التوتر بين الميليشيات الموالية لإيران في العراق واليمن وبين الولايات المتحدة، هل هو على وشك الانفجار؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • تتعامل الإدارة الأميركية خلال الأسابيع الماضية مع تطوّرين تصعيديَين. التحدي الأكبر هو استمرار عمليات الحوثيين ضد حرية الملاحة الدولية في البحر الأحمر. ضرباتهم ألحقت الضرر، حتى الآن، بسفن لها علاقة بـ40 دولة، وتم تحويل نحو 20% من التجارة الدولية، بعد أن قررت شركات الملاحة تحويل آلاف السفن إلى مسار جديد يلتف حول رأس الرجاء الصالح. خلال الأيام الماضية، قام الحوثيون بالهجوم الـ26 والأعنف منذ بدء الحرب. وبحسب متحدثين أميركيين، بمشاركة من البريطانيين، تم إسقاط 18 طائرة مسيّرة انتحارية واعتراض صاروخين ضد السفن.
  • وفي الوقت نفسه، تستمر ضربات الميليشيات الداعمة لإيران ضد أهداف أميركية في العراق وسورية. وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها هذه الميليشيات على رئيس الحكومة العراقي لإنهاء الوجود الأميركي في الدولة، لكن حفاظاً على مصالح النظام في بغداد، يبدو أنه سيحافظ على المساعدات التي تقدمها واشنطن في مجالات متعددة، ومن ضمنها تدريب قوات مكافحة الإرهاب.
  • وبسبب هذه التطورات، تم تسريع الخطوات الدبلوماسية والعملياتية التي تقودها الولايات المتحدة مع الحلفاء في الساحة الدولية، لإحباط الهجمات، إلى جانب المبادرة إلى هجمات تدفيع الثمن، ودعماً لرسائل الردع. وجرى في هذا الإطار:
  • الولايات المتحدة ومعها أستراليا، والبحرين، وبلجيكا، وكندا، والدنمارك، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وهولندا، ونيوزيلاندا، وبريطانيا، طالبوا في بيان مشترك بالوقف فوري للضربات غير القانونية، وبتحرير السفن التي تمت مصادرتها بشكل غير قانوني. البيان يحمّل الحوثيين المسؤولية عن التداعيات إذا واصلوا تهديدهم للحياة، وللاقتصاد العالمي، ولحرية التجارة في مسارات المياه الحيوية للمنطقة. هذا بالإضافة إلى أنه خلال اجتماع مجلس الأمن الذي بادرت إليه واشنطن يوم 10 كانون الثاني/ يناير، تمت المصادقة على القرار 2722، الذي يدين بشدة ضربات الحوثيين للسفن في البحر الأحمر، ويطالبهم بوقفها فوراً، هذا بالإضافة إلى تحرير السفينة Galaxy Leader وطاقمها. وصوتت 11 دولة مع القرار، في حين امتنعت 4 دول، بينها الصين وروسيا، لكنهما لم يستخدما الفيتو ضد القرار.
  • في البداية، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إقامة قوة بحرية تتجول في البحر الأحمر، للدفاع عن السفن التي تبحر هناك، في مواجهة ضربات الحوثيين، وانضمت إلى هذه القوة 44 دولة. وفي الوقت نفسه، ضربت الطائرات التابعة للبحرية الأميركية ثلاث سفن هجومية تابعة للحوثيين، بعد محاولتها السيطرة على سفينة تجارية في جنوب البحر الأحمر. وبحسب بيان قيادة المنطقة الوسطى الأميركية، فإن الطائرات استجابت لنداء استغاثة من السفينة الهندية Maersk Hangzou التابعة لشركة مارسك. لكن سفينة رابعة تابعة للحوثيين استطاعت الهرب.
  • وفي العراق، اغتالت الولايات المتحدة قائداً في ميليشيات موالية لإيران، مسؤولاً عن استخدام الطائرات المسيّرة، وبحسب الأميركيين، كان هذا القائد مسؤولاً أيضاً عن الضربات ضد الجنود الأميركيين. وسبقت ذلك ضربات بادرت إليها طائرات التحالف ضد أهداف تابعة للميليشيات الموالية لإيران في سورية والعراق، رداً على سلسلة طويلة من الضربات التي نفّذتها هذه الميليشيات ضد القوات الأميركية المتمركزة في هذه الدول.
  • إيران، من جانبها، تعود وتشدد على استقلالية الحوثيين، وتحاول إبعاد نفسها عن علاقتها بهجمات الحوثيين، والتي تقوم الولايات المتحدة باتهامها بها. لكن المرشد الأعلى علي خامنئي، هو الذي طالب الدول الإسلامية بوقف العلاقات التجارية وفي مجال الطاقة مع إسرائيل. وعندما لم تستجب هذه الدول، يقوم الحوثيون بالمهمة الآن، بمساعدة الاستخبارات الإيرانية، عبر مهاجمة السفن التي تربطها علاقة بإسرائيل، بالإضافة إلى سفن أجنبية تحمل بضائع لإسرائيل. خبر مهم في هذا السياق نشرته صحيفة "التلغراف" البريطانية، التي نقلت عن جهات إيرانية قولها إن خامنئي تدخّل شخصياً في قرار الحوثيين، فرض الحصار على إسرائيل، وأن إيران تعتبر هذه الخطوة من أكثر الخطوات فعالية لإلحاق الضرر بإسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، فإن حجم حدة المواجهة في البحر الأحمر لم يتضح، والخطورة التي تنطوي عليها لحدوث مواجهة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة ودول التحالف، وإذا ما كان هذا يخدم المصلحة الإيرانية، أو أن التقديرات في طهران هي أن احتمالات الرد العسكري ضئيلة.
