كل شيء إلاّ الفوضى؛ بين حكم عسكري إسرائيلي في غزة والمبادرة الأميركية توقيت مصيري لاتخاذ القرارات
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف
  • وصلت الحرب مع "حماس" إلى انعطافة استراتيجية، إذ من الممكن أن تستمر بصورة حرب استنزاف طويلة الأمد لإضعاف "حماس"، ويمكن أن تمثّل قاعدة من أجل إنشاء تغيير إقليمي واسع النطاق، واختيار أحد الإمكانين، يتعلق بنا وحدنا.
  • على الرغم من عدم اكتمال الإنجاز العسكري التكتيكي الإسرائيلي، فإنه يشكّل فرصة استراتيجية للتوصل إلى اتفاق إقليمي شامل. وتشير التلميحات، التي يتم تناقُلها مؤخراً، إلى أن هناك مبادرة إقليمية واسعة النطاق ستُعرض على إسرائيل قريباً.
  • ومن المرجّح أن تتضمن مبادرة كهذه العناصر التالية: إطلاق سراح الرهائن في مقابل وقف إطلاق النار والإفراج عن أسرى فلسطينيين، والموافقة السعودية على تسوية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في إطار معاهدة سلام (أو تطبيع)، والموافقة الإسرائيلية على عودة السلطة إلى غزة، بصورة ما، بدلاً من "حماس"، وموافقة أميركية على حلف دفاع أميركي - سعودي يشمل أيضاً الموافقة على مصنع لتخصيب اليورانيوم للأغراض المدنية على الأراضي السعودية، إلى جانب صفقة سلاح ضخمة.
  • وهذه الخطوة الممكنة تمثّل تهديداً كبيراً لإيران؛ إذ إن التحالف الدفاعي السعودي الأميركي وحصول السعودية على سلاح متطور، إلى جانب تحقُق البرنامج النووي السعودي، يُعَدان تهديداً خطِراً لإيران. وتقلل خطوة شاملة كهذه من نفوذ الصين في الشرق الأوسط، وتستأنف المبادرة لإقامة محور البنية التحتية الأميركية الممتد من الهند حتى ميناء حيفا.
  • وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن هذا يمثّل، عملياً، انتهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وفرصة اقتصادية هائلة، وذلك طبعاً إلى جانب تحقيق جميع أهداف الحرب (يتمثّل الشرط لكل صفقة من هذا النوع في استعادة المختطفين، وإنهاء سيطرة "حماس" على غزة، وإنهاء التهديد العسكري لـ "حماس" بواسطة الجيش الإسرائيلي).

 المعضلة: إمّا الصفقة وإمّا عودة "حماس"

