رواية "حماس"بشأن أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر- سمات ومغاز
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- نشرت "حماس"، بتاريخ 21/1/2024، وثيقة باللغة الإنكليزية تحت عنوان "روايتنا: عملية طوفان الأقصى"، لقد قامت قيادة الخارج التابعة لـ"حماس" بإصدار هذه الوثيقة ونشرها، ومن غير الواضح بعد، ما إذا كانت صيغتها منسقة مع قيادة التنظيم في غزة، أو ما إذا كانت تتحدث باسمها، وهي مكتوبة بلغة إنكليزية مُحكمة، ومقسمة إلى خمسة فصول:
- الفصل الأول: يوضح أسباب إطلاق الهجوم ، ويضعه في سياق النضال الوطني الفلسطيني ضد مظالم الإمبريالية والاستعمار العالمي عموماً، والصهيوني خصوصاً، مع إغفال الحقائق التي لا تخدم السردية. من المهم هنا الإشارة إلى أن اختيار كاتبي الوثيقة مصطلح "رواية" يعني إعفاءهم من مسؤولية عرض الحقيقة، فالرواية، أو السردية، لا يجب أن تكون موثّقة بالوقائع التاريخية.
- يتطرق الفصل الثاني إلى اتهام "حماس" بارتكاب "مجازر".
- ويركز الفصل الثالث على ضرورة التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل خلال الحرب في غزة، ودعوة دول العالم عموماً، ودول العالم الحر الساعي للسلام خصوصاً،إلى العمل ضد إسرائيل، وتدفيعها ثمن جرائمها، وفرض القيود عليها، والتوقف عن دعمها.
- في الفصل الرابع، تقدم "حماس" نفسها بأنها حركة وطنية دينية معتدلة ومناصرة للسلام، تقود الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الاستقلال، وتدعو إلى استخدام كافة الوسائل ضد الاحتلال والحرمان والظلم، بما في ذلك الكفاح المسلح.
- تعرض "حماس" في الفصل الأخير، التلخيصي، سلسلة الخطوات التي ترى أنه من الضروري اتخاذها لإنهاء الحرب، وضمان العدالة التاريخية للشعب الفلسطيني.
- هذه الوثيقة هي وثيقة سردية كما أعلن مَن صاغها، وهي مليئة بالتشبيهات والمعطيات الكاذبة، أو نصف الصحيحة، غير الموضوعة في سياقها التاريخي، مع إحالات على مصادر دينية، أو أحكام الشريعة الإسلامية، من دون أن يُذكر فيها انتساب "حماس" إلى جماعة الإخوان. كما لا تشمل الوثيقة تصور "حماس" لنفسها، بصفتها في طليعة الكفاح المسلح للشعب الفلسطيني فحسب، بل أيضاً بصفتها رأس حربة الأمة الإسلامية على طريق إعادة قيام الخلافة الإسلامية، التي ستبدأ بالقضاء على إسرائيل وتحرير المسجد الأقصى. في هذا السياق، علينا أن نذكر خطاب هنية، بعد الهجوم، أمام جمهور من علماء الشريعة، عندما عرض عقيدة "حماس" الأيديولوجية، وأوضح أسباب إطلاق "حماس"الهجوم، بصفتها رأس حربة الأمة الإسلامية جمعاء.
- لا تأتي الوثيقة أيضاً على ذِكر أي إشارة إلى ميثاق "حماس" وطموحها إلى تدمير إسرائيل، ورفضها الاعتراف باتفاقيات أوسلو، أو حق إسرائيل في الوجود، ورفضها التاريخي والمستمر لقبول شروط الرباعية الدولية الثلاث، التي وُضعت كشرط للحوار معها: الاعتراف بالاتفاقيات الموقّعة (الاتفاقيات المرحلية)، الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والتنصل من "الإرهاب". وقد أوضح خالد مشعل، مؤخراً، في مقابلة أجراها معه مدوّن عربي، بصورة قطعية، أن روح "حماس" الحقيقية، وهي غير الروح الموجهة إلى أغراض دعائية، كما جرى في الوثيقة، وأن موقفها الذي يعبّر عن الموقف الجمعي الفلسطيني، ويشمل ذلك مواقف قيادات سياسية فلسطينية تضطر، لأسباب سياسية، إلى استخدام صيغ أُخرى، هو عدم الاعتراف قط بحق إسرائيل في الوجود، وأنها تسعى لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ومن رأس الناقورة حتى أم الرشراش.
