في سنة 2014 حذّروا نتنياهو من الخطة التي نفّذتها "حماس" في سنة 2023
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إنه لمن المدهش أن نشهد، مراراً وتكراراً، كم كان حدوث الهجوم أمراً محتوماً. لقد كان المخطط القاتل الذي نفّذته "حماس" في عيد "سمحات توراة" معروفاً من المستويَين السياسي والعسكري منذ فترة من الوقت. "كل شيء كان معروفاً منذ سنة 2014"، حسبما قال هذا الأسبوع شخص كان يشغل منصباً أمنياً رفيعاً: "لا جديد تحت الشمس"، أضاف مسؤول آخر. "ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وُلد قبل حملة الجرف الصامد" [2014].
  • لقد صرّح الذين اطّلعوا على التقرير الكامل المتعلق بعملية "الجرف الصامد"، الصادر عن مراقب الدولة، لصحيفة "هآرتس"، بأن الجزء السري من التقرير يتضمن وصفاً تفصيلياً لمخطط مشابه لِما حدث في 7 أكتوبر: عدة مئات من "المخربين" يقتحمون إسرائيل عبر أنفاق، "مسلحون من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، ويستقلون سيارات الجيب والدراجات النارية"، بحسب أحد المصادر، كان الهدف تنفيذ "مجزرة" في المواقع العسكرية والبلدات الإسرائيلية المتاخمة للحدود، وخطف جنود ومدنيين لاستخدامهم كأوراق مقايضة مع إسرائيل.
  • كان رئيس الوزراء، آنذاك واليوم، أي بنيامين نتنياهو، يدرك الخطر جيداً. وفي اجتماع مجلس الكابينيت في حزيران/يونيو 2014، أي عشية حملة "الجرف الصامد" [العصف المأكول]، وصف نتنياهو خطة "حماس" بأنها "تهديد محقق لدولة إسرائيل"، وأوضح قائلاً "هذا السيناريو يختلف لأن أحداث الخطف، أو اقتحام أراضينا، ستغير التوازن القائم بيننا وبينهم.. إن دخول قوة عسكرية يصل حجمها إلى كتيبة إلى حدودنا، معناه أنها ستقتل وتخطف أيضاً. وسيشكل هذا الأمر ضربة هائلة للمعنويات. لن تتمكن هذه الخطوة من تركيع إسرائيل، فحتى الصواريخ لم تتمكن من تركيع إسرائيل، لكن الأمر سيشكل ضربة رهيبة".
  • المعلومات عن المخطط، الذي كان من المفروض أن ينفّذ في صيف 2014، وصلت إلى جهاز الشاباك في نيسان/ أبريل من ذلك العام. ووصف شخص مطّلع على المعلومات الاستخباراتية، بأنها كانت "معلومات فائقة الجودة، وتم التأكد منها عبر عدة مصادر، بشرية وتكنولوجية". وجرى توثيق قيام قوات النخبة بالتدرب على اقتحام نماذج تشبه البلدات الإسرائيلية، وشملت مناوراتهم أيضاً اقتحاماً بواسطة طوافات مسيّرة، وغارات تنفّذها قوات الكوماندوس البحرية. كان الهدف من وراء ذلك، كما يتضح من المادة الاستخباراتية، الوصول إلى مدينة بئر السبع [أي تنفيذ اجتياح بعمق 41 كيلومتراً].
  • وقال شخص كان مقرباً من نتنياهو لصحيفة "هآرتس"، إن رئيس جهاز الشاباك يورام كوهين التقى نتنياهو وعرض أمامه تفاصيل المخطط. وبحسب هذا المصدر، لقد "افترض كوهين أن ’حماس’ إذا حاولت تنفيذ هذا المخطط، فإن الأمر سيؤدي بالضرورة إلى حرب، وتعامل نتنياهو بنفسه مع هذه المعلومات بصورة جدية". وقال شخص آخر، كان يشغل منصباً أمنياً رفيعاً في ذلك الوقت، إن نتنياهو "كان الوحيد الذي عرف، بعمق، مغزى هذا التهديد من بين أعضاء القيادة السياسية الإسرائيلية جميعهم".
  • تم تمرير هذه المعلومات الخطِرة أيضاً إلى رئيس هيئة الأركان، آنذاك، بني غانتس ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أفيف كوخافي. وفي ملخص للمناقشة التي شارك فيها قائد المنطقة الجنوبية سامي ترجمان وممثل جهاز الشاباك، ورد أن "هذه الخطة ليست خطة ستُحفظ في الدرج" [أي مجرد خطة احتياطية]. لقد آمن ترجمان، هو أيضاً، بأن تنفيذ هذا المخطط يعني اندلاع حرب. وفي أثناء قيامه بتحضير جبهته للعملية الدفاعية، قال لزملائه في هيئة الأركان: "لا أريد أن أصل إلى مرحلة أتصل بكم صبيحة سبت ما، وأقول لكم إن خمسة كيبوتسات تم احتلالها، وأن هناك 80 ’مخرباً‘ في كل منها. لا أريد أن أتصل بكم أيضاً بعد أن تكون هذه العملية قد نُفّذت".
