بلينكن وصل حاملاً طلباً جديداً من إسرائيل
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- من بين كتب الإدارة الناجحة في الولايات المتحدة كتاب، عنوانه "Extreme Ownership"، الذي يمكن ترجمته بـ "الالتزام المطلق – كيف يقود الأسطول الأميركي نحو النصر". يعالج الكتاب مسألة القيادة، ويصف أسلوب القتال الأميركي في العراق بأنه موزع على 4 مراحل أساسية: الاستيلاء؛ التطهير؛ الإمساك بالوضع؛ البناء. هذه هي الطريقة التي يجب شن الحرب وفقها، من وجهة النظر الأميركية. وفي حوارنا العميق مع الأميركيين، في نظرهم، نحن ما زلنا في المرحلة الأولى.
- في يوم الخميس، يزور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إسرائيل للمرة السادسة. وستعالج الزيارة عدة اختلافات مع الأميركيين، بعضها مهم جداً، وبعضها الآخر أقل أهمية. وقبل التطرق إلى هذه الموضوعات، من المفيد أن نتذكر أنه خلال الـ 75 عاماً الأخيرة، باستثناء مرة واحدة، قرر فيها الرئيس ترومان الاعتراف بدولة إسرائيل، بعكس موقف وزير الخارجية القوي، آنذاك، مارشال، يقف الرئيس الأميركي بسرعة وحزم إلى جانب إسرائيل.
ماذا سيطرح الأميركيون؟
- قبل كل شيء، وفوق كل شيء، إطلاق المخطوفين كلهم، وبينهم مَن يحملون الجنسية الأميركية. بالنسبة إلى الأميركيين، هذا له أولوية عليا، حتى لو تطلّب الأمر مزيداً من أيام الهدنة. من أجل ذلك، هناك طواقم أميركية في الميدان، وليس لدى الرئيس الأميركي أي مشكلة في الاتصال هاتفياً بأمير قطر كل يوم، أو يومين، للتأكد من أن عملية إطلاق المخطوفين تمضي قدماً. ويتطابق هذا تماماً مع السلوك الحالي للحكومة الذي لن يتغير طالما استمر إطلاق المخطوفين الإسرائيليين.
- الموضوع الثاني، هو الحد من إلحاق الأذى بالسكان المدنيين في القطاع قدر المستطاع. هناك نقطتا خلاف تكتيكيتان مع الأميركيين في هذا الموضوع، إدخال المساعدات الإنسانية، وصولاً إلى إدخال الوقود، جرى حلهما بصورة أرضت الأميركيين، حتى لو لم تكن إسرائيل راضية عن ذلك، فقد كان هناك إجماع في أوساط متّخذي القرارات على أن هذه ضريبة، يجب دفعها من أجل المحافظة على التأييد الأميركي القوي، والتخفيف قليلاً من الضغط الدولي.
- اليوم، يصل بلينكن إلى إسرائيل، وهو يحمل طلباً جديداً: مع تجدُّد القتال، يريد الأميركيون أن تكون الهجمات مركزة ومحدودة، وأقل بكثير مما شهدناه في شمال القطاع حتى اليوم، للحد من إلحاق الأذى بالمدنيين. ربما هذا خلاف تكتيكي، لكن في رأيي، من المهم أن تصرّ إسرائيل على المبدأ الذي وجّهها حتى الآن، وهو المحافظة على أمن جنودنا. يجب عدم التنازل قط عن هذا المبدأ، حتى لو أدى إلى استمرار المشاهد القاسية من القطاع، وإلى الخلاف مع الأميركيين.
