العملية في مستشفى الشفاء كانت الضربة الافتتاحية لـ"حرب السيوف الحديدية الثانية"
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • العملية في مستشفى الشفاء تعكس تحوّل الجيش إلى حرب "السيوف الحديدية الثانية"، وهي الحرب الاستكمالية التي يقوم بها الجيش ضد نهوض "حماس" من جديد في المناطق التي تم احتلالها، ثم الانسحاب منها، وعودة التنظيم "الإرهابي" إليها. "حماس" تقرأ الوضع بشكل جيد. وتفهم أنه في حالة الفراغ التي تركها الجيش خلفه، لم يبق سواها. المسؤولية عن الوضعَين المدني والإنساني تقع على عاتق إسرائيل، والحركة تستطيع الانشغال فقط بإعادة بناء البنى "الإرهابية" والانتقال إلى حرب العصابات ضد الجيش.
  • حرب "السيوف الحديدية الأولى" انتهت في المكان الأخير الذي توقفت فيه، احتلال خانيونس وتحرير أعداد كبيرة جداً من جنود الاحتياط. وبسبب عدم وجود قرار بشأن مصير المناطق المحتلة، انتقل الجيش إلى مرحلة بات يتمسك فيها بنقاط مركزية في الميدان فقط، ويقوم باقتحامات محددة في مواقع تجدد "حماس" قوتها فيها.
  • يجب الإشارة إلى أن اقتحام الجيش لمستشفى الشفاء تبين أنه ذو أهمية كبيرة، وذلك بسبب اعتقال عدد كبير جداً من القيادات، وهو ما يطرح أسئلة عن طريقة عملنا في البداية، إذ كان من الممكن أن نحقق إنجازات أكبر لو حاصرنا وفاجأنا، بدلاً من الاندفاع.
  • حرب "السيوف الحديدية الثانية" تتميز بعدة عوامل مختلفة. أولاً، هدف الحرب، تفكيك سلطة "حماس"، لم يعد ممكناً، فجيش "حماس" تم تفكيكه فعلاً، وسلطتها هشة، لكن لا يوجد أي محاولة لاستبدالها فعلياً. الجيش يسيطر ميدانياً، وفي الوقت نفسه، تستمر سلطة الحركة. المرحلة الثانية من الحرب تجري من دون أي هدف سياسي، ومن دون توجيهات استراتيجية، باستثناء شعارات الانتصار. الجيش يعمل بشكل مستقل من دون أي أهداف سياسية يتوجب عليه الوصول إليها، إنه احتلال زاحف فعلياً.
  • ثانياً، ومن دون تحديد جدول زمني وأهداف، ينتقل الجيش إلى العمل في إطار الأمن الشرطي، ويحبط عمليات، مثلما يحدث في الضفة- الجيش يضرب في كل مكان، حيث يتبين وجود تجمّع "للمخربين" من جديد. وفي الوقت نفسه، انتقل جيش "حماس" إلى حرب عصابات أصغر، وقادرة أكثر على الصمود، وبسبب اقتحامات الجيش، من المتوقع أن نشهد تغييرات إضافية في العمليات "الإرهابية"، وهو ما يجعلها منتشرة أكثر، ويصعّب فاعلية العمل ضدها. هذا أيضاً سبب مطالبة "حماس" بإعادة السكان إلى شمال القطاع. هكذا، ستخفف العبء عنها، وتستطيع الاختباء بين السكان، وتقلل من حرية عمل الجيش في هذه المنطقة من مدينة غزة.
  • ثالثاً، الفوضى في الميدان تصاعدت إلى أبعاد تصل إلى حد فقدان السيطرة. فالنقص في المساعدات الإنسانية وانعدام السيطرة المدنية الفعالة يرفعان سقف العنف وانعدام السيادة الميدانية، وكذلك محاولة منع الكارثة الإنسانية التي أدت إلى تدخلات دولية. اليوم، إسرائيل لا تستطيع اتخاذ قرار بشأن العملية في رفح بشكل مستقل، ومستقبلاً، سيصبح قرار مَن يدير غزة، ميدانياً، في يد الدول المتعددة ذات الشأن، وليس في يد إسرائيل وحدها.
