تهديد الحوثيين يمكن أن يشعل مواجهة عسكرية دولية في البحر الأحمر
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إن إعلان الحوثيين أنهم سيعترضون من الآن فصاعداً طريق أي سفينة تعبر البحر الأحمر في طريقها إلى إسرائيل، سواء أكانت إسرائيلية أم لا، ما دامت إسرائيل لا تسمح بدخول المساعدة الإنسانية إلى قطاع غزة، يرفع تهديدهم إلى مستوى استراتيجي دولي، وإذا تحقق هذا الأمر، فإنه سيتطلب إعادة تنظيم، ورداًّ لا يقتصر على ضرب أهداف معينة في قواعد للحوثيين، أو القيام بعمليات تخريب محدودة في العاصمة صنعاء جرى الحديث عنها في الأيام الأخيرة.
  • يضع إعلان الحوثيين البحر الأحمر في قلب الاستعدادات، وربما أيضاً في قلب مواجهة عسكرية كاملة بعد أن تبيَن أن الوجود العسكري الأميركي والإسرائيلي في المنطقة لم ينجح في ردعهم. ومن الممكن أن تكون هناك حاجة إلى استعراض حقيقي للقوة في وقت قريب، يجب ألاّ ينتظر تشكيل قوة بحرية دولية كما طلبت الولايات المتحدة في المنطقة. وسيكون الرد على الخطوة الحوثية اختباراً دولياً، ليس فقط في البحر الأحمر، بل أيضاً في مواجهة التهديدات الصادرة عن إيران أكثر من مرة بشأن نيتها ضرب الملاحة في الخليج الفارسي.
  • وجاء إعلان الحوثيين هذا رداً على "الفيتو" الذي فرضته الولايات المتحدة على قرار مجلس الأمن الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وللتعبير عن الاستخفاف بنيّة الأميركيين تشكيل قوة بحرية دولية، لكنه اعتمد على الإحساس بالثقة بوجود قيود سياسية يمكن أن تعرقل رداً أميركياً عنيفاً. ووفقاً لتقارير وكالة رويترز وبلومبرغ، فإن السعودية هي التي ضغطت على الإدارة في واشنطن من أجل "ضبط النفس" في ردها على الحوثيين، وذلك لإفساح المجال أمام استكمال اتفاق السلام بين السعودية والحوثيين، وبينهما وبين الحكومة اليمنية المعترف بها.
  • وقد قال الناطق بلسان الحوثيين ورئيس الموفد المفاوض محمد عبد السلام يوم الجمعة إنه بوساطة عُمانية جرى التوصل إلى مخطط متفق عليه لوقف إطلاق النار رسمياً، وبصورة دائمة، وبعد ذلك إنهاء الحرب...
  • إن السعودية التي بدأت الحرب في اليمن سنة 2015 أملت أن تنهيها خلال أسابيع معدودة، فإذا بها تغرق في الغبار اليمني منذ ثماني سنوات، على الرغم من تفوقها العسكري وتسلُّحها بأحداث العتاد العسكري الأميركي، وهي مضطرة إلى إنهاء الحرب بالتفاوض مع عشائر، وبحسب الشروط التي يفرضها الحوثيون. لكن ليست السعودية وحدها التي ترغب في إنهاء هذه الحرب التي قُتل فيها أكثر من 150,000 شخص، بل أيضاً وضعت الولايات المتحدة، منذ انتخاب جو بايدن، إنهاء الحرب في اليمن على رأس سلم أولوياتها في الشرق الأوسط. وتتخوف الرياض، وواشنطن أيضاً، الآن من حدوث مواجهة واسعة النطاق يمكن أن تجمد الخطوات الدبلوماسية، وتتسبب باستئناف الهجمات الحوثية على أهداف في السعودية، كما جرى لدى مهاجمة منشآت النفط في شركة أرامكو.
