بالنسبة إلى المشاركين في مؤتمر الترانسفير، لا يزال السابع من تشرين الأول/أكتوبر إثباتاً أن الخلاص لا يزال قائماً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • يبدو أن كل ما يريده الإسرائيليون، الآن، هو أن يفرحوا. هذا منطقي، بعد مرور نحو أربعة أشهر على الحرب، وهذا منطقي، في الوقت الذي لا تزال فيه صدمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر حاضرة في حياة كثيرين منهم، وهذا منطقي أيضاً بعد كل هذه المصائب المهولة التي انصبت على رؤوسهم، إنهم بحاجة إلى قليل من الفرح. وهكذا، تجمّع يوم أمس في قاعة "مباني الأمة" في القدس نحو خمسة آلاف إسرائيلي (بحسب تقديرات المنظمين)، وهم يهللون فرحاً، ويرقصون ويغنون. قبل صعود المتحدثين إلى منصة الخطابة، تم بث عرض تقديمي على الشاشة العملاقة تحت عنوان "في هذه الأيام، يقاتل جنودنا بتوق من أجل إعادة الاستيطان اليهودي إلى قطاع غزة. نحن سنعود"، وها هي رؤاهم تتحقق: فشعب إسرائيل على وشك العودة إلى استيطان بلدات "غوش قطيف" مجدداً.
  • قبل بدء المؤتمر، تم عرض مخطط بناء 6 مستوطنات جديدة على امتداد قطاع غزة، بما فيها مستوطنة ستقام على أطلال مدينة غزة. وقد تم فعلاً اختيار أسماء للنوى الاستيطانية التي سيتم بناؤها: "عوز حاييم"؛ "حيسد لألفيم"؛ "يشاي"؛ "معوز". أمّا العرض التقديمي فقد تم صوغه بمصطلحات أمنية - واقعية: "وحده الاستيطان يحقق الأمن". إن كل ما يرغب فيه هؤلاء هو إعادة الأمن إلى دولة إسرائيل عبر مشروع استيطاني كلاسيكي. إلا أنه يتّضح للمرء، من اللحظة التي يصعد فيها أول المتحدثين إلى المنصة، أن ما يُخطَّط له أكبر بكثير.
  • تم استدعاء الحاخام عوزي شرباف إلى المنصة، وهو عضو المجمع الاستيطاني في الخليل. قلائل ممن حضروا المؤتمر كانوا قد وُلدواعندما  تم الحكم على شرباف بالسجن المؤبد سنة 1985، نتيجة دوره الرئيسي في التنظيم السري اليهودي الذي نفّذ هجمات إرهابية ضد فلسطينيين في الضفة الغربية. لقد رأى شرباف وأصدقاؤه أنهم ملتزمون العمل بصورة مستقلة من أجل حماية اليهود في المستوطنات.
  • أمّا الآن، بعد مرور أربعة عقود على ذلك، بات شرباف يشعر بأن الدولة كلها صارت معه. "في أعقاب المجزرة التي حدثت في عيد سمحات توراة، لم يعد يكفينا تغيير تصوّرنا، بل علينا أن نتقدم خطوة كشعب، وأن نعمّق تصوّرنا الروحاني المتمثل في تقدير أرض إسرائيل. علينا أن نتقدم خطوة على رؤيا الدكتور هرتسل الذي عرّف دولة إسرائيل بأنها ملجأ آمن للشعب اليهودي، إذ يدرك الجميع اليوم أن هذه الدولة لن تتمكن من الصمود بمفردها".
  • تتسّق كلمات شرباف مع كلمات الحاخام أبراهام كوك، الواردة في الرسالة التي كتبها لرؤساء حركة "همزراحي" الصهيونية في سنة 1913. "إن الأمة بأسرها، مع كل ما تنطوي عليه من عظمة وحصانة روحانية، ومع كل ما في روحها من نور، لن تتمكن بأي طريقة من أن تحصر آمالها في الكعكة الصغيرة المتمثلة في حلم د. هرتسل، مع احترامي لكل ما في الرجل من جمال وشجاعة". هذا الاقتباس يعرفه كلّ مَن درس تعاليم الحاخام كوك المسيحانية، وهو يشير إلى المرحلة المقبلة من الصهيونية، تلك التي جاءت بعد الصهيونية العلمانية، "عندما يصحو مخلص الشعوب، شبل الأسد يهودا، من نومه الطويل، ويعود لإحياء ميراثه وتطبيق شريعته".
