إجراء هنيبعل لم يختفِ، لقد تحول إلى تأخير في المفاوضات
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • قبل 30 عاماً، شارك الجنرال نيتسان إيلون الذي كان، حينها، ضابطاً في "سييرت متكال"، في الحملة العسكرية الفاشلة لتحرير الجندي المخطوف نحشون فاكسمان. حينها، قُتل فاكسمان والضابط في "السييرت" نير فورز. مؤخراً، كان الجنرال إيلون في قطر جزءاً من طاقم المفاوضات مع "حماس". أيّ درس تعلّمه من الليلة الخريفية نفسها في تشرين الأول/ أكتوبر: هل المفاوضات أفضل من تحرير الرهائن بالقوة، أم يجب أن نأمل بموتهم كي لا يكونوا ورقة  مقايضة؟
  • فكرة جندي ميت أفضل من جندي مخطوف،  لم تولد مع فشل عملية تحرير فاكسمان. لقد وُلدت قبل ذلك مع عملية تحرير 1151 "مخرباً" في مقابل 3 جنود في صفقة  أحمد جبريل. حينها، تبين أن كل موضوع تبادُل للأسرى هو ثمن ثقيل، متعب ولا يستحق، ويجب أن يكون هناك طريقة لتخطيه. هكذا وُلد "إجراء هنيبعل" (سنة 1986)، إذ إنه من الأفضل قتل المخطوف، وعدم التورط بتحريره، ومع كل أوجاع الرأس المرتبطة بذلك. بما معناه، إطلاق النار على الخاطفين "حتى لو كان الثمن إصابة جنودنا".
  • لم يعتقد أحد أن هذا الإجراء أخلاقي، أو قانوني، والتغييرات التي مرت عليه تعكس هذه الترددات. إلا إن التغييرات لم تهدف إلى إلغاء الإجراء، إنما إلى طمس وجوده. فبعد تشرين الأول/ أكتوبر 2010، تم تغيير الإجراء، بحيث يمنع عمليات الإنقاذ التي يمكن أن "تؤدي باحتمالات عالية إلى موت الرهينة"، لكنه تغير مرة أُخرى: "إيقاف عناصر ’حماس’ بأي ثمن"، حتى لو كان الرهائن معهم أيضاً. والمقصود بأي " ثمن" هو المدنيون أيضاً.
  • "هذه المعضلة مفجعة"، هذا ما قاله رئيس مجلس الأمن القومي تسحي هنغبي، تعليقاً على سؤال عما إذا كان الجنود سيطلقون النار على السنوار حتى لو كان محاطاً بالرهائن. "معضلة" ؟ ألم يكن هنغبي يعلم بأنه لا يجب إطلاق النار على مَن يخطف رهائن؟ فعندما يدور الحديث حول مواطنين، لا فرق بين التخلي عنهم وقتلهم. حل هذه المعضلة كان بتفعيل إجراء هنيبعل من دون إطلاق أي رصاصة: المماطلة في المفاوضات، وعدم اتخاذ القرارات، والتجاهل، وتركهم أطول وقت ممكن في الأنفاق، وعملياً، الحكم عليهم بالموت.
  • كان لدى الضابط زونشين حل آخر. الضابط بار زونشين قاتل "المخربين" ببطولة كبيرة. وأطلق النار أيضاً على مركبات كان يمكن أن يكون فيها رهائن. وتحمّل مسؤولية لا يتحملها الأطباء. فالأطباء لن ينهوا حياة مريض، حتى لو علموا بأنه سيموت من الألم،  ولن ينتهكوا  القانون القائل أنه "من الطبيعي أن الإنسان يريد الاستمرار في الحياة".
  • الضابط زونشين لم يتمكن من معرفة ما إذا كانوا يريدون الاستمرار في الحياة، وقرر عنهم: أطلقت النار لأنني أعتقد أن الخطف سيكون أصعب". وأضاف: أنا أعتقد أنني سأقوم بالأمر بالصحيح". بما معناه،  أنه لا يتصرف بحسب الإجراءات، ولا الأوامر، إنما بحسب مشاعره الغريزية. هذا ما قاله.
  • أنا لا أستطيع أن أحكم على زونشين، ولا على الجنرال باراك حيرام الذي قصف المنزل على الخاطفين والرهائن في بئيري. مشاعري لم تحكم يوماًعلى المصائر، لكن مشاعرهم تعكس علاقة هذا المجتمع بحياة الإنسان. إنه مجتمع عنيف يسخر ممن يسقط- بما معناه الرهائن والنازحون من منازلهم وكل مَن تبقى في الخلف، ولم يستفد من النظام.
  • قبل 13 عاماً، دعم الجمهور، في أغلبيته، "صفقة شاليط"، إذ تم تحرير أكثر من ألف "مخرب" في مقابل جندي واحد، اليوم أغلبية الجمهور تعارض إعادة عدد مشابه من "المخربين"، في مقابل 134 رهينة. التضحية من أجل الجماعة تحولت من حق إلى واجب. تشعر عائلات الرهائن بأن عليها التضحية بآلامها، وابتلاع الغضب. لا توجد احتجاجات على مقتل 600  جندي تقريباً، وأخبار مقتل الجنود لم تعد تحتل مقدمات النشرات الإخبارية. أمّا موت 30 ألفاً من سكان قطاع غزة وتجويع الآخرين، فمن الواضح أنه لا يتم الحديث في هذا الشأن قط.

هنيبعل لا يزال هنا. إنه معنا. نحن، المتظاهرون، عائلات الرهائن، النازحون- جميعنا في مرمى نتنياهو. سيقوم باغتيالنا من أجل "مصلحتنا". من أجلنا أيضاً "سنحتل رفح وحدنا". ما المقصود بـ "وحدنا" ؟ جميعنا، كل مَن يضحي بحياته وحريته في مقابل جنونه. يبدو أن هذه هي اللحظة التي على رئيس هيئة الأركان، ورئيس الشاباك، ورئيس الموساد، أن ينظرالواحد منهم إلى الآخر ويقول: لا يا سيدي، كفى.

 

المزيد ضمن العدد