  • إن أحد الأمور الأكثر حساسية في هذه المبادرة الأميركية، من ناحية إسرائيل، هو عودة السلطة إلى غزة، ومطالبة الإدارة الأميركية بالتزام إسرائيل حل الدولتين، حتى ولو كان التزاماً ضبابياً.
  • وينبغي هنا تأكيد أن هذه ليست مجرد مشكلة سياسية داخلية، فالجمهور الإسرائيلي، من دون علاقة بمواقفه السياسية، غاضب وحانق، ولم تتبدد هذه المشاعر، على الرغم من جميع النجاحات المتحققة في ميدان المعارك، والثمن الباهظ الذي دفعته غزة حتى الآن. ويظهر هذا الغضب في عدة أوجه، منها استطلاع القناة 12 الذي نُشر مؤخراً، والذي يظهِر أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي يعارض إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ما دام المختطفون لا يزالون في قبضة "حماس"، بالإضافة إلى المشاعر التي يمكن أن تثيرها صفقة تشمل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من العيار الثقيل، في أوساط كثيرين من الإسرائيليين، وفي الخلاصة، فإن هناك رفضاً مطلقاً ومفهوماً لمنح الفلسطينيين أي نوع من الإنجازات.
  • وعلى ضوء هذا كله، فإن المعضلة في نهاية المطاف تتعلق بضرورة الاختيار بين البدائل؛ فالفوضى القائمة الآن في غزة (وتلافي الحسم في الاختيار بين البدائل المطروحة أعلاه) يعني أمراً واحداً، وهو عودة "حماس"، وذلك لأن الواقع القائم غير مقبول، ولأننا غير مستعدين للعيش إلى جانب سلطة "حماس"، إذاً، فإن علينا أن نضع عنواناً سلطوياً مدنياً بديلاً في غزة، وبعد الانتهاء من كتائب "حماس" المتبقية، فإن على الجيش الإسرائيلي الانسحاب، في أي حال، من القطاع، وخصوصاً إذا تم تنفيذ صفقة تبادُل، ومن شأن تنفيذ صفقة من دون توفُر إطار إقليمي يمكن أن يُبقي سلطة "حماس" على حالها، بل أيضاً يقويها، وذلك لأن الشارع الفلسطيني سينظر إلى هذه المنظمة على أنها الجهة التي تمكنت من هزيمة إسرائيل عسكرياً، ناهيك بكونها هي التي ستتولى أمر توزيع الغذاء على السكان، فضلاً عن أنها هي التي تمكنت من "استعادة الكرامة العربية" عبر إخلاء سجون إسرائيل من الأسرى.
  • في ظل غياب البدائل، يمكن أن نقوم بترك "حماس" على حالها، وسنظل نعيش في ظل مشاعر الإحباط نتيجة الإفراج عن سجناء فلسطينيين من العيار الثقيل، وبناءً عليه، فإن المبادرة الأميركية هي أفضل بعشرات المرات من أي صفقة مقلصة، سلبياتها أكثر من إيجابياتها.

حرب استنزاف ضد "حماس"

  • ما الذي يمكننا فعله، إذاً، مع الإشكالية المتمثلة في السلطة الفلسطينية؟ علينا أن نعلم أن السلطة الفلسطينية ليست مؤسسة صهيونية داعمة لإسرائيل، فلديها مشكلات خطِرة، وهي تخوض نضالاً سياسياً وقانونياً ضد إسرائيل، لكنها، في المقابل، تتحمل مسؤولياتها الأمنية تجاه إسرائيل في المنطقة التي تسيطر عليها. وعلينا أن نتذكر أن هذه السلطة هي ذات الهيئة التي وصفها وزير الأمن الإسرائيلي مؤخراً بكنز مهم للأمن القومي الإسرائيلي. صحيح أن الوزير قد أطلق تصريحه هذا متطرقاً إلى الضفة الغربية، لكن علينا أن نعلم أن هذه السلطة (المحسّنة، بعد خضوعها لإصلاحات) هي التي ستكون في غزة، فإذا كانت جيدة بما يكفي لحكم الضفة الغربية، فهي على ما يبدو ستكون أفضل من "حماس" لحكم القطاع.
  • إن مغزى الحكم العسكري في قطاع غزة هو وجود دائم للجيش الإسرائيلي بحجم كبير جداً ولوقت طويل، وستكون لذلك تداعيات سلبية في الساحة الدولية، وإزاء الدعم الأميركي للحرب، كما سيؤثر في الاقتصاد الإسرائيلي جرّاء توسيع تجنيد الاحتياط في الجيش والاحتكاكات الدائمة مع السكان الفلسطينيين.
  • وإذا كان الحكم العسكري غير مطروح، ولم نوافق على المبادرة الأميركية، فيمكن أن نتسبب بهذا لأنفسنا بهزيمة سياسية، وربما نستمر في الانتصار التكتيكي في المعارك، لكننا سنغرق في حرب استنزاف لا نهاية لها في مواجهة "حماس". إن المبادرة الأميركية ستتبدد مع بداية الصيف، ودخول معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية، والأمر سواء، في حال جرى انتخاب رئيس آخر، أو تم تجديد ولاية رئاسية جديدة لبايدن، فليس هناك ما يضمن إمكان العودة بالأمور إلى الوراء.