  • هذا ليس مجرد فعل أمني واستيطاني، بل إن ما يجري هنا تغيير جوهري تاريخي في سيرورة خلاص شعب إسرائيل. ابتداءً من الآن، حسبما قال أحد المتحدثين في المؤتمر، وهو رئيس مجلس مستوطنة كريات أربع، إلياهو ليبمان، الذي تم اختطاف ابنه إلياكيم إلى القطاع :"لا يمكننا أن نحيا سوى مع إيماننا بالله. إن الزعماء الذين لا يذكرون اسم الرب في خطاباتهم، ولا يتحدثون عن حقه في بسط شرعه على البلاد، هم زعماء مرحلة انقضت، هي مرحلة ما قبل مجزرة عيد سمحات توراة".
  • قدمت مضيفة الحفل ليبمان بأنه مَن يكمل درب كيلف بن يفونيه، الذي كان واحداً من الجواسيس الـ 12 الذين أرسلهم النبي موسى لاستكشاف البلاد، ورفض الانضمام إلى الآخرين الذين كانوا يخافون من احتلال البلاد. مقدمة الحفل لا تذكر أسماء عائلات بقية المخطوفين، وتحدثت أيضاً عن "أصوات الضعف" التي يقف ليبمان قبالتها [أصوات عائلات الأسرى الإسرائيليين المطالِبة بصفقة مع "حماس"]. لم تأتِ بقية المتحدثين في المؤتمر على ذِكر المخطوفين، بمن فيهم الوزراء بن غفير وسموتريتش وحاييم كاتس. أمّا زعيمة منظمة "نحلاة" دانييلا فايس، وهي إحدى منظِّمات المؤتمر، فقالت أنه "يُحظر التفاوض مع "حماس" بشأن حياة المخطوفين، وهي متأكدة من أنه يمكن إنقاذهم من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع".
  • هذا المؤتمر، هو مؤتمر الذين يختارون أقوال الله كسياسة عمل. يقتبس ليبمان ومتحدثون آخرون هذه الآية من الكتاب المقدس: "والآن في أعين كل إسرائيل محفل الرب، وفي سماع إلهنا، احفظوا واطلبوا جميع وصايا الرب إلهكم لكي ترثوا الأرض الجيدة وتورّثوها لأولادكم بعدكم إلى الأبد." ما من بديل من توريث الأرض، أي التهجير، أو بحسب أقوال بن غفير الذي يتم استقباله في الحفل كما لو كان "سوبر ستار": "تشجيع الهجرة وتنفيذ عقوبة الإعدام بحق ’المخربين’". إن رسالة هذا المؤتمر واضحة: لا يجب فقط إعادة المستوطنات إلى القطاع، بل يجب تنفيذ التهجير الجماعي، الترانسفير، والإبادة الجماعية باسم الرب. لا أحد هنا يكترث حقاً لمحكمة العدل الدولية في لاهاي. لا توجد شرائع دولية، ليس هناك من شريعة سوى شريعة الرب.
  • وبينما يرقص الشباب في الممرات، وهم يغنون "اخدموا الرب بفرح"، يتحدث المتحدثون الأكبر سناً عن كفاحهم في شبابهم ضد عملية أوسلو، وضد الانفصال عن غزة. يهتف رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة، يوسي داغان، فيكرر وراءه المجتمعون 3 مرات "اتفاقية أوسلو ماتت، شعب إسرائيل حي"، أمّا فايس، فتُعلن أن" السابع من تشرين قد غيّر التاريخ إلى الأبد".