  • وثمة تخوف سعودي آخر، وهو أن يؤدي الهجوم الأميركي على الحوثيين إلى المس بمنظومة العلاقات بين الرياض وطهران، وتحديداً في الوقت الذي تعمل الدولتان فيه على ترميم علاقتهما رويداً رويداً، وبعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما في آذار/مارس الماضي. وهذا هو السبب لعدم رد السعودية بالإيجاب على طلب الولايات المتحدة الانضمام إلى القوة البحرية الدولية التي تنوي تشكيلها لحماية الملاحة في البحر الأحمر. والمفارقة هي أن الولايات المتحدة التي ضغطت من أجل إنهاء حرب اليمن، وجمدت بيع السلاح للسعودية كي لا تستخدمه في هذه الحرب، يمكن أن تشن هي حرباً ضد الحوثيين.
  • ولم تغب هذه الاعتبارات عن بال الحوثيين الذين يعتقدون أن الورقة السياسية التي لديهم قوية بما فيه الكفاية من أجل فرض الحصار البحري في البحر الأحمر من دون أن يدفعوا ثمناً باهظاً، لكن للمزيد من الأمن، نشروا بطاريات صواريخ روسية على طول البحر الأحمر، وهناك تقارير أيضاً تقول إن لديهم طائرات ميغ وسوخوي روسية استولوا عليها من الجيش اليمني.
  • إن الحرب في غزة لم تقم فقط بوضع الدولة الأقوى في العالم أمام تحدٍ خطرٍ في اليمن، وبإغراقها في حرب استنزاف في مواجهة قوات عشائرية وميليشيات ذات قدرات عسكرية محدودة، بل أيضاً جعلتها تتلقى رداً عراقياً بعد أقل من أسبوع من الهجوم الأميركي على موقع مسيرات تشغله ميليشيات شيعية في العراق؛ إذ أُطلقت، يوم الجمعة، 6 قذائف مدفعية على السفارة الأميركية في بغداد، بالإضافة إلى تنفيذ 5 هجمات على أهداف أميركية في سورية، ولم يعلن أي تنظيم مسؤوليته عن الهجمات، لكن الولايات المتحدة تنسبها إلى ميليشيا "حزب الله العراق" وميليشيا النجباء التي تمولها إيران وتدربها، والمسجلة رسمياً كجزء من قوة القدس التابعة للحرس الثوري.
  • لقد سارع رئيس الحكومة العراقية إلى اعتبار الهجوم على السفارة الأميركية "عملاً إرهابياً"، لكن ثمة شك في قدرته على الاستجابة لطلب الأميركيين باعتقال المسؤولين عن هذا الهجوم ومحاكمتهم، فإذا قرر التحرك ضد هذه الميليشيات، فإنه لن يصطدم بإيران التي ترعى هذه التنظيمات فقط، بل أيضاً بعشرات الميليشيات الأُخرى التي تدخل ضمن إطار "الحشد الشعبي" (القوة الأكبر التي أُقيمت سنة 2015 لمحاربة داعش وتحولت إلى جيش موازٍ)...
  • إن المعضلة التي يواجهها الأميركيون في العراق تشبه إلى حد بعيد الرد الإسرائيلي ضد التنظيمات الفلسطينية قبل حرب غزة، والذي ميز بين الجهاد الإسلامي و"حماس"، وتحميل إسرائيل "حماس" المسؤولية عموماً عن المحافظة على الهدوء، لكن الوضع في العراق أكثر تعقيداً؛ إذ أن وقوع هجوم أميركي كبير في العراق لن يؤدي إلى مطالبة عراقية بطرد كل القوات الأميركية من العراق فحسب، بل أيضاً يمكن أن يؤدي إلى تدخُّل إيران التي تعتبر نفسها حتى اليوم غير مسؤولة عن قرارات الميليشيات الشيعية هناك. والسؤال المطروح هنا، وخصوصاً في ضوء الانتقادات في الولايات المتحدة لما يبدو عجزاً لبايدن في الدفاع عن مصلحة جنودها: "كيف سيرد على الهجوم الأخير، وهو الأوسع منذ وقت طويل؟" إن القرارات في الجبهتين العراقية واليمنية يمكن أن تدفع الإدارة الأميركية إلى أن تفحص عن قرب سلم أولوياتها الاستراتيجي، وفرض جدول زمني للحرب في غزة.    
 

المزيد ضمن العدد