الإسرائيليون يريدون أن يتحولوا إلى عرب
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الانتفاضة الثانية قتلت اليسار الإسرائيلي ورؤية الدولتين، وخلقت حالة من عدم الثقة المطلقة بالفلسطينيين داخل المجتمع الإسرائيلي، ورغبة في الانتقام منهم. المذبحة التي نفّذتها "حماس" يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وخطف الإسرائيليين إلى غزة، ستدفن حل الدولتين بعُمق دفن القمامة النووية، حيث لا يراها العالم مطلقاً. ومن غير الواضح، من أين تستمد إدارة بايدن التفاؤل لإحياء هذا الحل بعد الحرب. هذا العمى نابع من تمنيات. فبنظر المواطنين الإسرائيليين، هذا غير ممكن سياسياً.
- أولاً، يوجد أمامنا نموذج الانتفاضة الثانية: الانتفاض الفلسطيني العنيف الذي كلّف حياة المدنيين، أدى إلى تعزيز قوة اليمين في المجتمع، أفقياً وعامودياً. الآن، وفي أعقاب 7 تشرين الأول/أكتوبر، فإن الرواية الإسرائيلية التي تُصاغ، تقوم على التالي "حماس= غزة= نازية= كل الفلسطينيين". هذه هي المعادلة الجديدة. جميع الفلسطينيين، وضمنهم الفلسطينيون في الضفة، يُعتبرون منذ الآن "وحوشاً" يجب قتلهم. المجتمع والإعلام يتجاهلان كلياً موت المدنيين في غزة بقصف سلاح الجو، بغض النظر عن الجيش والجنس، وهذا في أفضل الأحوال. المقياس الأخلاقي الإسرائيلي يتضمن أيضاً رغبة في إبادتهم، أو السماح بإبادتهم، بحسب الحاجة العملياتية.
- وأيضاً، التشديد في إسرائيل هو على أن النظرة الإنسانية تجاه الغزيين هي مطلب من "العالم". حياة الفلسطينيين لم تكن بهذا الرخص في نظر الإسرائيليين قط. الخوف من المحرقة تعزز؛ لقد "حدثت مرة أُخرى". أمّا شعور "نحن على حق"، فقد تعزز، وأيضاً إحساس الضحية الذي يولّد شعوراً بامتلاك كل البلد. مشاعر الاستعلاء على الأغيار أيضاً تعززت، ولا يجب على أحد أن ينظّر علينا. يقولون: شكراً لك بايدن، لكن لا تتجرأ على أن تقول لنا ما يجب علينا القيام به. اللاسامية المنتشرة تعزز الخوف الإسرائيلي، وتجعله أقرب إلى شعور بالخطر الوجودي. وفي النتيجة، تتعزز الروح القتالية الدينية والقومية. حل الدولتين يُعتبر جنوناً، وضعفاً، وخيانة.
- رفض القيم الغربية الليبرالية يتعزز. إحدى أكثر المظاهر بروزاً في أعقاب المذبحة هي رغبة كثيرين من الإسرائيليين واليهود في أن يكونوا شبيهين بالصورة المسبقة للعرب لديهم. بصورة جدلية، تغذيها العنصرية والخوف، يتم التعامل مع كل ما هو عربي الآن على أنه قوة واحترام وانتصار. ففي الرواية الجديدة، رواية ما بعد الصدمة، يتم التشديد على أن الفيلة التي تريد النجاة في الغابة، يجب عليها أن تتوقف عن التصرف كفيَلة، وتتصرف كجزء من الغابة، وبحسب قواعدها. الفيلة لا تستطيع الصمود. الآن، الإسرائيليون يتعاملون مع القيم العربية على أنها قيم "عنيفة ومتوحشة"، قادرة على الانتصار باسم الرب والأرض. القيم الغربية الإسرائيلية تُطرح كساذجة، وستؤدي إلى الخراب.
- يرى كثيرون أن نتنياهو هو المسؤول عن الإخفاق، لكنهم يخافون من السنوار أكثر مما يخافون منه. المذبحة خلقت شعوراً بأن جميع الفلسطينيين يريدون "ذبح جميع اليهود"، ولذلك، على اليهود قتلهم. قسم كبير من اليسار "ينضج"، ويرفض وضع المذبحة في أي سياق؛ "توحُّش حماس" وُلد من الفراغ. إسرائيل كلها في حالة صدمة من اليسار العالمي. وفي الوقت نفسه، يتعزز الانتماء الفكري وانتماء المشاعر إلى اليمين العالمي، الإسلاموفوبيا.
- التطرق النقدي إلى الاحتلال مرفوض، وهو خارج حدود المعسكر الإسرائيلي. إرهاب المستوطنين يحصل تقريباً على دعم أغلبية المجتمع، حتى لو كان بصمت. وفي النهاية، فإن نتنياهو لن يستقيل، وهو ما سيدفعنا إلى خيار من اثنين: إمّا أن تتراجع الاحتجاجات ضده، بذريعة "سننتصر معاً"؛ وإمّا أن تندلع حرب أهلية، بعد الحرب التي سيطيل مدتها إلى أقصى حد ممكن. في جميع الأحوال، فإن وجود نتنياهو سيحبط كل إمكان لحوار جدي بشأن الدولتين.