من المتوقع أن تردّ "حماس" على قتل العاروري، والسؤال عمّا إذا كان حزب الله سيردّ أيضاً
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- اغتيال صالح العاروري، أحد قيادات "حماس" الكبيرة في بيروت، هي المرة الأولى خلال الحرب التي تشير الأخبار فيها إلى أن إسرائيل - التي لم تعترف بمسؤوليتها عن الاغتيال، رسمياً - يبدو أنها نجحت في إصابة إحدى القيادات المركزية في الحركة. فعلى الرغم من الجهود الكبيرة جداً في هذا المجال في غزة، فإن قيادات الحركة ذهبت إلى الأنفاق منذ بدأت محاولات الاغتيال. من المتوقع أن يؤدي الاغتيال إلى ردّ حاد من "حماس"، وكما يبدو، فإن هذا الرد من المتوقع أن يكون من لبنان.
- السؤال المركزي هو: كيف سيردّ حزب الله، الذي جرى الاغتيال في قلب معقله. قيادة "حماس" في الخارج تنتشر بين قطر وتركيا ولبنان. وعلى الرغم من إعلان إسرائيل نيتها اغتيال قيادات الحركة، فإن هؤلاء يفترضون أن البقاء في قطر يمنحهم الآن شهادة تأمين معينة، بسبب الدور الذي تؤديه الدوحة في الجهود للتوصل إلى صفقة تبادُل أسرى جديدة. أمّا في تركيا، فمن غير المؤكد أن إسرائيل معنية الآن بتصعيد العلاقات مع الرئيس أردوغان. لذلك، فإن لبنان هو ساحة الاغتيالات المطلوبة، إلا إن هذا ينطوي على خطر تصعيد إضافي في مواجهة حزب الله.
- خلال الصيف المنصرم، هدد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بقتل العاروري بصورة واضحة جداً. الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ردّ، حينها، أنه من غير المهم للحزب ما إذا كان المستهدف في العملية الإسرائيلية لبنانياً، أو فلسطينياً، وفي اللحظة التي سيجري الاستهداف على أرض لبنان، فإن ردّ حزب الله سيكون قاسياً. إلا إن الأمور تبدو مختلفة الآن، بسبب الحرب في غزة.
- منذ بدء القتال هناك، يدفع حزب الله للفلسطينيين ضريبة، عبر الضربات اليومية التي يوجهها ضد إسرائيل، لكنه ملتزم الحفاظ على بقائها بالقرب من الحدود، بهدف البقاء تحت سقف الحرب. وحتى لو لم تتغير طريقة عمل نصر الله وسياسة رعاته الإيرانيين، فإن زيادة حدة الرد من لبنان ستقلص هامش المناورة لديه، وترفع احتمالات سوء الفهم المتبادل.
- بعد "المذبحة" في الغلاف، تبين أن قائد "حماس" في القطاع يحيى السنوار، لم يقُم بإعلام قيادات التنظيم في الخارج وإيران وحزب الله بموعد العملية المخطط لها وشكلها. يبدو أن هذا هو السبب المركزي لنجاحه في الحفاظ على سرية الهجوم وعدم وصوله إلى الاستخبارات الإسرائيلية. وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل لا تفرّق بين "حماس - الداخل" و"حماس - الخارج"، ولا بين المستوى السياسي للحركة والمستوى العسكري. فبعد "المذبحة"، كثرت التصريحات الواضحة بشأن نية محاسبة الجميع.
- يبدو أن حقيقة أن إسماعيل هنية والعاروري وغيرهما، صلّوا صلاة شكر في قطر، بعد نجاح الهجمة في اليوم نفسه، عززت قرار اغتيالهم. هناك بُعد رمزي وتاريخي بأن العاروري كان أول مَن اغتيل من المجموعة، وفي اليوم نفسه الذي توفي فيه تسفي زامير الذي كان رئيس الموساد المسؤول عن ملاحقة الذين نفّذوا "المذبحة" ضد الرياضيين الإسرائيليين في الأولمبياد في ميونيخ في سنة 1972.
- لا يزال لدى "حماس" قدرة على إطلاق الصواريخ من القطاع إلى وسط البلد، لكنها محدودة. الخطر الآخر الجديد بعض الشيء، والذي من الممكن أن يؤثر، يتعلق بعمل الحركة في لبنان. خلايا "حماس" أطلقت بعض الصواريخ من الجنوب اللبناني، بالتنسيق مع حزب الله في السابق. وعلى نصرالله أن يقرر ما إذا كان سيسمح لهم بالتمادي وإطلاق النار نحو عكا - صفد.