  • أدى الأمر إلى ارتفاع نسبة اليقظة في المؤسسة الأمنية. وقدّر غانتس في مناقشة داخلية أن التصعيد مع قطاع غزة "يقترب أكثر فأكثر". وفي حزيران/يونيو 2014، صرّح وزير الدفاع، آنذاك، موشيه يعلون، بأن الأمر بمثابة "نشاط استراتيجي على وشك التنفيذ". وكان واضحاً للمقربين منه أن حركة "حماس" لن تقوم، ببساطة، بتنسيق موعد الهجوم مع إسرائيل. "من المعقول الافتراض أن معظم المنظومات الأمنية [التابعة لحركة "حماس"] لن تعرف موعد لحظة الصفر حتى موعد البدء بالهجوم"، بحسب تلخيص اجتماع قيادة الجبهة الداخلية، في حين حذّرت شعبة الاستخبارات العسكرية، حسبما ورد في عبارة "علينا أن نكون جاهزين لاحتمال هجوم "حماس"، من دون أن يكون لدينا القدرة على ردعها".
  • لم يجرِ إطلاع مجلس الكابينيت على صورة الوضع إلّا في تموز/يوليو، بعد بضعة أيام على انطلاق حملة "الجرف الصامد". ووصف يورام كوهين، الذي عرض أمام الوزراء تفاصيل الخطة العسكرية [لـ"حماس"] بأنها دراماتيكية، في حين أضاف غانتس أن "هناك إدراكاً تاماً" أن تنفيذ هذه الخطة سيؤدي إلى "انطلاق معركة واسعة النطاق جداً". وخلص رئيس الوزراء إلى القول: "الهدف الآن هو الحؤول دون تنفيذ هذا المخطط".
  • في القسم العلني من التقرير الرسمي للتحقيق في حملة "الجرف الصامد"، امتنع مراقب الدولة السابق يوسف شابيرا من الخوض في تفاصيل المخطط، لكنه كان يمكننا تشكيل انطباع بشأن مخطط "حماس"، من خلال القراءة ما بين السطور، والاقتباسات المأخوذة من أعضاء القيادتَين السياسية والأمنية. لقد أشار شابيرا إلى أن "نشاطاً معادياً هائلاً من غزة في اتجاه إسرائيل، كان جاهزاً قبل بضعة أشهر من حملة الجرف الصامد". وفي الحملة نفسها، تمت مصادرة  وثائق أضافت تفاصيل بشأن المخطط. "لقد قاموا بإغلاق أنفاقهم، ولذا، قرر عسكر ’حماس’ اقتحام الجدار نفسه"، حسبما لخّص مسؤول أمني سابق في تصريح لصحيفة "هآرتس"، وأضاف قائلاً: "هناك أمر واحد لا شك فيه: كان المستويان السياسي والأمني يعلمان بنيّة "حماس" منذ عقد من الزمن، وكان عليهما الاهتمام بتأمين الحماية لمواجهة مثل هذا الاحتمال".
  • صرّح شخص عمل إلى جانب نتنياهو لصحيفة "هآرتس"، هذا الأسبوع، بأنه ما من شك في أن السيناريو المرعب الذي كُشف في سنة 2014 حفر عميقاً في وجدان رئيس الحكومة. "انتبه إلى ما قاله قبل وقت قصير من السابع من تشرين الأول/أكتوبر، في نشاط لإحياء ذكرى قتلى حملة الجرف الصامد". أقيم هذا الاحتفال في حزيران/يونيو 2023، في ذروة الانقلاب على النظام، وكانت تحذيرات مسؤولي المنظومة الأمنية الإسرائيلية مدوية من استغلال ما يعتبره أعداء إسرائيل نقطة ضُعف تاريخية في المجتمع الإسرائيلي. لقد قال نتنياهو "كنا نعلم بمخططات لإدخال مئات ’المخربين‘ لاقتحام بلداتنا، وحضانات أطفالنا، وكيبوتساتنا، ومدننا، والقيام بخطف جنودنا ومدنيينا... وتنفيذ عمليات القتل، والتسلل مجدداً إلى الخلف".
  • كما أتى نتنياهو على ذِكر هذا المخطط في مناقشة عاصفة للجنة الرقابة على الدولة في نيسان/أبريل 2017، والتي ناقشت تقرير مراقب الدولة: "هجوم مشترك متعدد الأذرع، يشمل: أولاً، هجوماً جوياً، بمعنى... إطلاق آلاف الصواريخ على المدن الإسرائيلية، وفي الموازاة: هجوم عبر البحر، بواسطة غارات قوات الكوماندوس البحري. وعبر الجو، بمظلات مدفوعة بمحركات، وعبر البر، وتحت الأرض، واقتحام للحدود، هذا ما كانوا يأملون بتحقيقه، عبر عشرات الأنفاق التي قاموا بحفرها، وبعض هذه الأنفاق كان في ذلك الحين ممتداً إلى داخل أراضينا، باستخدام قوات خاصة قاموا بتدريبها، مع نقل لقوات يبلغ تعدادها نحو كتيبة، عبر هذه الأماكن، من أجل تنفيذ عمليات خطف وقتل في داخل البلدات الإسرائيلية والمواقع العسكرية، وخطف رهائن نحو أراضيهم. لقد قدّروا أنهم سيكونون قادرين، إذا فاجأونا، على تنفيذ هذا الأمر. وهم قادرون في كل لحظة على تنفيذ هذا المخطط".