رأب الصدع

  • مثّلت اتفاقيات أوسلو وفك الارتباط عن المستوطنات أزمة في معتقدات التيار الديني الصهيوني، فكيف يمكن لقادة يهود التخلي عن مناطق من أرض إسرائيل. هل من المقبول الانسحاب في أثناء عملية الخلاص؟ بالنسبة إلى كثيرين ممن حضروا هذا المؤتمر، يُعتبر السابع من تشرين الأول/أكتوبر الإثبات أن الخلاص لا يزال موجوداً. لقد قام الله بقلب التاريخ، رأساً على عقب، أمام أعيننا، وما من أحد سوى العلمانيين العميان غير قادر على رؤية ما يحدث. لكن شعب إسرائيل سيعود الآن إلى قطاع غزة. هذا، على الأقل، ما قاله المتحدثون في المؤتمر. ولم يتطرق أحد إلى كونهم يمثلون أقلية من الشعب الإسرائيلي.
  • هؤلاء لا يمثلون حتى أغلبية اليمين الإسرائيلي. فبحسب استطلاع أجراه "معهد دراسات الشعب اليهودي"، فإن 26% من اليهود في إسرائيل يؤيدون فرض السيادة الكاملة على قطاع غزة، وإعادة بلدات "غوش قطيف". نحو الثلث ممن صوتوا لحزب الليكود خلال الانتخابات الماضية يؤيد ذلك. وفي مؤتمر مباني الأمة أمس، حضر عناصر التيار الصهيوني الديني، وبحسب أسلوب ملابس هؤلاء، وبحسب قلنسواتهم الدينية، فإن الذين حضروا كانوا بصورة أساسية من أبناء شبيبة من التيار المسياني الحريدي - القومي. إن عدداً كبيراً من الباصات التي اصطفت أمام القاعة، كانت تتبع المدارس الدينية الثانوية. أمّا الحضور من العلمانيين وأبناء التيار الحريدي، فقد كانوا يُعدّون على أصابع اليد الواحدة، ومن ضمنهم وزير الإسكان غولدكنوبف، ووزير الزراعة حاييم كاتس.
  • إن هذا المؤتمر الذي عُقد في مباني الأمة، كان بمثابة إصبع في عين أغلبية المجتمع الإسرائيلي الذي يؤيد الحرب ضد "حماس" ويقدم التضحيات فيها، من أجل استعادة المخطوفين، وهو غير معنيّ بتجديد الاستيطان اليهودي في غزة، بل إن المؤتمر حرّض ضد نتنياهو ومقولته غير الحازمة "إن الاستيطان في غزة أمر غير واقعي".
  • كان هذا المؤتمر أيضاً بمثابة دعوة لنا جميعاً لكي نستيقظ. وفي حين أن بقية الساسة في إسرائيل ترتدع عن تقديم موقف واضح بشأن استراتيجيا إسرائيل إزاء "اليوم التالي للحرب"، فإن بتسلئيل سموتريتش وبن غفير وكتائبهم يملكون، منذ الآن، تصوراً واضحاً في هذا الشأن، بل إنهم صرّحوا بأن هناك ما يزيد عن 500 عائلة سُجلت، بحسب منظّمي المؤتمر، للسكن في النوى الاستيطانية الست الأولى في القطاع. صحيح أن هؤلاء أقلية، لكن طلائع المستوطنين الذين وصلوا إلى فندق بارك في الخليل، في إحدى الليالي، قبل نحو 56 عاماً، كانت أقلية أيضاً، بل أقل ممن سُجلوا في المؤتمر. هذه الأقلية تقبض اليوم على مفاصل أساسية في الحكومة، وعلى المستقبل السياسي لنتنياهو.
  • الآن، بات من الواضح أن إسرائيل تخوض 3 حروب في وقت واحد: ففي حين أن أغلبية المجتمع الإسرائيلي تخوض الحرب "الأصلية" و"الرسمية" الهادفة إلى القضاء على "حماس" واستعادة المخطوفين، فإن التيار المسياني يخوض حربه المقدسة من أجل طرد الأغيار من البلد، وتوطين اليهود في القطاع ، في إطار مخطط الخلاص الذي سيؤدي إلى قيام دولة قائمة على الإيمان؛ أمّا نتنياهو، فهو يخوض حرب بقائه السياسي.وبفضل حرب نتنياهو الشخصية، يملك الخلاصيون المسيانيون اليوم فرصة للانتصار في حربهم.