  • يبدو أن الإدارة الأميركية غير معنية فعلاً بتدهور الوضع الإقليمي، وحتى الآن، هي تركز على توسيع ومأسسة الائتلاف الدولي وإرسال رسائل ردع إلى إيران وحلفائها. فضلاً عن التصريحات المنسوبة إلى مسؤول في الإدارة بأن الولايات المتحدة غير معنية بتحذير الحوثيين مرة أُخرى، بعد التحذير المشترك الصادر عنها، وعن دول أخرى. كما أن الولايات المتحدة لم تتحمل، رسمياً، المسؤولية عن اغتيال المسؤول في الميليشيات الموالية لإيران، إلّا إن العملية التي ألحقت الضرر بقدرات الميليشيات القيادية، يبدو أنها أتت استمراراً لمناقشات داخلية جرت في البيت الأبيض مؤخراً، وركزت على احتمالات التصعيد في الخليج. وبحسب التقارير الصحافية، فإن الحوارات الداخلية في الإدارة انشغلت بسيناريوهات يمكن، في إطارها، أن تنجرّ الولايات المتحدة أكثر إلى جبهة في الشرق الأوسط، والبنتاغون يقوم بصوغ خطة لإلحاق الضرر بالحوثيين، وفي اليمن نفسه.
  • الاستعدادات لتوسيع العمليات العسكرية تجري بعد أشهر من بدء القتال في غزة، وخلالها مررت الإدارة رسائل إلى إيران مرة أُخرى، ومن ضمنها منع التصعيد. وفي المقابل، عززت الولايات المتحدة تجهيزاتها العسكرية في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، بهدف الاستعداد لإمكان حدوث تدهور، وفي الأساس في إطار الجهد لردع إيران وحلفائها، وردع الحوثيين وحزب الله بصورة خاصة. المتحدثون الكبار باسم الإدارة، وبينهم الرئيس بايدن، عادوا إلى التأكيد أن لا مصلحة للولايات المتحدة في توسيع الحرب خارج غزة. إلا إن الإدارة كررت تأكيدها أن إيران هي التي توجّه الجهات المختلفة وتساعدها، عملياتياً، للعمل ضد الأهداف الأميركية.
  • يبدو أن الحوارات، التي تجري في الإدارة بشأن التطورات في الخليج، تركزت على المعضلة بين الحاجة إلى ترسيخ الردع، وفي الأساس منع أي تشويش للملاحة الدولية، وبين الفهم أن توسيع المواجهة بين الولايات المتحدة والقوى الإقليمية سيُلحق الضرر بجدول أعمال الإدارة الأميركية؛ في الوقت الذي تتعامل الإدارة مع سلسلة طويلة من التحديات، وعلى رأسها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والحرب بين إسرائيل و"حماس"، والتخوف من التدهور أيضاً على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية، بين إسرائيل وحزب الله. وأكثر من ذلك، فإن الرئيس بايدن الذي ينوي الترشح لولاية رئاسية ثانية، من المتوقع أن يواجه تحدّياً داخلياً معقداً، فهو غير معنيّ بالعودة إلى "فترة الحروب" التي تدخلت فيها الولايات المتحدة، وعودة هذه الحروب إلى موقع مركزي في الرأي العام الأميركي، والتي يستخدمها منافسوه في الحزب الجمهوري ضده، وعلى رأسهم الرئيس السابق دونالد ترامب.
  • يبدو أن إيران أيضاً غير معنية بالتدخل المباشر في الحرب، وتحافظ على صيغة، مفادها مساعدة جميع الميليشيات، لكنها لا تديرها، ولا تقودها. وعلى الرغم من ذلك، فلا شك في أن جرأة طهران في أعقاب الحرب بين إسرائيل و"حماس"، تستند أساساً إلى علاقاتها الوطيدة بروسيا والصين. فكلٌّ منهما تمنحها حصانة أمام قرارات مجلس الأمن، كما ترسخ تقديراً قد يكون خاطئاً بشأن حصانة أمنية معينة يمكن أن تؤدي إلى تجنُّب الولايات المتحدة العمل ضدها مباشرة.
  • وعلى الرغم من ارتداع الإدارة عن التدهور، فإن تصميم الحوثيين والميليشيات في سورية والعراق على الاستمرار في عملياتهم، وفي المقابل، الضغوط المتصاعدة على الرئيس بايدن من الداخل من أجل الرد واستعادة قوة الردع الأميركية، أمور كلها يبدو أنها تزيد في احتمال التدهور الواسع. هذه الإمكانية احتمالاتها مرتفعة. ومن المحتمل أن يبادر التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، إلى خطوة عسكرية ضد الحوثيين، تكون مركّزة، لتمرير رسالة ومنع التصعيد. وفي جميع الأحوال، يبدو أنه على الرغم من أن الإدارة توجّه أصابع الاتهام إلى إيران بأنها هي التي توجّه حلفاءها نحو استهداف المواقع الأميركية والدولية وتساعدهم، فإنها ستمتنع من استهداف مواقع إيرانية بصورة مباشرة.
 

المزيد ضمن العدد