- الخلاف الاستراتيجي بيننا وبين الأميركيين منذ بدء الحرب، هو بشأن مسألة "اليوم التالي للحرب". لدى الأميركيين رؤيا لشرق أوسط جديد ومختلف. وهنا تتقاطع رغبتهم في القضاء على "حماس" من جهة، ومن جهة أُخرى، رؤيا "حل الدولتين" مع سلطة فلسطينية "مجدّدة ومعدلة"، سمّوها ما تشاؤون، المهم أن تكون سلطة فلسطينية. بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، هذا النقاش مهم لعدة أسباب: أولاً، لأنه يساعدهم في المحافظة على الائتلاف غير الرسمي الذي يريد القضاء على "حماس"، والمؤلف من دول عربية وبعض الدول الأوروبية. علاوةً على ذلك، تريد الإدارة التخفيف من حدة النقد الداخلي داخل الحزب الديمقراطي، ومن جانب أعضاء الكونغرس، وخصوصاً اليسار التقدمي، وصولاً إلى مساعدين وموظفين في الكونغرس، وفي الإدارة، وفي داخل البيت الأبيض نفسه.
- تقديم رؤيا "اليوم التالي" تساعد الرئيس بايدن على تحييد جزء من الانتقادات الداخلية الموجهة إليه. يقول مستشاروه السياسيون إنه يدفع ثمناً سياسياً في سنة الانتخابات، جرّاء خسارته أصوات الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و29 عاماً، وأيضاً أصوات المسلمين الذين يشكلون جزءاً مهماً في واحدة من أهم 6 ولايات أساسية حاسمة في الانتخابات، هي ميشيغن.
- لا شك في أن البيت الأبيض يرغب في وقف إطلاق النار في آذار/مارس، إذ سيبدأ السباق الرئاسي بين المرشح الجمهوري، الذي يبدو أنه سيكون دونالد ترامب. حينها، سيبدأ البحث المكثف فيما يجري في غزة. لذلك، تريد الولايات المتحدة بلورة اتفاقات مع إسرائيل.
- هناك نقطة مهمة يجب ذكرها، وتحوم فوق كل شيء، وتشكل جزءاً من الخلاف الاستراتيجي بيننا وبين الأميركيين، هي إيران. هناك توافُق الآن على عدم الرغبة في نشوب حرب واسعة في الشمال، غير تلك التي تدور الآن. لبايدن موقف نقدي في سنة الانتخابات. مع ذلك، من المهم أن نقول للأميركيين أنه في نهاية الأمر، الاستراتيجيا الإيرانية التي تطورت بعد حرب إيران-العراق، هي الاستمرار في الحرب، لكن إبعاد القتال عن حدودها. وهي تحقق هذا الهدف من خلال "وكلائها"؛ الحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق وسورية، وحزب الله و"حماس". وإيران تفعل هذا كله من دون أن تدفع أي ثمن.
- برز خلاف في داخل الإدارة الأميركية عندما أوصى البنتاغون بأن إيران يجب أن تبدأ بدفع الثمن، لكن الرئيس بايدن قرر تأجيل ذلك، خوفاً من توسُّع المعركة في سنة الانتخابات. على الرغم من ذلك، فإن الحوار مع الأميركيين يجب أن يستمر، لأن هناك 60 ألف نازح إسرائيلي في شمال البلد، لا يستطيعون العودة إلى مستوطناتهم في ظل الوضع الذي كان قائماً قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر. في نهاية الأمر، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع تأجيل المعركة مع إيران والاكتفاء بإدارة معركة محدودة في مواجهة الحوثيين والميليشيات. إذا كانت الولايات المتحدة في رؤيتها لليوم التالي للحرب في غزة تريد شرق أوسط جديداً ـ فإن هذا يجب أن يشمل الثمن الذي يجب على الإيرانيين دفعه.
- في الختام، إذا كان الأميركيون يريدون التوصل إلى المرحلة الأخيرة، مرحلة البناء الضرورية، بالنسبة إليهم، في الإدارة الناجحة للحرب، كما جاء في كتاب "Extreme Ownership"، يتعين علينا أن نوضح لهم أن الطريق إلى ذلك تمر بكل المراحل التي ذكرها هذا المقال. ومن أجل بناء شرق أوسط جديد، يجب علينا أن ندمّر أولاً.