ليس مهماً البتة ما إذا كان مروان عيسى حياً أو ميتاً؛ فالاغتيالات ليست كل شيء
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • منذ أسبوع، والسياسيون والجيش منشغلون بسؤال: هل مروان عيسى حي، أم ميت.  قبل أعوام، كتب أهارون مجيد رواية بعنوان "الحي الميت" - هذا العنوان ملائم للوضع. تارةً، يتم تعريفه بأنه قائد هيئة أركان "حماس"، وتارةً أُخرى، بأنه نائب محمد الضيف، وطوراً بأنه الرقم 3 في القيادة. وفي هذا الوقت، أعلنت الولايات المتحدة يوم الإثنين مساءً أن عيسى قُتل. هل هذا مهم أصلاً، ولماذا؟
  • منذ أعوام، يتصرف الجيش بكرم على صعيد توزيع الرتب على ضباطه، وأيضاً على ضباط "حماس" والجهاد الإسلامي. الإعلام يأخذ هذه التعريفات من دون أي تحفّظ، ويعيد تكرارها كما لو أنها أقوال مقدسة، وليست مجرد أقوال صادرة عن الجيش. في لواء المشاة، على سبيل المثال، يوجد نحو 5000 جندي مسلح ومزود جيداً بأفضل الأسلحة - أفضل ما أنتجته الصناعات الأمنية، ونتاج التطوير والبحث الموجود لدى الولايات المتحدة. لذلك، فإن مَن يوزع رتباً على "الإرهابيين"، بغض النظر عن مكانتهم وكفاءتهم، إلى درجة قادة ألوية وكتائب، فإنه يستخف بالذكاء.
  • كرم الجيش في توزيع الرتب على مَن يغتالهم، يهدف إلى رفع مكانته الذاتية، والهدف هو أن يوضح للجمهور أنه ينجح في حربه ضد التنظيم "الإرهابي"، إلّا إن الواقع أكثر تعقيداً. فالحرب تجعل "حماس" تدفع ثمناً كبيراً، لكن أيضاً الجيش يدفع ثمناً. منذ العملية البرية، سقط 250 مقاتلاً، وهناك الآلاف من المصابين، وهذا قبل الحديث عن المصابين "غير المرئيين" الذين أصيبوا بصدمة ما بعد الحرب، والتي ستظهر أعراضها بعد مضي أشهر على نهاية المعارك، أو أعوام.
  • وكما جرى في حالات سابقة، فإن الجيش استعمل أسلحة بكميات كبيرة خلال الهجوم على مروان عيسى. وبحسب البيانات، وأيضاً التسريبات، فإن الجيش أجّل موعد الضربة عدة مرات، لكي يتأكد من عدم وجود رهائن حوله، وبعدها، أسقط سلاح الجو عشرات القنابل التي يصل وزنها التراكمي إلى نحو 20 طناً. ماذا يمكن أن نتعلم من هذه التسريبات؟ على سبيل المثال، ثبت أن الافتراض القائل إن قيادات "حماس" تختبئ في الأنفاق، وتستخدم الرهائن دروعاً بشرية - غير صحيح. على الأقل في حالة عيسى.
  • أنا على استعداد لأن أقدّر أن الجيش سيصل، عاجلاً أم آجلاً، إلى بقية قيادات "حماس" في القطاع، وبينهم محمد الضيف ويحيى السنوار. حتى إن "الموساد" يمكن أن يحاول اغتيال قياديي "حماس" الذين يعيشون مرتاحين في تركيا وقطر، حسبما أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الموساد ديفيد بارنياع. هل سيؤدي هذا إلى تفكيك "حماس"؟ من الواضح أن الجواب لا. "حماس" حركة لها جذور في المجتمع الفلسطيني في الضفة وغزة والأردن ولبنان وسورية، وأيضاً خارج الشرق الأوسط. اغتيال مسؤول أو آخر في الحركة لن يقتلعها من الجذور.
  • إن أحد الأوهام الإسرائيلية الأكثر انتشاراً، هو الوهم بأن القضية الفلسطينية ستنتهي بقطع الرؤوس؛ حتى إن هناك مَن يفهم هذا داخل أجهزة الأمن. خلال الأعوام العشرة الأخيرة، جرى اغتيال "الإرهابيين" الفلسطينيين، وحسبما يقال، علماء نوويين إيرانيين، لقد أحبّت حكومات إسرائيل وأجهزة الأمن هذه الأداة. لم تنجح محاولات الحكومة، ولا لجنة الخارجية والأمن، وفي الأساس أجهزة الاستخبارات، في وضع عقيدة للاغتيالات. لكن إذا كان يجب وضع قاعدة، فكنت سأقول إن نجاعة اغتيال القيادات تتعلق بحجم التنظيم. فكلما كان التنظيم أصغر، كان القائد أكثر أهميةً وتأثيراً، ولذلك، يكون لاغتياله تأثير كبير. أبرز الأمثلة على ذلك هو اغتيال قائد "الصاعقة" في الريفييرا الفرنسية؛ واغتيال مؤسس الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي في سنة 1995، وكلاهما نُسب إلى الموساد.
  • مبدأ آخر يجب الإشارة إليه، هو أنه يجب أن نتذكر أنه في كل حالة، يكون تأثير الاغتيال محدوداً وقصيراً. حتى إن الاغتيالات الأكبر، مثل اغتيال عماد مغنية في دمشق في سنة 2008، المنسوب إلى عملية مشتركة بين الموساد والـ"سي آي إي"، وأيضاً اغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني في بغداد في سنة 2020 على يد الولايات المتحدة، لم يؤديا إلى تغيير استراتيجي، فما زال حزب الله و"فيلق القدس" يعملان بقوة وتصميم.
  • لذلك، ممنوع أن تكتفي إسرائيل بالاغتيالات. عليها أن تفهم أن الاغتيالات ليست كل شيء، ولا بديل من الاستراتيجيا. فعلى الرغم من الضربات الصعبة التي تلقّتها "حماس"، فإنها لم تستسلم، ولا تزال تقاتل، وتغيّر تكتيكها - من قتال في إطار ميليشيات، إلى طواقم عصابات صغيرة. ينعكس تصميم الحركة في حقيقة أن ناشطيها ينجحون في العودة إلى مناطق ادّعى الجيش في القطاع أنه احتلها و"طهّرها". هذا الأسبوع، عاد جنود الجيش إلى قتال "المخربين" في مستشفى الشفاء، شمال القطاع. يبدو أن هذه الحرب الدامية في غزة ستنتهي من دون صورة نصر. واغتيال مروان عيسى، أو حتى زملائه في قيادة "حماس"، لن يغيّر هذه الحقيقة. الطريقة الوحيدة لإخراج إسرائيل من الوحل الغزي هي خطوة استراتيجية سياسية متعددة الجبهات - محلية في غزة والضفة الغربية، وإقليمية في الشرق الأوسط، ودولية.