قبل أن تتحول حرب غزة إلى "جولة" أُخرى، هذا هو وقت مهاجمة حزب الله
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- يبدو أن إسرائيل تعمل وفق خط تفكير أفقي. بالنسبة إليها، هناك صفقة، وتقوم بتنفيذها على دفعات، وبعد الهدنة، نعود إلى النقطة التي كنا فيها، ونستأنف القتال كما لو أن شيئاً لم يحدث.
- لكن حدث الكثير، وهناك كبح، وحدث تغيير في الحديث العام. هناك كثير من العوامل، ومن القوى التي تريد إنهاء الحرب في غزة، وهناك أيضاً مؤشرات تدل على تصدُّع الوحدة السياسية في إسرائيل. ومنذ اللحظة التي حددت فيها إسرائيل أولوية أهداف الحرب، وجعلت من قضية المخطوفين هدفاً أساسياً، فإنها وضعت نفسها على مسار فصلها عن أهداف الحرب الأصلية.
- كثيرة هي القوى التي تشد بالحدث في اتجاه حصر القتال حول المخطوفين، وإغلاقه بصورة كاملة. المقصود الولايات المتحدة، التي يصل وزير خارجيتها إلى إسرائيل من أجل زيادة الضغط عليها لإنهاء المعركة، وأيضاً "الأصدقاء" في العالم العربي، وفي أوروبا، وكذلك هناك بعض الأصوات والتيارات في داخل إسرائيل تريد إنهاء الحدث الآن، وعودة جميع المخطوفين.
- لقد دخلت إسرائيل في نوع من ورطة استراتيجية. إذا استأنفت القتال، فسيجري ضمن ظروف صعبة، بالنسبة إليها، وستشكل ضغطاً عليها لإنهاء القتال. فالمقصود مناورة برية في منطقة مكتظة بالسكان، ومن المحتمل أن يزيد هذا الأمر في الاحتكاكات بمصر، وقد يؤدي إلى تدخُّل أكبر من حزب الله في المعركة، من أجل خلق فوضى وزيادة الضغط على إسرائيل لوقف القتال وقفاً كاملاً.
- في هذا الإطار، يجب الأخذ في الحسبان أن "حماس" لم تستخدم حتى الآن سلاح يوم القيامة، بالنسبة إليها، أي اقتراح إطلاق جميع (الأسرى)، أو أكثريتهم، في مقابل كل المخطوفين. وهذا سيزيد في الضغط الدولي على إسرائيل، ويقضي على الشرعية الممنوحة لها، من أجل مواصلة المعركة، وسيخلق فوضى داخلية في إسرائيل، معناها خسارة الحكومة الحالية لشرعيتها، وهيجان في الجيش، وفي المجتمع الإسرائيلي، وانتخابات، وفوضى سياسية مترافقة مع فوضى عسكرية، سببها الوجود الإشكالي للجيش الإسرائيلي في القطاع.
- في مثل هذه الظروف، سيتحول القتال إلى "جولة"، ولن يكون حرباً حاسمة. وسيشكل هذا مفترق طرق حساساً تمر به إسرائيل، ويفرض عليها التفكير وإعادة تصويب المسار. أمام إسرائيل خياران مختلفان. الأول، هو الجمع بين بداية مناورة عسكرية في الجنوب وبين عملية سياسية كبيرة تتضمن، ليس فقط إعادة كل المخطوفين فحسب، بل استسلام "حماس" ومغادرة قيادتها القطاع، وفق ما جرى في بيروت في سنة 1982، ونزع السلاح من القطاع كله. احتمال نجاح هذه الخطوة ليس كبيراً، ولا سيما أن السنوار لا يشعر بعد باقتراب السكين من رقبته.
- الخيار الثاني والأكثر إثارة للاهتمام، هو توسيع القتال شمالاً، نحو حزب الله، لعدة أسباب. السبب الأول، هو عنصر المفاجأة: حزب الله يتوقع تجدُّد القتال في جنوب القطاع، وهو ما يمنح إسرائيل تفوقاً، يسمح لها بتوجيه ضربة استباقية مفاجئة نسبياً، وأخذ زمام المبادرة.
- لكن باستثناء ذلك، لن يجري حسم الحرب الكبرى الدائرة عملياً في الشرق الأوسط في مواجهة إيران، إذا لم يحدث حسم مهم على الجبهة الشمالية. من المحتمل أن ننتصر في الحرب على غزة، ونخسر في الحرب الكبرى. تشكل الجبهة الشمالية تهديداً أكثر أهمية لإسرائيل، يجبرها على تفكيك هذا الخطر، أو على الأقل، خلق وضع جديد على الحدود الشمالية.
- من الناحية العسكرية، هذه هي اللحظة المناسبة، بينما استطاعت إسرائيل الإيقاع بـ"حماس" وضربها في القطاع، وتمكنت من تحييد قدرتها على الإيذاء تقريباً، من خلال إطلاق الصواريخ على شتى أنحاء البلد. من هنا، المعركة ضد حزب الله، ستجري اليوم في ظروف جيدة، بالنسبة إلى إسرائيل، وفي وضع لم تعد الساحتان مترابطتين. في إمكان إسرائيل "مهاجمة" حزب الله، من دون أن تضايقها "حماس" بصورة كبيرة من القطاع. كما في إمكانها فعل ذلك مع استمرار وجودها في غزة وخنقها، عبر تشديد الحصار عليها.
- علاوةً على ذلك، فإن فرصة خلق نظام جديد في المنطقة لن تتكرر، والجيش والمجتمع الإسرائيليان مجندان بصورة غير مسبوقة، وهذه فرصة لتحويل ما يبدو أنه جولة أُخرى عنيفة وقاسية وكبيرة، إلى "حرب"، بمعنى خلق حسم ذي طابع استراتيجي في الشرق الأوسط كله. وهنا يكمن مستقبل إسرائيل في هذه المنطقة الصعبة، وكذلك مستقبل اتفاقات أبراهام، ومستقبل العلاقات مع دول مجاورة أُخرى، وطبعاً، القدرة على مواجهة إيران التي كفتها الآن هي الراجحة.
الكلمات المفتاحية