بسبب التصريحات المرفوضة: الوضع القانوني لإسرائيل يمكن أن يصبح صعباً في لاهاي
تاريخ المقال
المصدر
- قريباً سيتم نشر قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن القرارات الاحترازية التي طلبتها جنوب أفريقيا لوقف الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة، بحسب ادّعائها. ومن المهم الإشارة إلى أن القرار لا يتطرق إلى سؤال ما إذا كانت إسرائيل تقوم بإبادة جماعية، أم لا. فالقرار في هذا الشأن سيُنشر بعد عدة أعوام. في هذه المرحلة، يتوجب على المحكمة الدولية أن تقرر ما إذا كان هذا الاحتمال قائماً أصلاً، وفي حال كانت الإجابة نعم، ما هي الخطوات التي تساعد على وقف هذا التطور، في رأي المحكمة؟
- أحد الأمور الأولية التي يدرسها طلاب الحقوق هي أنه يوجد فرق ما بين الحقيقة الواقعية وبين الحقيقة القانونية، وفكرة أن أحد الطرفين على حق، لا تعني بالضرورة أن القرار القضائي سيكون لمصلحته. هذا هو الواقع الذي تعيشه إسرائيل في الساحة الدولية الآن، قبل القرار الاحترازي. الحقيقة الفعلية هي أن إسرائيل لا ترتكب إبادة جماعية. السبب الوحيد، أو الأساسي على الأقل، هو أن الحقيقة القانونية يمكن أن تتعقد بسبب التصريحات المرفوضة التي صدرت عن السياسيين والمحللين والمؤثرين، وحتى الجنود في الميدان، الذين طالبوا بمسح غزة، وإلقاء قنبلة نووية، ورفضوا التفريق بين الأبرياء وغير الأبرياء.
- لإثبات الإبادة الجماعية، قانونياً، يجب إثبات حدوث أفعال - إلحاق الضرر بمجموعة قومية، أو إثنية، أو دينية، ووجود نيات خاصة لإلحاق الضرر بهذه المجموعة وإبادتها بشكل كامل، أو جزئي. يجب تحقيق الجزأين: النيات والفعل، وأحدهما لا يكفي. على صعيد الحقائق، لا توجد نية ولا فعل؛ أمّا قانونياً، فكما رأينا في ادّعاء جنوب أفريقيا، فإن الأفعال يمكن طرحها بشكل أحادي، وعندما يجري جمع هذه الادعاءات مع تصريحات السياسيين، سواء أكانوا قياديين أو هامشيين، ويتلقاها الجمهور العريض (مثل تصريحات المشاهير)، وكذلك الجيش (تصريحات الجنود)، فإنها تخلق وضعاً يثبت وجود نية إبادة جماعية.
- المسار القضائي في محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن الإبادة الجماعية سيستمر أعواماً طويلة، وفي نهاية المطاف، أنا على قناعة بأن إسرائيل ستنجح في إثبات الحقيقة القانونية المشابهة للحقيقة الواقعية. وعلى الرغم من ذلك، حتى لو لم يتم قبول مطالب جنوب أفريقيا كاملة، ولم يُطلب من إسرائيل وقف القتال، فإن مجرد قبول جزء من المطالب سيُلصق بإسرائيل تهمة الشك في وجود إبادة جماعية. وهو ما يمكن أن يُحدث إسقاطات سياسية، ودبلوماسية، واقتصادية واجتماعية كثيرة، في المديَين القصير والطويل.
- بُعد آخر فيه حقائق ظاهرة، هو الكارثة الإنسانية التي تحدث الآن في غزة. عشرات الآلاف من القتلى، هم في أغلبيتهم، من النساء والأطفال، فضلاً عن مئات الآلاف الذين لا يستطيعون الوصول إلى الغذاء والماء والأدوية والكهرباء. لقد نشرت مؤسسة Human rights watch تقريراً يفيد بأن إسرائيل تقوم بتجويع سكان غزة الأبرياء كأداة قتالية. وبحسب التقرير، هناك علاقة مباشرة بين القتال الإسرائيلي وبين جريمة الحرب بتجويع المجتمع المدني. وحتى في هذه الحالة، الحقيقة الواقعية أن إسرائيل تفرض حصاراً على "حماس"، وعمليات الجيش غير موجهة ضد المدنيين. الجوع الذي فُرض على المدنيين في غزة هو أضرار جانبية، ولا شك في أن هذا الضرر يزداد لأن "حماس" تصادر المساعدات الإنسانية للمقاتلين أولاً، ولا تسمح بوصولها مباشرة إلى المحتاجين المدنيين.
- وللتعامل مع الحقيقة القانونية، يجب على إسرائيل أن تثبت أنها تسمح بدخول مساعدات إنسانية إلى غزة، وضمنها الغذاء والماء والأدوية، وذلك بحسب القانون الدولي الإنساني الذي ينطبق على الصراع. أحد الأبعاد الذي لا يعمل لمصلحة إسرائيل في الصراع القانوني هو قرار منع دخول شاحنات المساعدات الإنسانية، عبر معبر كرم أبو سالم، المخصص لنقل البضائع، وفرض قيود على دخول المساعدات، عبر معبر رفح فقط. وهو ما أدى إلى فرض قيود على كمية المساعدات الإنسانية التي يمكن إدخالها إلى القطاع. بُعد آخر لا يقلّ أهمية، هو التصريحات غير المسؤولة الصادرة عن السياسيين الذين طالبوا بمنع دخول المساعدات الإنسانية، أو ربطوا إدخالها بتحرير الرهائن.
- للأسف، إن احتمال استخلاص العبر والتراجُع عن هذه التصريحات ضئيل، وذلك بسبب الحسابات السياسية الداخلية التي دفعت إلى هذه التصريحات أصلاً. لكن هذا لا يعني أن إسرائيل ستُدان بتهمة إبادة جماعية في المحكمة الدولية، كما لا يعني أنها تقوم بجريمة حرب من خلال تجويع المدنيين. الحديث هنا يدور حول طواحين هواء ساهمت التصريحات في خلقها، والآن، على النظام القضائي الإسرائيلي محاربتها من جهة، ومن جهة ثانية، محاربة تصريحات إضافية.
- إن القرار المتعلق بالخطوات الاحترازية سيمنحنا صورة مسبقة لإمكانات النجاح في الصراع القانوني، مستقبلاً.