آلة نشر السموم تعمل: كلما مرّ الوقت، كلما اتّهم الجمهور الجيش بالإخفاق
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لم تنجح محاولة وزير المال بتسلئيل سموتريتش، تقويض صلاحيات رئيس الأركان في تعيين ضباط من رتبة لواء في القيادة المقبلة، لكن يمكن أن نرى فيها خطوة تهدف إلى الدفع قدماً بضباط من القطاع الذي ينتمي إليه وتحويل الجيش إلى ميليشيات (كما اتهمه وزير الدفاع يوآف غالانت)، وهي أيضاً خطة منهجية للحكومة الفاشلة للتهرب من تحمُّل مسؤولية كارثة 7 أكتوبر، بتحميل الجيش المسؤولية الكاملة.
  • لم يجد نتنياهو أن من الصائب توبيخ سموتريتش وكبح الحملة ضد رئيس الأركان وقيادة الجيش في ذروة الحرب. ولماذا يوبخه؟ فآلة نشر السموم تعمل ساعات إضافية من أجل تحميل الجيش كل المسؤولية وإلقاء اللوم عليه، ومنع سقوط الحكومة، والمحافظة على بقايا صورتها المهشمة.
  • ويبدو أن هذا الجهد يعطي نتائجه، ففي استطلاع أجراه أحد الأحزاب وسط الجمهور اليهودي، طُرح السؤال: من هو الطرف المسؤول عن الإخفاق الذي سمح بهجوم "حماس" في تشرين الأول/أكتوبر؟ 52% من الذين أجابوا عن السؤال، اعتبروا أن الحكومة هي المسؤولة، في مقابل 32% حمّلوا الجيش المسؤولية. وهذا الاستطلاع أُجريَ عدة مرات في الأشهر الأخيرة، والاستطلاع الأخير أُجريَ في شباط/فبراير، وأظهر تقلصاً في الفجوة، إذ قال نحو 47% إن الحكومة هي المسؤولة، و38% اتهموا الجيش. ما زال الجمهور يعتبر أن الحكومة هي المسؤولة الأولى، لكن كلما مرّ الوقت، كلما انتقلت المسؤولية إلى الجيش.
  • لماذا يحدث هذا؟ قبل كل شيء، لأن هذه الحكومة تقوم بتشويه سمعة العسكريين والذين يديرون الحرب، وهؤلاء لا يستطيعون الرد على هجمات المستوى السياسي ضدهم. وحتى الخطاب غير المسبوق للعميد دان غولدفوس، والذي قال فيه: "لن نتهرب من المسؤولية، ونحن نحني رؤوسنا إزاء الفشل المدوّي، لكن يجب أن تكونوا فخورين بنا"، والذي خضع بسببه للتأنيب الشديد من رئيس الأركان، فإنه لم يحمّل المستوى السياسي مسؤولية الكارثة، لكنه طالب بالوحدة فقط.
  • يجري تشويه سمعة الجيش لأن فهم الإخفاقات العسكرية أسهل من فهم الإخفاقات السياسية. فالمسائل العسكرية واضحة: لماذا لم تفهم الاستخبارات المعلومات التي قُدمت لها، ولماذا لم يكن هناك عدد أكبر من الجنود، وغير ذلك. في المقابل، النظرية السياسية التي دفعت نتنياهو إلى تقوية "حماس" طوال سنوات، وإضعاف السلطة، لم تحظَ بالبحث، وجرى الحديث عنها بصورة أقل. وفي الواقع، إن الفشل الأساسي الذي سمح بتعاظُم قوة "حماس" هو تدفُّق المال القطري، بتشجيع من نتنياهو، والسلوك السلبي السياسي حيال مصر، التي يجري عبرها تهريب السلاح إلى القطاع بكميات كبيرة. من دون أنبوب الأوكسيجين هذا، لما كان في إمكان "حماس" خوض هذه المعركة، وارتكاب "المذبحة" في مستوطنات النقب الغربي.
  • الانتظام الصحيح للمستوى السياسي في زمن الحرب يفرض عدم تشويه سمعة المستوى العسكري الذي يخوض القتال، كما أنه يجب على المستوى العسكري عدم انتقاد المستوى السياسي في زمن الحرب والسلم، على حد سواء. وما ذكرناه في المقام الأول لم يحدث، وهذا يُضعف الجيش، ويقلل من لوم المستوى السياسي. هذه هي المعركة بين الحروب التي يخوضها نتنياهو من أجل بقائه، للتهرب من اللوم، ومن المسؤولية، وهو يترك أنصاره وآلة نشر السموم يديرون المعركة على السردية من دون توقف.
  • لهذا السبب أيضاً، هناك مصلحة لنتنياهو في إطالة أمد الحرب وحالة الطوارئ، لأن هذا لا يبقي فقط بني غانتس وغادي أيزنكوت في الحكومة، بل أيضاً يؤخر تشكيل لجنة تحقيق رسمية، ويمنع تحوُّل الاحتجاج ضد الحكومة إلى احتجاج جماهيري أكبر، وينقل اللوم من الحكومة إلى الجيش بالتدريج. صحيح أن غانتس يحمي رئيس الأركان من تهجمات وزراء الليكود واليمين، لكن بقاءه في الحكومة يسمح بحدوث ذلك.