الآن بات واضحاً أنه يجب تغيير الاتجاه في الشمال
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- لقد حان الوقت لتحديث الخطط، فالشمال لا يستطيع الانتظار حتى نهاية المعركة في غزة. في 8 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، أي بعد يوم واحد من الهجوم القاتل الذي قامت به "حماس" ضد دولة إسرائيل، أطلق حزب الله مجموعة من الصواريخ على مزارع شبعا، ومنذ ذلك الوقت، تم إطلاق أكثر من 3000 قذيفة، وتقريباً 1000 صاروخ مضاد للدروع، وعشرات المسيّرات، وقُتل 19 جندياً ومواطناً في ضربات قاتلة حتى اليوم.
- وقررتْ دولة إسرائيل الرد على نيران حزب الله بضرب مواقع للحزب "الإرهابي"، لكنها اختارت المحافظة على حدة النيران تحت سقف الحرب، والامتناع من فتح معركة شاملة من رؤية ترى أنه يجب المحافظة على القوة الأساسية في الجنوب. وفي الوقت نفسه، تم تنفيذ قرار، بصورة غير مسبوقة، بإخلاء عشرات البلدات التي تحوي نحو 65,000 مواطن، وهذا القرار كان نابعاً من التخوُف من اختراق "مخربين" البلدات كما حدث في الجنوب، إلاّ إن تنفيذه جاء بعد نشر قوّات كبيرة من الجيش على طول الحدود.
- ربما كانت استراتيجيا الجبهة الثانوية صحيحة في بداية المعركة، لكن وبعد مرور نحو نصف عام، فقد حان الوقت لتحديث الخطط وتغيير طريقة العمل. وفي الآونة الأخيرة، تتنقل العائلات من مكان إلى آخر في البلد، وتبحث، من جهة، عن الاستقرار، ومن جهة أُخرى، تتمسك بأي أمل للعودة إلى منازلها التي تركتها، والتي دُمّر المئات منها بسبب إطلاق النار. لكن وبتحليل بارد ومؤلم، فإن السبب الرئيسي لإجلاء السكان من منازلهم لم يتغير، والشعور بالأمان لم يصل إلى الشمال بعد.
- وأكثر ما يُقلق سكان الشمال الآن هو اللامبالاة؛ فالجمهور بصورة عامة، والعالم والحكومة اعتادوا حقيقة أن هناك عشرات القذائف تُطلَق كل يوم على إسرائيل من لبنان، وأن المدرسة في منطقة كفار بلوم لم يتم إخلاؤها، ويجري التعليم فيها لمدة 4 ساعات في اليوم، وهذا لأنه لا يوجد ما يكفي من المباني المحمية، كما تم أيضاً إجلاء جزء من الطاقم التدريسي. أمّا الخدمات الصحية، فهي أيضاً تعمل في نموذج الطوارئ من دون طبيب أطفال، والمراكز التجارية تعمل أيضاً بصورة جزئية، إلاّ إن الخضار والفواكه واللحوم والأسماك باتت أمراً من الصعب الحصول عليه. ومن التأثيرات الأُخرى للوضع في الشمال أن آلاف المصالح التجارية أوقفت أعمالها وأخرجت العمال إلى إجازة غير مدفوعة، بالإضافة إلى أن دفعات البطالة ستتوقف هذا الشهر، وأماكن العمل لا تزال متوقفة، ولا يبدو أنها ستعود إلى العمل قريباً.
- وفي هذه النقطة، يجب توضيح أن بعض الأضرار غير قابلة للإصلاح؛ فكثير من المصالح التجارية انهارت، وبعض الشركات تنقل أعمالها إلى الجنوب، ومئات العائلات التي لديها أطفال لن يعودوا إلى منازلهم في جميع الأحوال، ويُضاف إلى هذا كلّه أن مع كل يوم يمر هنا، يرتفع الثمن. لذلك، فإنه على الرغم من الرغبة بفصل الجبهات، فإنه لا يوجد لدى دولة إسرائيل خيار "تجميد" الوضع في منطقة واسعة من البلاد والاكتفاء بردّ محدود في مقابل "إرهاب" لا يتوقف من لبنان. وفي الوقت الذي يتحدّث فيه رئيس حكومة لبنان، نجيب ميقاتي، أمام العالم عن العدوان الإسرائيلي، فإن حكومة إسرائيل تختار عدم تدفيع دولة لبنان ثمن دعمها لحزب الله والتنظيم "الإرهابي" الذي يشكل جزءاً من برلمانها.
- إن عناصر الجيش وقيادة الشمال أثبتوا في الأشهر الطويلة الأخيرة أن لديهم قدرات إحباط عالية، وقد ألحقوا الضرر بقدرات حزب الله، لكن استمرار المحافظة على المعادلات التي يفرضها حزب الله يخدم الآن فقط العدو، ولا يدفع في اتجاه عودة سكان الجليل إلى بيوتهم بأمان تام. وكما لا يوجد لدولة إسرائيل رصيد لا ينتهي أمام المجتمع الدولي، كذلك لا يوجد لديها رصيد لا ينتهي أمام سكان الشمال الذين يحاولون حساب عدد الأعياد التي سيمضونها بعيداً عن منازلهم.