نصر الله أطلق تهديداً، لكنه سيسعى للتسوية عندما يكون مطالَباً بالحسم
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- إياكم أن يصيبكم الارتباك: لقد كان خطاب نصر الله كلّه بعد ظهيرة اليوم، محاولة للدفاع عن نفسه، نظراً إلى قيامه بتوريط لبنان في الدوامة الغزية. كان ظهور الرجل ظهوراً دفاعياً، متخفياً بمظهر الهجوم على إسرائيل. لكن المؤسف أن لدينا مَن يفهم الأمور بصورة أخرى. أمّا في بيروت، فهم يدركون جيداً أن كل ما حاول نصر الله فعله كان تبرير انبرائه، المحدود النطاق، لمساعدة "حماس"، بذريعة جدية تُظهر أن هدفه كان محاولة خدمة المصلحة الوطنية اللبنانية.
- بكل بساطة، ومن دون الاستناد إلى الكلمات المحتقنة والفارغة التي تعج بها الأستوديوهات والمواقع الإخبارية الإسرائيلية، يجب أن نفهم التالي: لقد بذل نصر الله قصارى جهده، أكثر مما يفعل في المعتاد، ليبالغ، بطريقة مثيرة للعجب، في توصيف مدى تكبيده الجيش الإسرائيلي والبلدات الإسرائيلية في الشمال الأضرار. ثم ادّعى أن لبنان قد يجني من الحرب في الشمال مكاسب تتعلق ببسط سيادته، وربما منع اختراق سلاحَي الجو والبحر الإسرائيليَين مناطق السيادة اللبنانية.
- ما أقوله هو أن نصر الله يدرك أن الأشهر الثلاثة الأخيرة التي حاول فيها أن يوضح أنه لا يسعى لجرّ لبنان إلى حرب شاملة، بل يقوم بخلق جبهة مساندة، تهدف إلى تخفيف الضغط على "حماس"، قد فقد قدرته على إقناع جمهوره. ولذا، فهو الآن يقوم بتغيير توجُّهه، وهو يقول للأغلبية اللبنانية التي ترفض التورط في الحرب: ما أقوم به من أجلكم عملياً، هو في مصلحتنا كلبنانيين! ما هي هذه المصالح؟ إجبار إسرائيل على الموافقة على التخلي عن النقاط الحدودية الخلافية الـ 13، على امتداد الخط الأزرق بين البلدين، ابتداءً من النقطة B1 في رأس الناقورة، ووصولاً إلى مزارع شبعا (هار دوف)، إلى جانب وقف الطلعات الجوية الإسرائيلية في سماء لبنان، واختراق سفن البحرية الإسرائيلية المياه اللبنانية الإقليمية. ها هو الآن يستعرض هذه الأهداف على حين غرة، بصفتها "فرصة تاريخية"، ولن يمرّ وقت طويل إلى أن يقوم كثيرون في لبنان بالرد على الرجل.
- صحيح، لقد أعلن نصر الله، عملياً، أن قوات حزب الله (التي انسحبت، في معظمها، إلى مسافة تبعد ما بين 10 و 15 كيلومتراً عن الحدود) قد تلقت أمراً بتوجيه ضربة، رداً على اغتيال صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية، وأنه لن يكون هناك أي تأخير في هذا الشأن، لكن التوجّه الذي انطوى عليه خطاب نصر الله بصورة واضحة، كان البحث عن تسوية على امتداد الحدود، لحظة توقُّف الحرب في غزة.
- لقد انسحبت أغلبية عناصر قوة الرضوان من الخط الحدودي الواقع شمالي جبل الشيخ. أمّا فرق حزب الله الأفقية، كوحدة عزيز (في القطاع الغربي)، وناصر (في القطاع الأوسط)، وحيدر (في القطاع الشرقي)، فقد ابتعدت جميعها عن خط المواجهة، بعد أن فقدت مخازن العتاد وغرف القيادة الميدانية الخاصة بها، فضلاً عن بطاريات الصواريخ المتطورة الروسية المضادة للطائرات.
- لقد حاول نصر الله، على امتداد خطابه، استخدام مبالغات صارخة لتوصيف الأضرار التي سبّبها رجاله لإسرائيل. فبحسب "إحصاءاته"، هناك 300 ألف مهجر من بلدات الجليل، أمّا إسرائيل، فهي تخفي أعداد قتلاها وجرحاها الذين سقطوا بنيران قواته، وجميع المنظومات الرقابية العسكرية في الشمال زالت من الوجود، وعملياً: لقد قامت إسرائيل، بدلاً من إنشاء حزام أمني في الأراضي اللبنانية، بإنشاء حزام أمني في أراضيها.
- نصر الله خطيب مفوّه، لا يفتقر إلى الحيل البلاغية، لكنه حين يعتمد على المبالغات في ادعاءاته، فهو يحاول طبعاً الاقتباس من مصادر إسرائيلية لإضفاء الصدقية عليها، بما يشمل الاقتباس من دانييل هغاري [الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي]، هذه إشارة واضحة على أنه يقول للعالم العربي أولاً، وللمجتمع الشيعي في لبنان، وسائر اللبنانيين: لقد قام حزب الله بعمل غير قليل، وحققنا إنجازات كبرى، وها نحن الآن نعمل في خدمتكم، أما أهم الرسائل فهي: لا تقلقوا، أنا لن أورطكم في حرب شاملة.
- أنا أعلم جيداً بأن هناك عدة جنرالات احتياط مرابطين في الأستوديوهات، وأنا لا أعمم هنا، يقدّرون أن نصر الله يتجه نحو تصعيد شامل. ما العمل؟ إن نصر الله قام، عملياً، بالإشارة إلى جمهور مستمعيه (ونحن من ضمنهم) بأنه مستعد للحوار، لحظة يدرك أن إسرائيل أنهت عملها في غزة. طبعاً، يُحظر علينا الاستناد إلى هذا التلميح، يُحظر علينا البناء عليه، لكن هذا ما وعد به نصر الله شعبه.