على الرغم من اعتماده الكلّي عليها، فإن نتنياهو يستخف بالقوة العظمى الأخيرة التي لا تزال تريد مصلحة إسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الأسباب لا تزال غير واضحة، لكن يبدو أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مصمم على الاشتباك مع أكبر عدد ممكن من الأطراف. وكانت حصيلة الـ48 ساعة الماضية: أزمة خطِرة مع الولايات المتحدة بسبب امتناعها من استخدام الفيتو خلال التصويت في مجلس الأمن (وضمنها إلغاء سفر البعثة السياسية إلى واشنطن)؛ وإعادة أغلبية أعضاء الوفد الإسرائيلي من المفاوضات بشأن صفقة تبادُل الأسرى في قطر، بعد أن وصل ردّ سلبي من "حماس"؛ وأزمة داخلية في الائتلاف بسبب الخلاف بشأن قانون إعفاء الحريديم من التجنيد.
- في المدى البعيد، يبدو أن الأزمة مع إدارة بايدن هي الأكثر إثارة للقلق. إسرائيل تتصرف مثل فيلم بيتر سيلرز العائد إلى سنة 1959، عن إمارة أوروبية وهمية قرر قادتها إعلان الحرب على الولايات المتحدة يوماً واحداً. لكن في السيناريو الحالي لا توجد أي سخرية: نحو 70% من الاستيراد الأمني لإسرائيل يصل من الولايات المتحدة، وهذا قبل الحديث عن المساعدات الأمنية التي تصل إلى 3.8 مليار دولار في العام، وسنحصل عليها حتى سنة 2028. لا يزال من غير الواضح كيف تسمح دولة تعتمد كلياً على السلاح الأميركي لنفسها بالتعامل بهذا الشكل المهين مع القوة العظمى الوحيدة التي لا تزال تدعمها (بالمناسبة، هذا أيضاً هو سبب سفر وزير الدفاع يوآف غالانت إلى واشنطن بصورة عاجلة).
- يستطيع رئيس الحكومة الاستمرار في الخطابات بشأن استقلالية إسرائيل، وأن يعِد المواطنين بالنصر المطلق على "حماس"، والذي سيأتي قريباً، لكن عملياً، سيكون من الصعب على نتنياهو التحرك من دون الأميركيين. القضية لا تتعلق فقط بتهديداته باحتلال رفح الذي عبّرت الإدارة عن معارضتها لذلك علناً. هناك عقوبات إضافية - مزيد من الخطوات ضد المستوطنين العنيفين والمنظمات التي تعمل على إقامة بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية، وقيود علنية، أو غير علنية، على نقل الأسلحة- أمور كلها ستؤثر أيضاً في سلوك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وكل تشويش لنقل الأسلحة سينعكس على أي حرب مستقبلية ممكنة في مواجهة حزب الله.
- وفي الوقت نفسه، يبدو أن هناك تصعيداً إضافياً في الساحة الشمالية. لقد ضرب سلاح الجو مرتين في العمق اللبناني، شمال - شرقي بيروت، وأيضاً منطقة البقاع، حيث استهدف منظومة المسيّرات التابعة للتنظيم الشيعي. من جانبه، حزب الله عاد واستهدف وحدة المراقبة الجوية في جبل ميرون، وأطلق عشرات القذائف على الجليل والجولان.
- بعد ساعات على اندلاع الأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة بسبب قرار مجلس الأمن يوم الاثنين، جرى نشر ردّ "حماس" الذي تضمّن رداً سلبياً على مقترح الوساطة الأميركي الأخير بشأن صفقة التبادل. إسرائيل ردت بصورة إيجابية على المقترح في بداية الأسبوع. ديوان نتنياهو أصدر بياناً حاداً اتهم "حماس" بفرض قيود على الاتفاق (صحيح)، وربط بين ذلك وبين ما قامت به الولايات المتحدة في الأمم المتحدة (يجب إثبات ذلك).
- على افتراض أن مَن يتخذ القرار الآن هو قائد الحركة في القطاع، يحيى السنوار، وأن العلاقة ما بينه وبين القيادة في قطر ليست متواصلة، فمن الصعب الفهم كيف يمكن أن يستلهم السنوار بسرعة مما يجري في نيويورك، وأن يؤثر ذلك في التشدد في مواقفه، كما يدّعي ديوان نتنياهو. فالسنوار لا يزال هارباً، ويحاول عدم كشف مكانه، خوفاً من قيام إسرائيل باغتياله. لذلك، أشك فيما إذا كان لديه الوقت الكافي لكي يعلم بالتغيير في الموقف الأميركي ويرسل رداً إلى الدوحة، من دون الكشف عن مكانه.
- أمّا في القطاع، فإن الجيش شدد حصاره على مستشفى الشفاء في غزة، حيث لا تزال تتحصن هناك عشرات المسلحين من "حماس" والجهاد الإسلامي. الكتيبة 162 المسؤولة عن الحملة العسكرية، تقدّر أنه لا يزال هناك مسؤولون كبار من كلا التنظيمين. اعتُقل أكثر من 500 مشتبه فيه بالعلاقة بـ"حماس" والجهاد الإسلامي، بينهم ناشطون مركزيون، وخسر الفلسطينيون أكثر من 180 قتيلاً. هذا الإنجاز التكتيكي المهم، سبقه تمويه عندما اعتقدت "حماس" أن الجيش يتحضر لاقتحام مخيمات اللاجئين في وسط القطاع.
- الأدلة التي كشفها الجيش تشير إلى أن التنظيمين عادا إلى استعمال المستشفى كمركز قيادة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الادعاءات الموجهة ضد إسرائيل من المجتمع الدولي كثيرة جداً، بسبب الدمار الكثيف في المنشآت الطبية والضرر الذي لحِق بالمرضى. استخدام المستشفيات كمواقع عسكرية، بعكس قوانين الحرب، لا يدفع العالم إلى التعاطف معنا. وبعد نصف عام من الحرب تقريباً، تواجه إسرائيل صعوبات في طرح قضيتها بسبب الخسائر الكبيرة في أوساط المدنيين الفلسطينيين، والأزمة الإنسانية الحادة التي تصل إلى حد المجاعة فعلاً في شمال القطاع.
- الحديث عن الحرب في الإعلام الأجنبي لا يتطرق إلى "مذبحة" السابع من تشرين الأول/أكتوبر في "غلاف غزة"، والذي كان السبب في شن إسرائيل هذه الحملة. حتى أنه لا يوجد أي ذكر لحقيقة أن "حماس" اختارت، قصداً، الاختباء وسط المدنيين من أجل الدفاع عن نفسها (ثم تحميل إسرائيل المسؤولية عن الضرر الذي لحِق بهؤلاء المدنيين). الجنرال جون سبنسر، الخبير في القتال في المناطق الآهلة في الأكاديمية العسكرية الأميركية ويست بوينت، ادّعى أن الجيش تبنّى معايير عالية واستثنائية، في محاولة لتقليص الضرر بالمدنيين خلال قتاله منظومة غير مسبوقة تحت الأرض. لكن صوت سبنسر هو صوت استثنائي، ففي النقاش الدولي، وأيضاً مقارنةً بالإنزعاج المتزايد في واشنطن، هناك عدم ارتياح بسبب تشابُك الحرب مع القتل والدمار اللذين خلّفتهما إسرائيل وراءها.