  • رابعاً، تحرير الرهائن بات متعلقاً كلياً برغبة السنوار ونيته الحسنة- وليس لديه شيء منها. إسرائيل لم تجد أي بديل يمكن أن يدير المفاوضات معها غير السنوار، وفي الوقت الذي باتت مكانة السنوار ثابتة، بات وضع إسرائيل السياسي متزعزعاً، وهي تقف على بُعد خطوة من قيام الأميركيين بوقف الحرب بالقوة. لا يوجد لدى السنوار أي سبب لتحرير الرهائن في الوقت الذي تميل الكفة لمصلحته. إنه يعرف نقاط ضعف إسرائيل جيداً.
  • في أفضل الأحوال، هو سيحرر مجموعة صغيرة، في محاولة غير مكلفة بالنسبة إليه، وسيحاول زعزعة سيطرة إسرائيل في شمال القطاع، عبر إعادة أعداد كبيرة من المواطنين إلى هناك. عناد إسرائيل في المفاوضات يخدمها، لكن بسبب وضعها السياسي الضعيف، فإن قدرتها على الضغط في المفاوضات تتعلق كلياً بالقوة الأميركية التي لا يفوّت سموتريتش وبن غفير فرصة لتخريبها - ويا لسعادة السنوار، فإن احتمالات تحرير الرهائن تغدو أقل بمرور كل يوم.
  • خامساً، أغلب الظن أن إسرائيل ستبقى خارج الائتلاف الإقليمي مع الدول المعتدلة بقيادة السعودية ضد إيران. ضعف الحكومة وعدم قدرتها على اتخاذ القرار السياسي بشأن مستقبل قطاع غزة سيترك إسرائيل، ليس فقط معزولة، كما تتركها أغلبية الدول، بل أيضاً ستبقى خارج الائتلاف الإقليمي الضروري ضد تحوّل إيران إلى دولة نووية- التهديد الوجودي الأكبر لأمننا ولسلامة الإقليم. في هذه الحالة، ستصبح إسرائيل غير مهمة إقليمياً، وهذه ضربة حرجة للأمن القومي الإسرائيلي.
  • سادساً، قيام الولايات المتحدة بفتح الباب أمام عودة قطر إلى القطاع يشكل ضربة لإنجازات الحرب، وهو ما سيسمح لـ"حماس" بإعادة بناء قوتها من جديد، برعاية قطر. في كل عملية بناء لنظام مدني في القطاع، بتأثير قطري، سيكون هناك محاولة لدمج "حماس". النتيجة هي إضعاف المحور الإماراتي- السعودي- المصري، وتفكّك اتفاقات أبراهام، وانتصار سياسي لـ"حماس" والإخوان المسلمين. إنها هزيمة استراتيجية، بالنسبة إلى إسرائيل.
  • على الصعيد التاريخي، يمكن الادعاء أن إسرائيل كانت تعلم دائماً كيف تدخل الحروب، لكنها لم تعرف قط كيف تتخذ قرارات الخروج الصحيحة. هذا ما حدث في لبنان، حيث بقينا هناك 18 عاماً، وهذا ما جرى في حرب الأيام الستة، حيث بقيت الضفة الغربية ورقة ضغط في المفاوضات إلى أن تم ضمها فعلياً اليوم. وهو ما ينطبق أيضاً على استمرار الصراع الدامي مع الفلسطينيين.
  • صحيح أننا انسحبنا من قطاع غزة في سنة 2005، بعد 38 عاماً، لكن اليوم، وبعد كارثة 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب المبررة لتفكيك "حماس"، مرة أُخرى، تجد حكومة إسرائيل نفسها من دون قدرة على اتخاذ القرار بشأن مصير غزة وإنهاء الحرب، ويبدو أنه على الرغم من الأثمان الاقتصادية العالية التي ستهدم أجزاء كبيرة من الاقتصاد الإسرائيلي، فإن الثمن السياسي الخطِر، الذي يتلخص في عزلنا، وعودة العقوبات على إمدادنا بالسلاح، وإسقاطات الثمن الأمني الكبير باستمرار النزيف في الشمال، والعبء الكبير الذي يقع على عاتق الجيش والمجتمع في إسرائيل- فإن حكومة إسرائيل تبدو مرة أُخرى غير قادرة على اتخاذ قرارات سياسية ضرورية لأسباب سياسية داخلية وضعف القيادة. إسرائيل تستعيد مسؤوليتها مرة أُخرى عن قطاع غزة، وتحوله عملياً إلى منطقة محتلة، حيث ستنزف هناك أعواماً، ومن الممكن عشرات الأعوام.
  • يمكن أن يكون الشعب أكثر حكمةً من قياداته، ويطالب بتغيير الوضع.