- العاروري كان المسؤول المركزي في "حماس" عن التواصل مع الحرس الثوري الإيراني، وكان يلتقي نصر الله أحياناً. لا يزال لدى المحور الشيعي حساب مفتوح مع إسرائيل بسبب اغتيال رضي الموسوي في دمشق، الأسبوع الماضي. الموسوي كان مقرباً من نصر الله، ورافقه منذ تم تعيين الأخير أميناً عاماً للحزب في بداية التسعينيات من القرن الماضي. ومن المفترض أن يُلقي نصر الله خطاباً اليوم في بيروت. هناك بعض الأخبار المتضاربة بشأن ما إذا كان الخطاب سيبقى كما كان مخطّطاً له. وإذا قرر الحديث، فسيكون من الممكن فهم توجّهه.
- وبالإضافة إلى رمزية الانتقام، والحاجة الإسرائيلية إلى تقديم إنجاز، عبر ضرب قيادات "حماس"، فإن اغتيال العاروري له أهمية عملياتية أيضاً. لقد ترك الضفة في سنة 2010، بعد اتفاق مع "الشاباك"، وبعد بقائه فترة طويلة في قيد الاعتقال الإداري. ومنذ ذلك الوقت، ركز جهده "الإرهابي" لعمل "حماس" في الضفة عن بُعد، وكان يقف خلف محاولات زعزعة حُكم السلطة هناك. رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غضب منه بعد أن كشف "الشاباك"، في سنة 2014، شبكة واسعة فعّلها العاروري في الضفة، خططت لعمليات ضد السلطة، وضد الإسرائيليين.
السيطرة تحت الأرض
- تراجُع القتال في شمال القطاع، بعد إلحاق الضرر بكتائب "حماس" هناك، يسمح للسكان الفلسطينيين، الذين بقوا هناك، بالتحرك بحُرية أكبر، حتى في الأحياء التي دُمّرت. وفي الوقت نفسه، هناك تدفُّق ثابت للأخبار من جنوب القطاع، على الرغم من أن الصحافيين الأجانب لا يصلون إلى هناك تقريباً، وأن الأخبار، في أغلبيتها، تستند إلى مراسلين ومصادر فلسطينية.
- صحيفتان أميركيتان، "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال"، نشرتا تقارير خلال الأيام الأخيرة بشأن ظروف حياة صعبة جداً في القطاع. وبحسب المصادر الإعلامية، فإن نصف الـ2.2 مليون من سكان القطاع يواجهون خطر المجاعة، ونحو 90% من السكان يقولون إنهم لا يحصلون على الطعام بشكل ثابت خلال يوم كامل. ونحو 20% من السكان محرومون بشدة من الحصول على الطعام. وحتى في الأماكن التي يوجد فيها طعام، فإن الأسعار ارتفعت بشكل هائل: يكلف كيس الطحين 10 أضعاف سعره قبل الحرب. ونحو 70% من المنازل، و50% من المباني السكنية دُمّرت كلياً في القطاع، أو أصيبت بإصابات بالغة بسبب القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي.
- لقد لحق ضرر كبير جداً بقدرات "حماس" العسكرية، لكن ليس في المطلق، ولا في جميع مناطق شمال القطاع. هناك لواءان، ومن ضمنهما الـ12 كتيبة، لم تعد تعمل في إطار هرمي. وتحاول "حماس" إعادة تنظيم قوات صغيرة في غزة ومحيطها، ويبدو أن بعض "المخربين" يعودون إلى المنطقة عبر الأنفاق، بالتدريج. الحكم المدني التابع لـ"حماس" تفكّك كلياً؛ وفي الجنوب، بقي بعض القدرات لإدارة المنطقة والتعامل مع المدنيين، إلا إن أداء السلطة هناك ضعيف جداً ويستند، في أغلبيته، إلى المساعدات الدولية. أشك في أن تكون قيادة "حماس" منشغلة، أو تبذل جهوداً للاهتمام بالمجتمع الذي تم دفعه إلى كارثة كبيرة في أعقاب هجوم التنظيم "الإرهابي" على الغلاف يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.