- بما أن سردية "حماس"، كما وردت في الوثيقة، هي فعلاً سردية الإجماع الوطني الفلسطيني الواسع، وخصوصاً بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، الذي يُعد تاريخاً مؤسساً في الوعي الوطني الفلسطيني، لأنه يرمز إلى إهانة إسرائيل، وإثبات إمكان تحقيق إيذائها مع تحطيم عقيدتها الدفاعية، وتهشيم تفوّقها العسكري. فمن الواضح أن الجمهور الذي تستهدفه الوثيقة الأخيرة هو المجتمع الدولي، في حين يبدو أن توقيت نشرها مرتبط أيضاً بتاريخ انعقاد محكمة العدل الدولية في لاهاي.
- بناءً على ما تقدم، تحمل الوثيقة طابعاً اعتذارياً. والغرض منها هو محاولة تقليل الأضرار التي لحقت بـ"حماس" على الساحة الدولية، وبناءً عليه، يمكن فهم صدور الوثيقة أنه تعبير عن الضائقة التي تعانيها الحركة، وردة فعل على فقدانها شرعيتها، في نظر قيادة المجتمع الدولي. كما أنه يمكن فهم هذه الوثيقة بأنها محاولة لقيادة الخارج في "حماس"، للتمايز من الذراع العسكرية في القطاع، إذ تقدّم هذه القيادة نفسها بأنها غير متورطة بصورة مباشرة بما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومن المرجح أن يتبنى البعض الوثيقة ويردد محتواها، مع تجنُّب، أو حتى رفض مواجهة الحقائق التاريخية، سعياً منهم لانتقاد إسرائيل، أو معاداتها.
- من ناحية أُخرى، يجب النظر إلى هذه وثيقة على أنها منتج فائق الجودة للجهد الإعلامي الذي تديره "حماس"، غير المنفصل عن صراعها مع إسرائيل. وحتى لو تم العثور على تصريحات ضمنية وتغمز من قناة السلطة الفلسطينية وتتحداها في الوثيقة ، حيث تقدم "حماس" نفسها ممثلاً للشعب الفلسطيني ونضالاته، وتعبّر عن الإجماع الوطني. إلا إن سردية "حماس" تسعى "للركوب" على السردية الوطنية الفلسطينية، من خلال توسيعها والعودة إلى مصادر تاريخية بعيدة لم تعد حاضرة بصورة مهمة في الخطاب الوطني الفلسطيني المعاصر. إذ عادت "حماس" في وثيقتها عبر الزمن إلى 105 أعوام، بهدف ترسيخ رواية الضحايا والظلم والنهب والقتل التاريخي، طبعاً، من دون إفقاد سردية اللجوء [1948] أهميتها.
- هناك نسخة بالعربية من هذه الوثيقة، ويجب الافتراض أن هناك جهوداً لنشرها في جميع المنصات الممكنة، مع التركيز على قناة الجزيرة التي تصل إلى كل بيت عربي في الإقليم، والتي ستنضم إلى جهود نشر الرسالة، كما اعتادت، على مدار السنوات، نشر كل ما يتعلق بـ"حماس".
- هذه الوثيقة مصاغة كما لو كانت عملاً فنياً، في كل ما يتعلق بخلط الوقائع وأنصاف الوقائع، مع المعطيات الضعيفة والاستنتاجات السخيفة. مثلاً، هناك المعطى المتعلق بمقتل 136 طفلاً في المعدل على يد الجيش الإسرائيلي في غزة يومياً، معنى هذا أن 14 ألفاً من ضمن مجمل القتلى في غزة هم من الأطفال. في حين أن مجمل القتلى، بحسب تقارير "حماس" نفسها، بلغ نحو 25 ألفاً، وتشمل هذه الإحصائية ما يزيد عن 9000 من ناشطي "حماس" المصنفين كمدنيين. من ناحية أُخرى، ولأسباب واضحة، تغيب عن الوثيقة الشهادات التي تشير إلى جرائم "حماس" المرتكبة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وتُبرز جهدها المبذول، لكي تظهر كمنظمة مقاوِمة شرعية، تعمل من أجل قضية التحرير الوطني الفلسطيني من ظلم الكيان الصهيوني. إن روح هذه الوثيقة ليست سوى تعبير مكثف عن التناقض الظاهري، على غرار "نحن منظمة ’إرهابية’ تسعى لتحقيق السلام"......