ليس "النصر الكامل"، بل الخضوع الكامل لأوهام المسيانيين سيؤدي إلى كثير من الدماء
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الهدف الأهم بالنسبة إلى الثنائي بن غفير وبتسلئيل سموتريتش هو ليس احتلال قطاع غزة. حتى الاستيطان في أرجاء غزة المدمرة، ليس هو الهدف الأعلى لهذه المجموعة المهووسة المسيانية التي سيطرت على الحكم في دولة إسرائيل. غزة هي المقدمة، وهي بمثابة النموذج الذي تريد هذه المجموعة أن تبني عليه المعركة الحقيقية التي يتطلعون إليها. المعركة ستكون على الضفة الغربية و حرم المسجد الأقصى.
- الهدف النهائي لهذه المجموعة هو تطهير الضفة الغربية من سكانها الفلسطينيين، وإخلاء المسجد الأقصى من المصلين المسلمين، وضمّ المناطق إلى دولة إسرائيل. الطريق إلى تحقيق هذا الهدف مليئة بالدماء. دماء إسرائيلية داخل الدولة، وفي المناطق التي تسيطر عليها منذ حوالي 57 عاماً، ودماء يهودية في كثير من الأماكن في العالم. طبعاً، بالإضافة إلى كثير من الدماء الفلسطينية في الضفة والقدس، وإذا كان لا يوجد حل آخر- في أوساط العرب في إسرائيل أيضاً. لا يمكن تحقيق هذا الهدف من دون مواجهة عنيفة واسعة جداً. أرماغدون. حرب كبرى، في الجنوب والقدس والضفة الغربية، وأيضاً في الحدود الشمالية، إذا تطلبت الحاجة.
- حرب كهذه ستقوّي الاعتقاد أننا نقاتل من أجل حياتنا ووجودنا. وفي الحرب الوجودية، يمكن القيام بكثير من الأمور التي لا تُحتمل، وشبيبة التلال تثبت، يوماً تلو الآخر، أنها تشمل أشخاصاً يمكنهم القيام بذلك. مجموعة المجانين هذه نجحت في الانتصار في المرحلة الأولى، تحضيراً للفوضى والحرب الشاملة التي يريدونها، كما يبدو هنا. لقد سيطروا على حكومة إسرائيل وحولوا رئيسها إلى خادم لهم. إمكانية أن يُسقطوا الحكومة، وطرد رئيسها ومنعه من إدارة شؤون الدولة، ليست فكرة مجنونة. هذا المسار يحدث في هذه الأيام، المرحلة تلو الأُخرى.
- في البدء، قرر بن غفير وسموتريتش التضحية بالرهائن من أجل منع نهاية ناجحة للحملة العسكرية التي حققت، حتى الآن، أهدافاً لافتة للجيش، ولو كان الثمن كبيراً. من الواضح أننا بعيدون عن "النصر الكامل". انتصار كهذا غير ممكن. حتى لو استمرت المعركة عدة أشهر، فإن الثمن الذي ندفعه لا يستحق " رؤيا" انتصار لا يمكن أن يتحقق فعلاً.
- استمرار المعركة العسكرية، الآن، سيدفع بالجيش إلى داخل رفح- وهذا ما يتمنونه. خطوة كهذه ستضع اتفاق السلام مع مصر أمام خطر حقيقي وفوري. لا شك في أن مصر والأردن والإمارات، وأيضاً السلطة الفلسطينية والسعودية، يتمنون تفكيك "حماس". إلّا إن مصر تعرف جيداً أنه يوجد احتمال كبير لأن يؤدي استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية إلى نهوض "الإخوان المسلمين". مصر رأت جيداً كيف أن النظام المصري الذي فرض نفسه عبر قبضته العسكرية الحاسمة، ومنع الجهات الأصولية المتطرفة من النهوض، لم يكن ليصمد أمام تظاهرات مئات الآلاف في ميدان التحرير في القاهرة. وحدها الجهود الكبيرة، بدعم هادئ من المجتمع الدولي، هي ما سمح لجهات معتدلة، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالسيطرة على الحكم في مصر، وبقيادتها بصفتها قوة سياسية وعسكرية تساعد على الدفع بالاستقرار في الشرق الأوسط.
- لن يخاطر السيسي والقيادة العسكرية بجعل الأمور تتدحرج إلى حالة فوضى، سيكون من الصعب الخروج منها. استمرار المعركة العسكرية في رفح، حيث يتجمع أكثر من مليون فلسطيني، سيكون هو الفتيل الذي يشعل الشوارع في مصر، وبعدها، في الأردن أيضاً- دولة أُخرى، علاقتها مع إسرائيل ضرورية لأمننا.
