الإنجازات التكتيكية في القطاع مذهلة، لكن من دون هدف سياسي، فإنها ستبقى رمزية فقط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • سجلت إسرائيل مؤخراً سلسلة نجاحات تكتيكية في حربها ضد "حماس" وحزب الله. وفي عملية مثيرة للإعجاب في رفح، أنقذ مقاتلو "يمام" [وحدة التدخل السريع لمحاربة "الإرهاب"] مخطوفَين اثنين، وقتلوا حراسهما. وفي خان يونس، يبدو أن قوات الجيش الإسرائيلي و"الشاباك" تقترب من المكان الذي يختبىء فيه السنوار. كما تقلصت القدرة على إطلاق الصواريخ من القطاع بصورة كبيرة، وفي جنوب لبنان، يتكبد حزب الله كثيراً من الخسائر البشرية والدمار في بنيته التحتية العسكرية في مقابل كل صلية صواريخ مضادة للدروع يطلقها على الجليل. وتعكس هذه الإنجازات تحسناً بارزاً في تعلُّم الدروس، بعد مرور أكثر من 4 أشهر من القتال. وتنشغل وسائل الإعلام الإسرائيلية كثيراً بموضوع الإرهاق والاستنزاف لدى الوحدات العسكرية في الجيش، لكن يجب ألاّ نتجاهل الضغط الهائل الذي نمارسه على العدو في الشمال والجنوب. ومع ذلك، فإن المشكلة المركزية لا تزال هي نفسها؛ عدم النجاح، أو الأحرى أن نقول: عدم محاولة ترجمة هذه الإنجازات الكثيرة إلى نتائج استراتيجية.
  • عندما يَعِدُ نتنياهو الإسرائيليين بـ"النصر المطلق" على "حماس"، فإن هذا لا يشكّل هدفاً استراتيجياً، إنما يشكّل كلاماً سياسياً. وبعد نشوب الحرب، لم يتعهد الجيش بالانتصار على "حماس" خلال أشهر معدودة، إنما عرض على الحكومة والكابينيت خطة مدتها سنة للمراحل الأساسية للمعركة ضد الحركة، حتى إلحاق أضرار جسيمة بقدراتها العسكرية. وفي هذا الأسبوع، قال رئيس الأركان، هرتسي هليفي، في ختام جولة قام بها على القطاع: "لا يزال هناك طريق أمامنا"، وفي الجيش، يعترفون بأن التحدي يتطلب كثيراً من الوقت، لكن لدى رئيس الحكومة اعتبارات أُخرى.
  • وهذه الاعتبارات تخدم أساساً أغراضاً داخلية. ومن أجل توحيد قاعدته السياسية حول جهوده للبقاء... يحاول نتنياهو الآن التلويح بالعملية ضد رفح، التي وافق عليها على الرغم من المجازفة الكبيرة التي تنطوي عليها، كخطوة ترسم طريقاً جديداً، وكبديل لصفقة مع "حماس" تتضمن وقفاً طويلاً لإطلاق النار وتحرير عدة أسرى. وهذا أمر غير صحيح؛ فالمؤسسة الأمنية في حاجة إلى عدة أسابيع من أجل القيام بعملية الإنقاذ، ومن المعقول أن "حماس" تعلمت الدروس بشأن حراسة الأسرى الباقين، ومع مرور الوقت، لا يمكننا انتظار حدوث معجزات.
  • يقول نتنياهو إن "حماس" توشك على الانهيار، وإذا استخدمنا الضغط المطلوب في خان يونس، وقريباً في رفح، فإن قيادة الحركة ستنهار، وسيكون في الإمكان التوصل إلى صفقة أفضل. وفي الواقع، ستمر أسابيع كثيرة حتى دخول الجيش إلى رفح، إذا حدث ذلك أصلاً، لأن هذا الأمر يتطلب استعدادات متواصلة، بالإضافة إلى عملية طويلة لإجلاء السكان الفلسطينيين. والضغط العسكري هو عامل مهم، لكن ثمة شك في إمكان تركيع "حماس" الآن، كما أن الوقت لا يعمل لمصلحة إسرائيل، إنما يعمل ضدها؛ فالمخطوفون يموتون في كل أسبوع في الأسر، وعدد الأشخاص الذين يمكن إنقاذهم يقل.
