الرهائن أسرى رغبة إسرائيل في صورة نصر مطلق ومطالب "حماس" باتفاق شامل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إليكم تحليل نص الرسالة الاستثنائية التي صدرت عن "الموساد" هذا الأسبوع، وبحسبها، "حماس تتمسك بمواقفها كمن لا يريد صفقة، وتسعى لإشعال المنطقة خلال شهر رمضان على حساب السكان الفلسطينيين في قطاع غزة. ونشدد على أن الحوارات مستمرة بالتعاون مع الوسطاء، في محاولة لتقليص الفجوات والتوصل إلى تفاهمات".
  • وككل رسالة غامضة، فإن جزأيها غير مترابطَين: إذا كانت "حماس" غير معنية بصفقة، فلماذا تجري المفاوضات مع الوسطاء؟ لكن إذا كانت تتصرف فقط "كمن لا يريد صفقة"، فالمقصود تحليل يمكن أن يكون ملائماً أيضاً بالنسبة إلى الطريقة التي يتصرف بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
  • إلا إن الجانب الأدبي لبيان "الموساد" ليس القصة المركزية. فمنذ بداية الاتصالات لتحرير الرهائن، تُجري إسرائيل مفاوضات مزدوجة: مفاوضات علنية، حين تكون بيانات الإعلام موجهة إلى الجمهور الإسرائيلي، والمنافسين السياسيين والشركاء، ويمكن أيضاً أن تكون موجهة إلى الرأي العام الدولي؛ ومفاوضات خفية، وهي المهمة، والتي أدت إلى الصفقة الأولى، ويمكن أن تؤدي إلى الصفقة المقبلة.
  • حتى عندما تُصدر إسرائيل رسالة دراماتيكية على لسان رئيس "الموساد" دافيد بارنيع، فلا يمكنها احتكار الحيز العلني. هذا الحيز مفتوح للاعبين آخرين، مثل "حماس"؛ ورئيس الولايات المتحدة جو بايدن؛ و"المصادر المصرية" المجهولة التي تحولت إلى مصدر ثابت موجّه إلى وسائل الإعلام العربية، لكن مع علم مسبق بأنه سيُنشر أيضاً في الإعلام الإسرائيلي وسيبلور الرأي العام؛ وفي وسائل الإعلام الأميركية التي يمكن أحياناً معرفة مصدر المعلومات التي تصلها، بحسب خريطة المصالح السياسية لمن يسرّب المعلومات.
  • وهكذا، بعد يومين على تحليل "الموساد" لموقف "حماس"، جاء رد الحركة. فنشر رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية مطالب الحركة، وهي أيضاً تحتاج إلى تحليل نصوص. وبحسبه، "إذا توصلنا إلى اتفاق تلتزم، بموجبه، دولة الاحتلال (إسرائيل) بوقف الحرب، وإعادة النازحين إلى منازلهم (من الجنوب إلى الشمال)، والانسحاب من القطاع، فنحن على استعداد (لإجراء الصفقة).
  • هنية يقول بوضوح: إن إسرائيل لم تلتزم بعد أي مطلب من هذه المطالب. وشدد على أنه كان يتواصل مع الوسطاء قبل ساعات من خطابه من أجل معرفة ما إذا كان هناك أي جديد في الموقف الإسرائيلي، مضيفاً: "لكننا لم نحصل على أي التزام بوقف النار، بما معناه أن إسرائيل تريد استعادة الرهائن وتجديد الحرب على شعبنا في قطاع غزة".
  • وبحسب هنية، إن "حماس" تتمسك بأن يكون الاتفاق شاملاً، ويتم تطبيقه على 3 مراحل، ويستند إلى ضمانات دولية تُلزم إسرائيل بتطبيقه. ويجب أن تستجيب مراحل التطبيق لثلاثة مطالب تكون في سلة واحدة: وقف النار، و"ترجمة صمود شعبنا وبطولته إلى إنجازات"؛ "كبح كل الخطط المشبوهة ضد غزة، ما يسمى باليوم التالي". هذا هو الجزء الذي توزع فيه "حماس" مطالب ضبابية، باستثناء وقف إطلاق النار. لم يتضح أي إنجازات تود الحركة التوصل إليها، وما هو المقبول لديها في خطة "اليوم التالي". قضية تحرير الرهائن في مقابل الأسرى، يتم التعامل معها على أنها ثانوية، ويشرح أن "قضية تحرير الأسرى مهمة، لكن على رأس سلّم أولوياتنا الدفاع عن شعبنا ووقف العدوان". إسرائيل لن تستطيع الوصول إلى الرهائن إلا عبر اتفاق، بحسب هنية.
  • من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأقوال تمثل أيضاً مواقف يحيى السنوار الذي يحتجز الرهائن، ومن دون موافقته، لا تستطيع "حماس" الموافقة على شيء. أمس، أشارت الأنباء إلى أن إسرائيل تفحص ما إذا كان مروان عيسى، نائب محمد الضيف، قُتل في ضربة للجيش على مخيم النصيرات للاجئين. إذا تم اغتياله فعلاً، فهذه الضربة جدية لقيادة الحركة العسكرية في غزة، إلا إن إسرائيل ستواجه صعوبات في الدفع قدماً بصفقة رهائن ما دامت لا توجد أي جهة تنظيمية خارج غزة يمكنها أن تأمر بتحريرهم. التخوف الأكبر هو أنه في حال مقتل السنوار نفسه، فإن مصير الرهائن سيقرره مَن يحتجزهم، والذي من غير الواضح كيف سيتصرف. إسرائيل تسعى لصورة نصر على شكل رأس السنوار، ويمكنها أن تبقى من دون عنوان مسؤول عن إدارة المفاوضات، ومن دون رهائن.
