي تتعرض لها حركة "حماس"، وحاجتها الشديدة إلى استمرار وقف إطلاق النار، لكان من المشكوك فيه أن نرى هذه الصفقة تدخل حيز التنفيذ أيضاً، والتي سيتم في إطارها تحرير نحو ربع المخطوفين فقط.
- على الرغم من أن تأخير العملية يتضمن مخاطر، فإن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى وقت، لتنشيط قواته وتجهيزها للخطوة المقبلة.
- من المتوقع أن يتم اليوم تنفيذ الجزء الرابع والأخير من المرحلة الأولى من الصفقة. ومع ذلك، فمن المرجّح أن يستمر وقف إطلاق النار بضعة أيام أُخرى على الأقل. لحركة "حماس" مصلحة كبيرة في توسيع نطاق الصفقة، وقد بلّغت القطريين أنها ستحاول العثور على مزيد من الإسرائيليين المُدرجين في الفئة الأولى من الصفقة، وتجميعهم. تشمل هذه الفئة نحو 90 شخصاً، ومن ضمنهم، إلى جانب الأجانب، نساء وأطفال ومخطوفون يعانون جرّاء أوضاع صحية صعبة (بينهم كبار السن). خلال الليلة الماضية، انتشرت تقارير، مفادها أن "حماس" مهتمة بتمديد وقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين يومين وأربعة أيام إضافية، بما يتجاوز ما تم الاتفاق عليه في المرحلة الأولى، وهذا مشروط بإطلاق سراح مزيد من المخطوفين، حسبما التزمت حركة "حماس" أمام الوسطاء.
- بعكس الانطباع الذي خلّفته بعض التصريحات، لا يتملّك الجيش الإسرائيلي أي شعور بالعجلة لمواصلة العملية البرية على الفور. فأولاً، يتحدث الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة عن فترة أقصاها أسبوع إضافي، قبل العودة إلى القتال، في حال كان من الممكن أن تتم، خلالها، استعادة مخطوفين إضافيين. وثانياً، وعلى الرغم من المخاطر المرتبطة بتأجيل الاستمرار في العملية البرية (والمتمثلة في إعادة حركة "حماس" إلى تنظيم صفوفها، وتسليح قواتها وتذخيرها، وإجراء تغييرات على استعداداتها العسكرية)، فإن الجيش يحتاج إلى وقت لإعادة تنشيط قواته وتحضيرها للمرحلة المقبلة. إن هيئة الأركان الإسرائيلية تعلن كل يوم، احتراساً، أنها تميل إلى استئناف القتال.
- تستغل حركة "حماس" أيام وقف إطلاق النار من أجل عرض قوتها في شمال قطاع غزة أيضاً. يوم أمس، قام بضعة مسلحين تابعين للتنظيم بإيقاف شاحنات الإمدادات التي وصلت إلى المنطقة، ظاهرياً، من أجل تفتيشها. وفي ساعات المساء، وصل العشرات من المسلحين برفقة المخطوفين الإسرائيليين إلى مدينة غزة، وقاموا بنقلهم إلى الصليب الأحمر. يمثل الأمر، من ناحية قيادة "حماس"، استعراضاً مهماً للقوة، لإظهار أنها لم تُهزَم بعد في شمال قطاع غزة، وأنها قادرة على إرسال عناصرها إلى هناك أيضاً، على الرغم من وجود قوات الجيش الإسرائيلي بالقرب من المكان. ومع ذلك، هذه الصورة ليست هي التي ستحفر في وعي الإسرائيليين منذ اليوم. فالصور الأقوى منها بكثير، هي صور أبناء عائلة أفيغدوري، التي تم التقاطها في ساعة متأخرة من ليلة السبت، بعد عودة الأم والابنة من الأسر. وبعكس الانطباع الذي خلّفه بعض التصريحات، فلا يوجد شعور بعجالة الاستمرار في الحملة العسكرية، ولعدة أسباب، من ضمنها: أولاً، إن التوافق الذي أجمعت عليه الحكومة، يتحدث عن مهلة زمنية تستمر، كحد أقصى، مدة أسبوع إضافي، قبل العودة إلى القتال، إذا كان في الإمكان خلال هذا الأسبوع استعادة مخطوفين إضافيين. وثانياً، وعلى الرغم من أن تأجيل العودة إلى القتال مرتبط بالمخاطر (عودة حركة "حماس" إلى تنظيم صفوفها، وتجهيز قواتها، وإجراء التغييرات في استعداداتها العسكرية).
- مما يثير الإعجاب أيضاً، الصور المنتشرة لسكان مدينة "أوفاكيم"، المدينة التي قُتل فيها نحو 50 شخصاً في "المجزرة" التي نفّذتها حركة "حماس"، والذين خرجوا بجموعهم ليلة أمس إلى الشوارع، ليستقبلوا قافلة الأسرى المحررين من حدود قطاع غزة، ويرافقونها إلى قاعدة "حتسريم" التابعة لسلاح الجو. بدا من الواضح، عشية الحرب، أن "أوفاكيم"، بعكس كيبوتسَي "كفار غزة" و"ناحل عوز" اللذين جاء المخطوفون منهما، تعيشان (بصورة عامة) على جانبَي متراس الجدل السياسي العاصف والمؤلم. إذ إن أغلبية سكان "أوفاكيم" من الأصول الشرقية، الأقل حظاً اقتصادياً، وهم يتبنون موقفاً يرفض التفاوض مع حركة "حماس"، ويدعون إلى مواصلة ضرب القطاع، كما أنهم محسوبون على داعمي الحكومة، وسعيها لتغيير واسع في نظام الحكم، في حين أن سكان الكيبوتسات يتحدرون من فئة ميسورة اقتصادياً، ومعظمهم من أصول أشكينازية، ومحسوبون على المحتجين على الحكومة، وتمثلهم عائلات المخطوفين الرافضة لاستمرار الاجتياح، قبل إطلاق جميع الإسرائيليين الذين اعتقلتهم المقاومة. ويوم أمس، بعد أعمال القتل التي نفّذتها "حماس"، وبعد الإثارة الهائلة التي رافقت إطلاق المخطوفين، بات هذا الخلاف بين الإسرائيليين كما لو كان ذكرى باهتة من ماضٍ سحيق. لقد نفّذ السنوار ضربة كارثية ضد الإسرائيليين، لكن يبدو أنه لم ينجح في تحطيم معنوياتهم.
الكلمات المفتاحية