الولايات المتحدة تسعى لصفقة قبل حلول رمضان، لكن السنوار يتصرف كأنه يرغب في التصعيد
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • مع اقتراب حلول شهر رمضان مطلع الأسبوع المقبل، تركز الإدارة الأميركية جهودها الأخيرة للتوصل إلى صفقة تباُدل ووقف لإطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" في القطاع. يوم أمس (الثلاثاء)، بايدن رمى الكرة في ملعب "حماس". إذ قال للصحافيين إن إسرائيل ردّت بالإيجاب على الخطوط العريضة التي اقترحها كلٌّ من الولايات المتحدة ومصر وقطر، وأن التوصل إلى صفقة يعتمد الآن على رد إيجابي من المنظمة الفلسطينية. "سنعرف خلال الأيام المقبلة"، حسبما صرّح بايدن، على الرغم من أنه يمكننا التوصل إلى صفقة بعد بدء رمضان أيضاً. وحذّر من تردّي الأوضاع "بصورة خطِرة للغاية"، إذا ما استمرت المعارك في القطاع خلال الشهر.
  • عندما يتحدث بايدن عن "حماس"، فهو يقصد زعيم الحركة في القطاع يحيى السنوار بصورة أساسية. إن العلاقة بين السنوار والعالم الخارجي منقطعة، مع فترات غياب طويلة، وهي تعتمد على الرسائل التي يتم نقلها من مكانه السري في القطاع إلى قيادة "حماس" في الخارج. لقد باءت جميع الجهود التي بذلتها إسرائيل للوصول إلى السنوار بالفشل حتى اللحظة، لكن الجيش وجهاز الشاباك يواصلان مطاردته، على أمل العثور عليه، إمّا في خان يونس، وإمّا في رفح.
  • على مدار الأيام الأخيرة، وعلى خلفية المواقف المتشددة التي تُظهرها "حماس" في المفاوضات، وتباطؤها في تقديم الإجابات، ازدادت الشكوك لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية في أن السنوار غيّر رأيه. وبالاستناد إلى أحد التقديرات، بات السنوار الآن أقل اهتماماً بالصفقة، ويحاول الدفع في اتجاه خطوة بديلة، وهي التصعيد الإقليمي مع بداية شهر رمضان.
  • عندما شنت "حماس" هجومها المباغت في 7/10، كان السنوار يعتمد على أن شركاءه في المحور، أي حزب الله، وإيران إلى حد ما، سينضمان إليه لمهاجمة إسرائيل. لكن خطته لم تتحقق. صحيح أن حزب الله، الذي تفترض إسرائيل أنه لم يكن شريكاً مسبقاً فيما قامت به "حماس"، وفي اختيار توقيته، فتح جبهة إضافية مع إسرائيل، لكن تصعيده كان محسوباً، وحرص على عدم تحوّله إلى حرب شاملة.
  • أمّا الآن، وبسبب الخصائص الدينية لشهر رمضان، بات من المحتمل أن يكون السنوار عقد آماله على إمكان إطلاق جهد آخر يشعل اللهيب في القدس والضفة الغربية، وربما يؤدي أيضاً إلى تظاهرات حاشدة في الدول العربية القريبة. يبدو الأمر مراهنة كبيرة، تابعة للمراهنة التي قامت بها "حماس" في 7/10.
  • لكن السنوار يحصل، في هذا الجانب، على مساعدة معينة من الجانب الإسرائيلي أيضاً، متمثلة بالاستفزازات التي يقوم بها وزير الأمن القومي بن غفير، والذي يسعى لتأجيج الأجواء حول الحرم القدسي، ويحاول فرض قيود على صلوات المسلمين خلال رمضان. لقد أعلن نتنياهو يوم أمس، بعد أن بدا في البداية أنه تجاوب مع ضغوط بن غفير، أنه لن تُفرض قيود على صلاة العرب من المواطنين الإسرائيليين في المسجد. وعلى الرغم من ذلك، فمن شأن بن غفير إثارة الأجواء بكل سهولة من خلال زياراته وتصريحاته بالقرب من المسجد الأقصى خلال الشهر.
  • على ما يبدو، سنعرف ما الذي يريده السنوار قريباً. من المحتمل أنه سيضطر، أكثر من السابق، إلى النظر في حاجات السكان المدنيين في القطاع، إلى جانب الضغوط التي تمارسها الدول الوسيطة. لقد أظهرت قيادة "حماس" حتى الآن، والتي يختبئ معظم أفرادها في الأنفاق، لا مبالاة فادحة بمصائر المدنيين، الذين يكافحون للبحث عن الطعام، ويتعرضون لقصف إسرائيل. لكن امتداد الأزمة حتى رمضان، في الوقت الذي تحذر المنظمات الدولية من انتشار الجوع الحقيقي في القطاع، من شأنه أن يؤثر أيضاً في اعتبارات "حماس".
  • فعلاً، التغيير الذي أصاب موقف الولايات المتحدة، أصبح واضحاً الآن. فعلى مدار الأيام الأخيرة، منذ حادثة مقتل أكثر من 100 غزّي خلال تحلّقهم حول قافلة إغاثة (وبعضهم أصيب بنيران إسرائيلية)، بات هناك ارتفاع واضح في عدد قوافل الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية إلى القطاع. يقوم الأميركيون أيضاً بإسقاط المساعدات على القطاع كل يوم، في حين أكد أمس كلٌّ من بايدن، ووزير خارجيته، وناطقين آخرين باسم الإدارة، الحاجة إلى زيادة المساعدات. "لا توجد أعذار"، قال الرئيس الذي دعا إسرائيل إلى السماح بإدخال مزيد من المساعدات.