  • وفي هذا الأسبوع كانت طريقة التصرف في المفاوضات في قضية المخطوفين مشينة؛ فبعد إرسال رؤساء الأجهزة الأمنية إلى قمة باريس، تراجع رئيس الحكومة عن الخطوط العريضة التي جرى التوصل إليها مع الولايات المتحدة وقطر ومصر، وشن حملة إعلامية لإقناع الجمهور بأن التنازلات التي تضمنتها الصفقة غير مقبولة، وعملت أبواقه ساعات طويلة في شن هجمة تشهيرية ضد عائلات المخطوفين.
  • إن قرار التشدد في المواقف في المفاوضات أمر مشروع، لكن ثمة شك في أن نتنياهو يسعى لصفقة قريبة للمخطوفين، لأنها يمكن أن تعقد علاقاته بشركائه من اليمين المتطرف. وفي هذا الأسبوع، أرسل إلى اجتماع القاهرة رئيس الموساد، ديفيد برنياع، برفقة ممثل عن نتنياهو، مع طلب الامتناع من تقديم اقتراحات إسرائيلية. وعندما حاول الأميركيون الدعوة إلى اجتماع آخر في اليوم التالي، تخلى نتنياهو عنه.
  • كما استبعد من اللقاءَين الاستشاريَين بشأن المحادثات أعضاء من كابينيت الحرب، وزيرَي المعسكر الرسمي، بني غانتس وغادي أيزنكوت، وفهم اللواء في الاحتياط، نيتسان آلون، منسق الأسرى والمفقودين في الجيش، كيف هي الأجواء، فببساطة لم يحضر. صحيح أن "حماس" تقدّم مطالب مستحيلة، لكن نتنياهو أيضاً لا يبدي أي مرونة، بعكس مواقف غانتس وأيزنكوت، والجدير بالذكر أن الأخير يرى المماطلة في موضوع المخطوفين ربما تكون القشة التي ستكسر ظهر البعير، ويريد الإسراع في استقالته من الحكومة.
  • أمام صورة الحرب في القطاع قبل شهر من بدء شهر رمضان، يصعُب أن نصدق ادعاء رئيس الحكومة ووزير الدفاع، أن سلسلة الإنجازات ستنتهي بهزيمة "حماس"، على الأقل ليس في وقت قريب. إن نتنياهو يرفض أي عملية سياسية، ويتجاهل توصيات رؤساء المؤسسة الأمنية (والتي يشارك فيها غالانت) بشأن الإسراع في تسوية "اليوم التالي"، على الأقل في شمال القطاع، إذ فكك الجيش كتائب "حماس"، وقلّص من قدرة المقاومة الفلسطينية.
  • إن التهديدات المتكررة بشأن غزو رفح تضغط على الولايات المتحدة وعلى الدول العربية، لكنها تبدو الآن بعيدة المنال. وفي ذروة الحرب، عملت في القطاع 5 فرق عسكرية، وحالياً، يوجد هناك الربع (7 ألوية). والآن تقريباً، كل وحدات الاحتياط جرى تسريحها، وتستعد الوحدات النظامية للحلول مكان قوات الاحتياط على الحدود مع لبنان، وليس هذا هو حجم القوات الذي يضمن انتصاراً سريعاً في القطاع. لذلك، فليس من المستغرب أن يتوجه الاهتمام الإسرائيلي نحو البحث عن إنجازات رمزية في المقام الأول، كإطلاق سراح عدد قليل من المخطوفين أو اغتيال السنوار.