صورة الوضع في ساحات القتال: قضية دخول رفح، والترتيبات الأمنية الجديدة في الشمال
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
- إنه اليوم الـ122 لحرب "السيوف الحديدية"، وتدور في الجبهة الغزّية معارك كثيفة، ذات مميزات مختلفة عن بقية الجبهات. وقد تم تفكيك 4 ألوية من مجموع 5 تابعة لـ "حماس"، وقد كانت فاعلة قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولا يزال لواء رفح فاعلاً. ومن مجموع 24 كتيبة، تم تفكيك 20، ولا تزال هناك 4 كتائب فاعلة، بينها كتيبتان في رفح، وأُخريان في جنوب القطاع. وبالنسبة إلى الجيش، فإن حسم المعركة أمام أي كتيبة أو لواء يعني أنه تم تفكيكه.
- وبحسب التقديرات المحدّثة، فإنه لم يتبق في شمال القطاع إلاّ 6000 مقاتل فعّال تابع لـ"حماس" والجهاد الإسلامي، أغلبيتهم من النواة الصلبة للمنظمتَين، ويتحركون كمجموعات صغيرة، أساساً، وعبر إطلاق قذائف الـRPG والقصف، وشن حرب شوارع ضد قوات الجيش الموجودة في المنطقة.
- وبحسب التقديرات، فإنه لا يزال لدى "حماس" نحو 1000 صاروخ وقذيفة، بالإضافة إلى منصات إطلاق لا تزال تحت الأرض، لذلك، فإنه من الصعب كشفها. ولأن أغلبية الأطر التي كانت مسؤولة عنها تم تفكيكها، فقد انخفضت وتيرة القصف كثيراً على إسرائيل.
- أمّا في شمال القطاع، فإن الجيش انتقل من مرحلة تفكيك المجموعات القتالية إلى مرحلة تطهير الميدان من الخلايا والمجموعات التي تقاتل في إطار حرب العصابات، وفي الوقت نفسه، أباد بنى تحتية لصناعة الصواريخ والأدوات القتالية الأُخرى التي كُشفت. والتطهير يحدث عبر اقتحامات تقوم بها مجموعات عسكرية داخل المناطق والأحياء التي لا تزال فيها مجموعات تدير حرب العصابات. وأحياناً، يكون المقصود اقتحامات تنفذها قوات بحجم كتيبة، كما حدث في مخيم الشاطئ، الذي بات مركز المقاومة التابع لـ"حماس".
- والقتال في إطار حرب العصابات يؤدي إلى استسلام كثير من "المخربين" الذين يتم أخذهم إلى التحقيقات، وتساهم المعلومات الاستخباراتية التي يتم استخراجها منهم في كشف الأنفاق، ومخازن القذائف ومنصات الإطلاق المطمورة تحت الأرض، فعلى سبيل المثال، تمت، في الأيام الماضية، ملاحقة خلية تابعة للجهاد الإسلامي، ولم يكن الهدف فقط الوصول إلى "المخربين"، بل أيضاً إلى ما لديهم. وفي حالات أُخرى، لا يزال هناك عشرات، وحتى أكثر من 100 "مخرب"، يجتمعون حول ضابط محلي ذي رتبة منخفضة، ويشاركون في القتال ضد الجيش في مواجهة الكتيبة 401 في مخيم الشاطئ، أو كتائب سلاح البرّية التي تعمل في مركز القطاع وشماله.
- ولا تزال "حماس" تحاول رسْم صورة سيطرة مدنية في القطاع عبر أفراد الشرطة الذين يخرجون إلى الشوارع ويعتقلون اللصوص، أو الضباط الذين يوزعون المساعدات. وعلى الرغم من ذلك، فإن من يعمل إلى جانبهم هم جهات محلية مدنية، بغض النظر عن قربهم من "حماس". كما أنهم يسيطرون أيضاً على جزء من المساعدات، وبالتالي على السكان، وهو ما ينشئ نوعاً من "الترتيبات الجديدة"، بسبب امتناع الكابينيت الإسرائيلي من نقاش اليوم التالي، وهي ترتيبات تقوم على أساس الأحياء والبلديات في شمال القطاع ووسطه، وهو ما يسمح لـ "حماس" بادعاء أن الجيش لم ينجح في تفكيك سلطتها المدنية.
- إن الأوضاع مشابهة أيضاً في منطقة خان يونس، إذ اقترب القتال الكثيف هناك من تفكيك قوات "حماس". وفي المقابل، فإن الحركة تسيطر عسكرياً ومدنياً في رفح، وتشير التقديرات إلى أنه طالما لم يسيطر الجيش على المدينة، فإن الحركة لن تفقد الأمل في الاستمرار والسيطرة في القطاع، والجيش لن يدخل رفح حتى تكون هناك تفاهمات مع المصريين بشأن اليوم التالي.