  • الكارثة الإنسانية المتصاعدة في القطاع يجب أن تسترعي مزيداً من انتباه القيادة الأمنية في إسرائيل. يبدو أن بعض المسؤولين يتعامل مع المسألة كأنها مهمات تقتصر على منسق أعمال الحكومة في المناطق [الحاكم العسكري الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية]، ويرغبون في ألّا يزعجهم أحد خلال مواصلتهم الحرب. أمّا على المستوى السياسي، فهناك مَن يتفاخر بصور الدمار والمعاناة في القطاع، ويرى فيها عقوبة لائقة على "المجزرة". لا يمثل الأمر موقفاً إشكالياً من الناحية الأخلاقية فقط، بل يمثل قصر نظر استراتيجياً.

المقترح المطروح على لبنان

  • خلال الأيام الماضية، زار مبعوث بايدن عاموس هوكشتاين كلاً من بيروت والقدس، في إطار محاولة أميركية أُخرى للتوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله. يبدو أن هوكشتاين نفسه يعرف أن هدفه لن يتحقق فوراً. من الواضح جداً أن أي تقدُّم في اتجاه استعادة الهدوء على الحدود اللبنانية، يعتمد أولاً، وقبل كل شيء، على إعلان وقف إطلاق النار في القطاع، ولو موقتاً.
  • يوم الإثنين الماضي، قُتل عامل هندي بصاروخ مضاد للدبابات، وأصيب سبعة آخرون في موشاف "مرغليت" بالقرب من الحدود. يمثل إطلاق مضادات الدروع التهديد الأساسي لمنطقة الحدود، في حين أن معظم الصواريخ والمسيّرات الانتحارية التي يطلقها حزب الله يعترضها سلاح الجو، أو تخطئ أهدافها.
  • أدخلت المنظمة الشيعية إلى المعركة صواريخ مضادة للدروع ذات آماد أبعد، تتراوح ما بين 8 و10 كلم. هذه الصواريخ شديدة الدقة، وبعضها مزود بقدرة توجيه متطورة. أمّا مداها القاتل، فيجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي توفير الحماية للحدود من داخل الأراضي الإسرائيلية، ويترك البلدات القريبة من الحدود خالية، ويحول دون عودة سكانها إلى منازلهم، بعكس العودة المكثفة، نسبياً، لسكان "غلاف غزة"، إلى بلداتهم.
  • يومياً، يسقط من صفوف حزب الله مقاتلون في المعركة التي يخوضها في مواجهة الجيش، ونسبة الخسائر تميل بصورة واضحة ضد الحزب. إن إسرائيل هي التي تقوم بتوسيع قطاع المعركة عموماً، وصولاً إلى الغارة التي طالت البقاع اللبناني في نهاية شباط/فبراير. ولا يزال الأمين العام للحزب حسن نصر الله مصراً على عدم رفع إصبعه عن الزناد؛ على الرغم من الثمن الذي يدفعه عناصر الحزب (أكثر من 230 قتيلاً حتى الآن)، وعلى الرغم من أن نحو 100.000 من سكان الجنوب اللبناني اضطروا، هم أيضاً، إلى ترك منازلهم.
  • قال هوكشتاين لمحاوريه في المنطقة إن إدارته ترى في المواجهة مع لبنان الخطر الأساسي الذي يهدد أمن الإقليم، وصولاً إلى الخوف من اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط. وتلاحظ واشنطن أن الطرفين يحاولان البقاء في الإطار العام للقواعد غير المعلنة للمواجهة العسكرية، لكنها تخشى مما يحدث نتيجة أخطاء في الحسابات، من شأنها أن تُصعّد بسرعة وتتحول إلى مواجهة شاملة.
  • يعرف الأميركيون جيداً أن هناك داخل إسرائيل وحزب الله مَن يدعون إلى الحرب، بافتراض أن في إمكانهم استغلال الوضع القائم من أجل تحقيق تغيير استراتيجي لمصلحتهم. هذا هو السبب الذي دفع بايدن، في أكثر من مناسبة، إلى التحذير من حرب يرى الأميركيون أنها لن تؤدي إلا إلى الدمار والقتل، ولن تنتهي بالضرورة بالحسم لمصلحة إسرائيل.
  • إذا ما حدثت معجزة، وتم التوصل إلى اتفاقية في القطاع، فإن الحكومة ستبدأ بالعمل ساعات إضافية لتركيز جهودها على لبنان. فمبعوث بايدن سيضع أمام الأطراف مقترحاً، تم صوغه في وثيقة مكتوبة. لا يفصّل الأميركيون ما الذي تشمله الوثيقة، لكن يبدو أن الحديث يدور حول انسحاب قوات الرضوان إلى ما وراء الخط المقدّر لمدى مضادات الدروع، من دون إخراج جميع عناصر حزب الله بصورة تامة من المنطقة، حيث يقطن كثيرون من هؤلاء في القرى المتاخمة للحدود. وسيتم بذل جهد لمنعهم من التنقل بالسلاح، لكن وجودهم في المنطقة لن يُحظر بصورة تامة. سيشمل المقترح الأميركي أيضاً انتشاراً معززاً لقوات تابعة للجيش اللبناني، إلى جانب تعزيز قوات اليونيفيل.
  • فهل سيكون هذا كافياً لإقناع الإسرائيليين بالعودة إلى منازلهم في الشمال بصورة آمنة؟ يأمل الأميركيون بأن يكون الأمر كافياً، وهم يفترضون أن هذا المقترح هو الأفضل الذي يمكن توفيره الآن، إذا ما قورن بسائر البدائل.