  • ما دامت المفاوضات مستمرة، كما أوضح رئيس الموساد بارنيع، فإن المطلوب قرار إسرائيلي بشأن المطالب التي طرحتها "حماس". أما مخطط المراحل الذي يطرحه هنية، فلا يوجد فيه أي تطرُّق مفصّل إلى "خطة باريس"، التي تتضمن مراحل تحرير الرهائن التدريجية في مقابل وقف إطلاق النار وتحرير الأسرى الفلسطينيين. لكن استناداً إلى الطريقة التي يربط فيها هنية بين الشروط، يمكن الاستنتاج أن الحركة تعارض الاتفاقيات الجزئية، حتى لو أدت إلى تحرير الرهائن. ومن هنا، فإن وقف إطلاق النار الموقت لستة أسابيع كما اتُّفق في باريس، في مقابل تحرير عدد متفق عليه من الرهائن والأسرى الفلسطينيين، لا يمكن أن يكون منفصلاً عن الاتفاق الشامل الذي يرى فيه التنظيم إنجازاً جوهرياً.
  • هنا تكمن الفجوة العميقة بين موقف إسرائيل، المعنية باتفاق منفصل لتحرير الرهائن، لكنها ترفض حالياً أي ترتيب طويل المدى، من شأنه أن يتضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار. يبدو أنه على الرغم من ذلك، فإن "حماس" مستعدة لتنفيذ الأجزاء الأُخرى من الاتفاق الشامل الذي سيجري بالتدريج، بشرط حصولها على ضمانات كافية لتطبيقها. وهنا يكمن العائق الجدي الذي تطرحه الحركة منذ بدء المفاوضات: حتى لو وافقت إسرائيل على جميع مطالب الحركة، من غير الواضح أي ضمانات يمكن أن تحصل عليها، ومَن هي الجهات التي ستضمن هذه الضمانات. هل تستطيع مصر، أو حتى الولايات المتحدة، الالتزام باسم إسرائيل؟ هل تصدق "حماس" أن هذه الجهات ستفرض عقوبات على إسرائيل إذا خرقت الاتفاقيات في الوقت الذي تتهم الولايات المتحدة بأنها شريكة كاملة فيما تصفه بجرائم حرب تنفّذها إسرائيل في غزة؟
  • يبدو أن الحديث يدور حول مطالب ذات أهمية سياسية من طرف "حماس"، ويتطرق إلى نية الحركة بناء حزام أمان دولي. في حال لم تستطع الضمانات منع إسرائيل من تجديد القتال بعد وقف النار، فسيتم التعامل معها كمسؤولة عن خرق الاتفاقيات. وعملياً، يبدو أن "حماس" تفترض أنه سيكون من الصعب جداً على إسرائيل خرق اتفاقياتها، حتى من دون ضمانات دولية، ما دامت تحتفظ بعدد من الرهائن، سيكونون الضمان الحقيقي لتنفيذ بقية أجزاء الاتفاق، حتى لو كان أكثر من فترة وقف إطلاق النار الأولية.
  • تصريحات هنية تُطرح على أنها موقف تنظيمي منظم، موحد ومؤسس، ويحاول من خلال طرحها إظهار قناعة عميقة بأن "حماس" تستطيع فرض شروط المفاوضات ونتائجها. وأكثر من ذلك، تريد "حماس" أن ترسل رسالة بأن مستقبل الحركة لا يزال أمامها، وستكون جزءاً لا يتجزأ من القيادة الفلسطينية المستقبلية، والحرب في غزة ستعزز مكانتها.
  • في نهاية تصريحاته، يتطرق هنية إلى خطة "اليوم التالي" التي يطرحها بتفصيل أكثر: المبدأ الناظم هو "وحدة الشعب الفلسطيني، وبناء مؤسساته السياسية والقيادية على أساسات صحيحة وصحية". وبحسبه، هذا سيتم على 3 مستويات: "على صعيد قيادة منظمة التحرير وإعادة بنائها عبر انتخابات تشريعية فلسطينية؛ وعلى صعيد تأليف حكومة وفاق وطني تقوم بتطبيق مهمات محددة ومعرّفة مسبقاً، لفترة من الزمن، حتى إجراء الانتخابات؛ وعلى صعيد بناء مشروع سياسي للشعب الفلسطيني".
  • بحسب هنية، هذا المشروع السياسي يستند إلى "إنهاء الاحتلال الصهيوني على أراضينا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس، وضمنها حق عودة اللاجئين". هذه المبادئ نتفق على أجزاء كبيرة منها مع منظمة التحرير ومسؤولين في "فتح". وهنا، تلمّح "حماس" إلى استعدادها للاكتفاء بفلسطين التي تتضمن الضفة وقطاع غزة والقدس، وليس كامل "مناطق دولة إسرائيل". هذه التصريحات ليست جديدة. هناك تصريحات مشابهة صدرت عن موسى أبو مرزوق وخالد مشعل. إعادة تكرار هذه المطالب الآن هدفه أن يوضح للقيادة الفلسطينية، وبصورة خاصة للرئيس محمود عباس، أن عليه التنازل عن أي حل سياسي لا يشمل "حماس"، كما يتعين عليه عدم طرح تقديم خدمات السلطة من أجل إدارة قطاع غزة، بدلاً من "حماس".