خدعة "التحولات العميقة" في المجتمع الحريدي
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • أصدر المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أمس عدد شباط/فبراير 2024 من "الصوت الإسرائيلي"، والذي يتناول قضايا مختلفة. ونظراً إلى أن الشهر الماضي اتسّم بغضب أجزاء واسعة من الجمهور بسبب "قانون التجنيد" وزيادة العبء على المجندين والمجندات، كان من الطبيعي أن يخصَّص أحد الأسئلة لموضوع إعفاء الشباب الحريديين من الخدمة العسكرية. وقد أُجري الاستطلاع في أواخر شباط/فبراير، أي في وقت قريب جداً من إعلان وزير الدفاع أنه لن يطرح قانون التجنيد على التصويت، إذا كانت كتلة المعسكر الرسمي التي يتزعمها بني غانتس لا تتقبله، وهو ما قد يخلق تهديداً لاستقرار الحكومة. وهذا يعني أن الاستطلاع في إجاباته لم يعكس فقط الموقف من خمسة أشهر من الحرب، بل أيضاً الخوف من خسارة الحكومة الأكثر سخاءً، والأفضل بالنسبة إلى الأحزاب الحريدية التي تمثل الجمهور الحريدي.
  • وتثبت النتائج أن 70% من الحريديم الذين شاركوا في الاستطلاع، لا يرون سبباً لتغيير الإعفاء الممنوح لهم، وهو ما يدل على أن الكلام الحاد الصادر عن الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين [يتسحاق يوسف الذي هدد بهجرة جماعية للحريديم من إسرائيل، إذا فُرض عليهم قانون التجنيد الإجباري]، وكذلك الافتتاحية الاستفزازية لصحيفة "يتاد نئمان" [الناطقة بلسان الحريديم الأشكيناز] في الأسبوع الماضي، لم يظهرا فجأة من العدم. وما يجري لا يعبّر عن وجود "قطيعة" بين زعامة "منفى" و"رجال أعمال" وبين السكان الذين يمرون بـ"تطورات عميقة" و"أسرلة".
  • عموماً، تدل أحداث الأيام الأخيرة على أن الحديث عن "تطورات عميقة " و"أسرلة"، والذي انتشر في وسائل الإعلام، ليس فقط على لسان الناطقين والناطقات بلسان القطاع الحريدي، كانت مجرد تمنيات في أحسن الحالات، وألاعيب سياسية في أسوأ الأحوال، الهدف منها تشريع الحلف الذي يعتمد عليه حُكم حزب الليكود بصورة كبيرة. علامات الإعجاب والمقالات والتحليلات التي انتشرت مع صورة الوزير يعقوب ليستمان [من حزب يهدوت هتوراه] وهو يضع إكليلاً من الزهر في ذكرى قتلى الجيش، وصور بعض الشخصيات النافذة بالبزة العسكرية، لا تغيّر شيئاً. لأنه عندما تحين ساعة الحقيقة ويصرخ الجيش انقذونا، يشرح الحريديم له أن جهوده ثانوية، مقارنةً بتعلُّم التوراة.
  • من هنا يُطرح السؤال، عندما يتعلق الأمر بالخدمة في الجيش الإسرائيلي، هل هناك ما يبرر على الإطلاق الكلام عن "تحولات عميقة"؟ وفي الواقع، فإن الأرقام التي ظهرت في الاستطلاع المذكور أعلاه مشابهة للأرقام التي نشرها معهد السياسات للشعب اليهودي في كانون الأول/ديسمبر. كل ما حدث خلال هذه الفترة، هو سقوط العديد من الضحايا في ميدان القتال، والنقاش بشأن تحويل الموارد والميزانيات جرّاء الحرب، لم يغيّر شيئاً، لا في أرقام التجنيد، ولا في خطاب الزعامات الروحية، ولا القيادات السياسية بالتأكيد، ولا في الإعلام التابع للقطاع الحريدي، وكذلك في استطلاعات الرأي. من المحتمل أن تكون "التطورات العميقة"، التي تحدثوا عنها، عميقة جداً في داخل الأرض.
  • وفي الواقع، فإن التطور الذي يحدث في هذه الأيام هو في داخل الصهيونية الدينية عموماً (في القطاع الحريدي، وليس في الحزب الحردلي الذي تزداد الفجوة اتساعاً بينه وبين القطاع الحريدي). ويبدو أن الحرب في غزة أدت إلى أن الأصوات الكثيرة لم تعد مُحرجة إزاء الحريديم، وانتقلت إلى الهجوم، وإلى استخدام صيغ لم تكن تحرج طومي لبيد [1931-2008، زعيم حزب شينوي اليساري العلماني الذي وصف الحريديم بـالطفيليين، وانتقد بشدة إعفاءهم من الخدمة العسكرية] وابنه يائير لبيد. لكن هل هذا يكفي من أجل إنشاء ائتلاف جدي يكون ائتلافاً صهيونياً - وسطياً، بدلاً من ائتلاف يميني-ديني؟ يثبت التاريخ القريب أن كل محاولة جريئة تسعى لوضع تحقيق حاجة حقيقية، مثل المساواة في تحمّل العبء، قبل المصلحة السياسية (حكومة متجانسة) كان عمرها قصيراً، ومريراً وبائساً. وطوبى لمن يعتقد أن الأمر سيكون هذه المرة مختلفاً.