قريباً: مرحلة التطهير في خان يونس
- إن الجيش يفعّل الآن في القطاع 6 كتائب؛ 4 في قيادة اللواء 98 في منطقة خان يونس، وكتيبتين في شمال القطاع ومركزه، وكل كتيبة هي عملياً طاقم قتالي يدمج الوحدات البرية بالمدفعية والوحدات الهندسية. هذا بالإضافة إلى أن كل الوحدات الخاصة في الجيش تعمل في القطاع، إذ إن المهمات المركزية التي تقوم بها هي التحقيق ورصد الأنفاق والمواقع تحت الأرض، وأيضاً جمع المعلومات الاستخباراتية من أجل القتال فوق الأرض، والمكان الوحيد الذي لم يسيطر عليه الجيش بعد عملياتياً هو منطقة رفح.
- إن القتال، بحسب 3 مصادر أمنية كبيرة، يشكّل ضغطاً كبيراً على يحيى السنوار، وما ينقص هو الخطوة السياسية الختامية التي من شأنها أن تنزع السيطرة المدنية من "حماس" من أجل التنسيق مع مصر كي يكون دخول رفح ممكناً، وهو ما يخطط له الجيش في الوقت القريب أو البعيد.
- ويؤثر القرار بشأن اليوم التالي بصورة غير مباشرة في استعداد السنوار للموافقة على صفقة تبادُل أسرى، وطالما لا تزال رفح في يديه بالكامل، ولا يزال لديه، هو وشركاؤه من قيادة "حماس" الكبيرة، القدرة على إيجاد ملجأ، فسيستمر في تبنّي نهج متصلب في المفاوضات. وبحسب مصادر ذات ثقة، فإن السنوار والقيادة الغزّية هم من يقررون، وليس أعضاء المكتب السياسي في الخارج. وبحسب المصادر نفسها، فإن القتال في منطقة خان يونس، الذي يدور فوق الأرض وتحتها ويؤدي إلى تفكيك الأنفاق، يؤثر بصورة كبيرة في قراراتهم.
في الشمال: بين التفاهمات والمناورة
- على الجبهة الشمالية، هناك تبادُل لإطلاق النار، وفي إطاره، يفعّل حزب الله بكثافة الصواريخ المضادة للدروع الطويلة والقصيرة المدى، من أجل إلحاق الضرر بالبلدات والمدنيين. وبحسب تصريحات زعماء التنظيم، فإن هذا يحدث كرد على الضربات التي ينفذها سلاح الجو على أهداف في القرى الشيعية في جنوب لبنان، وما لا يقوله حزب الله هو أن قواته تنسحب إلى القرى، وتعمل من داخلها، لأن مواقعهم في المناطق المفتوحة تم قصفها من جانب الجيش، ومنها مواقع المراقبة ومنظومات إطلاق النار.
- ويوجد لدى حزب الله أكثر من 200 قتيل، وهو الطرف الأضعف في معارك النار في مقابل الجيش، وإنجازه الأساسي هو تهجير نحو 80,000 من سكان الجليل من منازلهم، ولا يستطيعون العودة. أمّا في الجانب اللبناني، فقد هرب نحو 130,000 من سكان القرى الشيعية إلى مناطق شمال نهر الليطاني، حيث لا يعمل الجيش حتى الآن. والسكان الإسرائيليون الذين تم إجلاؤهم من البلدات الملاصقة للحدود مع لبنان يمارسون ضغوطاً كبيرة على الحكومة والكابينيت من أجل العودة، لكنهم يشترطون العودة ضمن وضع أمني جديد، في إطاره، لا يعيشون تحت تهديد اختراق البلدات، والنيران المباشرة من مواقع قريبة تعمل ضدهم.
- ويتواجد الآن في إسرائيل المبعوث الأميركي إلى لبنان، عاموس هوكشتاين، وهو يقترح تفاهمات سياسية تتضمن 3 مركّبات: الأول هو انسحاب مسلحي حزب الله والنيران الثقيلة الخاصة بهم، وضمنها الصواريخ والقذائف، إلى شمال الليطاني، والثاني عبارة عن ترتيبات حدودية في 13 نقطة يطالب بها حزب الله، أمّا الثالث، فهو ترتيبات سياسية تسمح بانتخاب رئيس لبناني مقبول من جانب حزب الله ومقرب منه. لكن لا يوجد رئيس الآن في لبنان، والحكومة ومن يقف على رأسها هم أعضاء موقتون، ومن دون رئيس وحكومة ثابتة، لا يمكن التوصّل إلى تفاهمات، وذلك لأن توقيع اتفاق رسمي يجب أن يكون مع دولة سيادية، لا مع تنظيم.