- قبل أن تتدحرج الأمور، سنكون أمام مجموعة من الدول العربية المعتدلة التي ستفقد ثقتها بالقدرة على خلق علاقات تستند إلى التعاون مع إسرائيل.
- حتى الولايات المتحدة أيضاً- الحليفة التي تجندت بشكل لافت لمساعدة إسرائيل خلال أزمة غير مسبوقة، عندما كانت الحكومة في حالة صدمة، وفقد رئيسها قدرته على اتخاذ القرارات وشعوره بالمسؤولية- ستتخذ خطوات تقوّض قدرة إسرائيل على الاستمرار في إدارة المعركتين، العسكرية والسياسية، واستقرارها الاقتصادي.
- في ظل هذه السيناريوهات، قرر بنيامين نتنياهو إشعال المسجد الأقصى. عندما تبدأ المواجهات من أجل حرية العبادة للمواطنين المسلمين في إسرائيل والفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس- ستندلع موجة إرهاب واسعة. المخاطر كبيرة بسبب القرار، وبصورة خاصة في ظل الإحساس بالمسؤولية والتضامن اللذين أبداهما المواطنون العرب في إسرائيل، حين كانت دولتهم في حالة أزمة. وبدلاً من احترام تضامُن المجتمع العربي، يقوم نتنياهو وبن غفير باستفزازهم والتحريض ضدهم. كل إنسان عاقل يرى هذه الدينامية التي لا يمكن منعها. بن غفير وسموتريتش ومعهم الآلاف من شبيبة التلال العنيفين في الضفة، الذين ما زالوا يسيطرون على ضبط النفس حتى الآن، يفهمون هذا.
- لا يمكن شرح ما يقومون به إلا من خلال فهم أن هذا ما يريدونه. هذا ما يتمنونه. وعندما تندلع موجة "الإرهاب"، سيشرح لنا هؤلاء المسيانيون أنه يجب كبح "الإرهاب". وهكذا ستندلع الحرب في كافة مناطق الضفة الغربية.
- هذا من دون الحديث عن الحدود الشمالية. يمكن أن نحاول التوصل إلى تفاهمات مع لبنان بشأن قضايا الحدود، وهذا يمكن أن يؤدي إلى وقف إطلاق النار التي دفعت بعشرات آلاف الإسرائيليين إلى ترك منازلهم. ومن خلال الإدارة الصحيحة والمضبوطة، من دون تصريحات وتهديدات لا تتوقف، يمكن خلق معادلة تسمح لحزب الله بأن يقدم ما يشبه إنجازاً، عبر حل نزاع مستمر منذ سنوات بشأن بعض النقاط على الحدود، وأن يبرر بذلك انسحابه إلى خط الليطاني. وهو ما سيسمح لإسرائيل بإعادة الشعور بالأمان إلى سكان الجليل وإعادتهم إلى منازلهم 17 عاماً إضافية من الهدوء، كما جرى بعد حرب لبنان الثانية.
- إلّا إن بن غفير وسموتريتش لا يريدان تهدئة الحدود الشمالية. الحرب هناك ستعزز ادّعاءهما أنه لا يوجد حل إلّا بإبادة كل الأعداء، في كل الجبهات وكل المناطق- وبغض النظر عن ثمن هذه المواجهة. رئيس الحكومة يعرف أن الأمور تتدحرج بسبب الخضوع المطلق للمجموعة المجنونة التي تسيطر على حكومته. يرى، ويفهم، لكنه يستمر في التعاون.
- في نهاية المطاف (ومن الممكن في بدايته أيضاً)، فإن نتنياهو مستعد للتنازل عن الرهائن وزعزعة اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، على الرغم من أنها الركيزة الجوهرية للأمن في دولة إسرائيل. إنه مستعد لزعزعة العلاقات مع الولايات المتحدة، إلى درجة أزمة علنية مع الرئيس الأكثر التزاماً بأمن إسرائيل في التاريخ، جو بايدن. نتنياهو يفهم أن استمرار هذا المسار المغامر للأمور، سيؤدي إلى عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي كما لم نعرفها سابقاً.
وعلى الرغم من صعوبة الظروف، فإنه لا مهرب من القول: يا نتنياهو، هذا سينتهي بكثير من الدماء. انظر، لقد حذّرتك.