- تتركز الجهود الحربية الإسرائيلية، في أغلبيتها، في منطقة خان يونس جنوب القطاع، حيث تعمل الكتيبة 98، وفي إطارها، يوجد 7 طواقم قتالية. جهود أقل تجري حول مخيمات اللاجئين في وسط القطاع، حيث تهاجم الكتيبة 36 بقوات صغيرة من جهة الجنوب، في الوقت الذي تقتحم الكتيبة 99 من الشمال. إسرائيل لا تخفي أن جهودها تتركز في خان يونس على قيادات "حماس" التي تختبئ، بحسب التقديرات، في منظومات الأنفاق العميقة تحت الأرض، ومن المتوقع أن يكونوا محاطين بمخطوفين إسرائيليين كدروع بشرية.
- العمليات في خان يونس تتضمن عملية واسعة النطاق للوصول إلى قيادات "حماس" والمخطوفين. وإلى جانب ذلك، فإن القوات الكبيرة التي تحيط المدينة، والموجودة على مشارفها، تقوم بعمليات تمشيط للوصول إلى الأنفاق، وإلى "المخربين"، وأدوات قتالية. الافتراض أن المسؤولين، وعلى رأسهم يحيى السنوار، ما زالوا في المنطقة تحت الأرض، وهو يستند إلى أنه جرى مسبقاً وضع شبكات القيادة للحركة هناك والتي لا تزال فاعلة، على الرغم من ظروف القتال والدمار الكبير.
- قائد الوحدة 401 في سلاح الدبابات، الجنرال بيني أهرون، وصف المعارك التي خاضتها الوحدة خلال الأسابيع الأخيرة، خلال حديث مع الصحافيين أمس. ويصف أهرون شبكة متشعبة جداً من الأنفاق ومواقع الاختباء، استعملتها القيادة العسكرية لـ"حماس" في المدينة وكُشفت في وسط غزة، وفي الأحياء الشرقية. هذا يدلل على حجم التجهيز المسبق لـ"حماس" على مدار السنوات، وجاهزية عالية لإمكان اقتحام إسرائيل عمق القطاع. وفي الوقت نفسه، يصف أهرون السيطرة الميدانية القوية في الميدان، والعمل بصبر، والذي يؤدي إلى تفكيك ممنهج لقدرات "حماس" العسكرية، من دون نجاح الحركة في وقف الخطوات العسكرية.
- وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يزال هناك تساؤلات: لماذا يختار السنوار البقاء هناك وقتاً طويلاً، بالقرب من قوات الجيش، ولم يجهز مساراً لهروبه إلى منطقة أُخرى، عبر الأنفاق؟
- صعوبة إضافية تتعلق بمنطقة رفح، حيث توجد المواد الخام لتصنيع السلاح، إلى جانب الأدوات القتالية المستوردة، التي تم تهريبها خلال العشرين عاماً الأخيرة إلى القطاع، عبر الأنفاق على الحدود المصرية، وذلك إمّا بسبب التجاهل المقصود من الجيش المصري، وإمّا بسبب الرشاوى. من الواضح أنه من غير الممكن إغلاق هذه القناة المركزية لتعزيز وتقوية "حماس" من دون عملية عسكرية إسرائيلية في المنطقة، أو ترتيبات رقابة جديدة على الحدود. إلا إن إسرائيل تمتنع من ذلك حتى الآن، إمّا بسبب التخوف من مواجهة مع مصر، وإمّا بسبب وجود نحو مليون مدني فلسطيني من اللاجئين، في أغلبيتهم، تم دفعهم إلى رفح ومحيطها بسبب الضربات الإسرائيلية في بقية مناطق القطاع.
- إذا انتقل الجيش، فعلاً، إلى المرحلة الثالثة من الحرب، فإنها ستتمثل في اقتحامات ضد مناطق سيطرة "حماس" المتبقية في القطاع. إلا إن عملية في رفح ستحتاج إلى قوات أكبر، وإلى كثير من الوقت. حتى الآن، لا يبدو أنها جزء من الخطة الحالية - ولذلك، هناك تساؤلات عن مدى نجاح إسرائيل في الوصول إلى نتيجة حاسمة في الحرب.
- يبدو أيضاً أن الجيش والمستوى السياسي انتقلا إلى التركيز على قيادات "حماس" كـ"صورة نصر" ممكنة للحرب. صحيح أن السنوار بشكل خاص، والقيادة العسكرية الضيقة برمتها، كان لهما تأثير استثنائي في صوغ استراتيجيا الحركة في الأعوام الماضية واتخاذ قرار تنفيذ "المذبحة" في الغلاف، إلا أنه لا يوجد أي ضمان بأن روح القتال لدى الحركة ستنتهي في حال اغتيالهم - الآن أيضاً، لا يوجد ضمان أن ينجح الجيش و"الشاباك" في الوصول إلى قيادات "حماس" في وقت قريب.