- وحالياً، يستغل الجيش التفوق الجوي والاستخباراتي الخاص به، ليس فقط من أجل إحباط خلايا إطلاق الصواريخ المضادة للدروع، بل أيضاً من أجل الاستمرار في تفكيك البنى العسكرية الفاعلة والمركزية لدى حزب الله، عبر استعمال سلاح الجو والمدفعية والقوات الهندسية، وهو ما يدفعها إلى شمال الليطاني، وذلك قبل أن تقرر إسرائيل ما إذا كانت ستقبل الترتيبات السياسية أم ستخرج إلى الحرب.
- وهناك تقديرات في إسرائيل، فحواها أن نتائج القتال في غزة هي ما سيؤثر في حسن نصر الله والمسؤولين الإيرانيين عنه، وقرارهم بشأن قبولهم ترتيبات سياسية من الوسطاء الأميركيين والسعوديين والمصريين والقطريين والفرنسيين أو عدمه. لكن السؤال هنا: كيف ستعمل إسرائيل في حال تم التوصل إلى صفقة تبادل رهائن مع "حماس"، وأوقف حزب الله إطلاق النار؟ في هذه الحالة، سيضغط الأميركيون على إسرائيل لوقف النار، وذلك من أجل منح هامش للدبلوماسية للوصول إلى ترتيبات جديدة في جنوب لبنان، إلاّ إن وزير الدفاع يوآف غالانت يضغط للاستمرار في الضربات، وذلك لأنه إذا تم اتخاذ القرار بالمناورة البرّية، فإن الجيش لن يواجه مقاومة جدية.
- إن نسبة التوصّل إلى اتفاق في جنوب لبنان، يتضمن إبعاد قوات حزب الله إلى مسافة تزيد على 10 كيلومترات من الحدود، الآن هي 50%، فالطرفان يحاولان الامتناع من مواجهة وضع سيكون فيه على إسرائيل أن تناور برياً داخل جنوب لبنان لإبعاد حزب الله بنفسها، وفي الوقت نفسه، فإن قيادة المنطقة الشمالية تقوم بكل التحضيرات لذلك، وإذا لم يتم التوصُل إلى ترتيبات سياسية، فمن الممكن أن يحدث ذلك خلال أسابيع أو أشهر قريبة.
الضفة الغربية: حالياً، البركان لا يزال تحت السيطرة
- ما يحدث في الضفة الغربية هو انتفاضة بوتيرة منخفضة، وليست كاملة، لأن أغلبية المجتمع في الضفة وشرق القدس لا تزال خارج دائرة الانتفاض والعنف، لكن يمكن القول إنها في حالة انتفاض جزئية، وذلك جرّاء وجود مواقع ومجموعات "إرهابية" كثيرة تحاول تنفيذ عمليات، والوضع الاقتصادي الصعب يؤثر في ذلك، وينضم عدد أكبر وأكبر من الشباب العاطل عن العمل إلى المجموعات "الإرهابية" - أو يدعمونها - وخصوصاً في مخيمات جنين وطولكرم ومنطقة بيت لحم ونابلس.
- إن الانتشار الواسع لمواقع "الإرهاب" هو أحد مؤشرات الانتفاضة، وكذلك الأمر، فإن وقف تمويل الأونروا، وأساساً، منع العمال من دخول إسرائيل، بالإضافة إلى وقف أموال السلطة الفلسطينية، كلّها أمور تجعل الوضع الاقتصادي صعباً جداً، وتعزز حالة التصعيد في الضفة.
- إن الجيش ينجح، حتى الآن، في منع الانفجار الشامل غير المسيطَر عليه لهذا البركان، عبر عمليات هجومية مستمرة، وضمنها تفعيل مسيّرات، وأحياناً مروحيات، من أجل إلحاق الضرر بالتنظيمات والعمليات، وإحباط "الإرهاب" وهو في مرحلة الترتيبات. وهذا هو السبب وراء قلّة عدد العمليات بالسلاح والمتفجرات نسبياً، وأغلبية العمليات التي تحدث هي عمليات دهس أو طعن أو رمي بالحجارة، وهي واسعة.
- ويمكن القول إن هذه "انتفاضة محصورة"، ولا تزال خارج المناطق الإسرائيلية بفضل جهود الجيش و"الشاباك". وأحد الأمور التي تدفع إلى التصعيد هو السلوك الاستفزازي لليهود سكان الضفة، وأساساً، الشبان الذين يحاولون فرض القانون بيدهم، وبذلك يلحقون الضرر بشرعية إسرائيل للدفاع عن نفسها، ويدفعون الفلسطينيين إلى دائرة "الإرهاب"، كما أن تصريحات الوزراء إيتمار بن غفير وأوريت ستروك وغيرهم من السياسيين اليمينيين تقوم بالمهمة نفسها.