  • طريقة نتنياهو في التعامل مع تقرير مراقب الدولة، تذكّرنا بنمط تصرفاته في مواجهة منتقديه في هذه الأيام.  صرّح مسؤول رفيع سابق في حوار أجريناه معه بالتالي "لقد خاض رئيس الحكومة، آنذاك، حملة منسقة ضد مراقب الدولة". ورداً على ادّعاءات مراقب الدولة فيما يتعلق بمعالجة تهديد الأنفاق، إلى جانب تبليغ مجلس الكابينيت في وقت متأخر بشأن مخطط "حماس"، جرى توجيه المقربين من نتنياهو إلى القول إن التقرير "لم يكن جدياً". وفي مناقشة أُجريَت في لجنة رقابة الدولة، قام رئيس الائتلاف الحكومي دافيد بيطان بمواجهة أحد آباء الجنود القتلى، وانضم عضوا الكنيست ميكي زوهر ويوآب كيش [عضوا كنيست مركزيان في الليكود، ومقربان من نتنياهو] إلى جوقة تشجيع بيطان.
  • حينها، وجهت ميخال، أرملة الكولونيل دوليف كيدار، الذي قُتل، آنذاك، خلال تبادُل لإطلاق النار مع مقاتلي "حماس" بالقرب من كيبوتس نير عام، إلى نتنياهو كلاماً عاطفياً، تبدو علاقته شديدة بما يحدث اليوم: "سيدي رئيس الحكومة، أردت أن تقود، فقُد.  عليك التوقف عن اتهام الجميع بإخفاقاتك. إيران، والعالم، و’حماس’.. أنا أعلم بأن عليّ اتهام ’حماس’ بمقتل زوجي، فهم الذين أطلقوا النار عليه، لكن ’حماس’ ليست هي المسؤولة عني، أنت المسؤول عني..  إنكم تتظاهرون بأنكم تتحدثون عن التقرير، لكن ما من أحد هنا تحدّث فعلاً عن التقدير، لم يتحدث أحد عن كيفية إصلاح العيوب التي كشفها التقرير، لقد كان كل شيء بمثابة مسرحية كبيرة مخصصة لعدسات الكاميرات.. لقد أنيطت بالتقرير مهمة هي حماية نتنياهو، وتلبية أوامره. الموجودون هنا، جميعهم، في مسرحية كبيرة.. وبدلاً من إدارة الدولة، أو الاهتمام بنا، قمنا بدفع الثمن، ونحن لسنا الوحيدين، هناك الكثيرات مثلي، وسيكون هناك أكثر منا في المستقبل".
  • سيتعين على لجنة التحقيق التي ستحقق في أكبر إخفاق إسرائيلي منذ قيام الدولة، العودة عشرة أعوام إلى الوراء لكي تفهم كيف حدث أن مسؤولي المستويَين السياسي والعسكري، الذين كانوا يعلمون جيداً بخطة "حماس" الكبرى، تركوا "حماس" تنفّذها. هذا الإخفاق يصبح واضحاً أكثر، في ضوء أن هناك في شعبة الاستخبارات العسكرية مَن حذّروا من أن "حماس" لم تتخلّ عن مخططها، وأنها تعمل على تنفيذه بصورة سرية. "لقد كان الافتراض السائد في الجيش أن الفئران تتدرب لإسقاط الفيل"، حسبما صرّح مصدر أمني رفيع سابق لـ"هآرتس". "لم تنكر القيادة الأمنية المعلومات المرتكزة على المناورات والتحضيرات الخاصة بـ"حماس"، لكنهم أقنعوا أنفسهم بأن مثل هذا السيناريو غير منطقي". وأضاف مصدر آخر وقال "لو كانوا [الجيش الإسرائيلي] جاهزين بصورة لائقة لمثل هذا الاحتمال لكانت تمت إبادة قوة النخبة بأسرها، ولكانت غزة هي التي تعيش أيام حداد، لا نحن".
  • إن حالة العمى التي أصابت المنظومات الاستخباراتية، وهذا الاندفاع الأحمق الذي قامت به حكومة الفضائح في اتجاه الانقلاب القضائي، والافتراض أن "حماس مردوعة"، هذا كله أدى إلى وقوع كارثة كنا نعلم مسبقاً باحتمال وقوعها.
 

المزيد ضمن العدد