حان وقت الاعتراف بالحقيقة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • الإعلان بشأن خروج الفرقة 98 من منطقة خانيونس هو التوقيع الرسمي لِما كان معروفاً من الجميع منذ فترة.  منذ أكثر من شهر، الجيش الإسرائيلي لا يخوض عملية "حسم" في القطاع، ولا "تقويض"، ولا كل الكلمات الأُخرى التي ليس لها مغزى عسكري. لقد شعر الجيش باليأس من المستوى السياسي مرتين: المرة الأولى، عندما رفض بنيامين نتنياهو وحكومته إقامة "غلاف سياسي"، من دونه، يصبح العمل العسكري بلا معنى حقيقي؛ والمرة الثانية، عندما رفض المستوى السياسي، لأسباب سياسية، أن يأمر بالانتقال إلى ما سمِّي "المرحلة ج"، أي إقامة خطوط دفاعية، والانطلاق منها للقيام بعمليات استخباراتية لضرب عودة تنظيم "حماس" من جديد.
  • لقد أدركت القيادة العسكرية أن الإبقاء على حالة التأهب حتى نهاية شباط/فبراير سيؤدي إلى فشل مزدوج: من جهة، سيمرّ الوقت من دون تحقيق إنجاز فعلي، بعد عدم تحقيق الأمل (المشكوك فيه) بإلقاء القبض على محمد الضيف، وعلى يحيى السنوار، واغتيالهما؛ ومن جهة ثانية، إن وقوع أحداث محدودة صعبة، مثل سقوط 4 مقاتلين من وحدة الكوماندوس أول أمس، سيرسخ الشعور بالتخبط في الوعي العام للجمهور. لقد سبق أن عاش الجيش الإسرائيلي كل هذا في لبنان، حيث كبرت وتشكلت القيادة العسكرية الحالية. يُضاف إلى هذا كله التآكل المستمر في أعداد الاحتياطيين والنظاميين، الذين يقاتلون منذ 7 أكتوبر.
  • وبناءً على ذلك، انتقل الجيش منذ نحو شهر، فعلياً، إلى المرحلة ج في معظم مناطق القطاع، ومنذ بداية آذار/مارس، بقي عدد قليل من القوات التي جرى تسويق عملياتها المحدودة من خلال الأبواق الإعلامية على أنها أسلوب جديد ومتطور للقتال. في المقابل، جُمعت معلومات استخباراتية، وجرى الإعداد للعملية في مستشفى الشفاء، والتي أظهرت أن في الإمكان التوصل إلى نتائج مذهلة في ضرب "المخربين" من دون وجود قوات كبيرة في الميدان، ومن دون إصابات.
  • لكن بينما يتفاخر الجيش بعدد "المخربين" الذين قُتلوا، أو اعتُقلوا في العملية، سأل المواطنون في إسرائيل وقادة في المنطقة، وفي العالم، أنفسهم كيف تمكنت "حماس" من إعادة تنظيم نفسها بسرعة في منطقة قمنا باحتلالها وتدميرها، وهي اليوم الجهة الأقوى بالنسبة إلى سكان شمال القطاع؟ في المقابل، ازداد الضغط الدولي من أجل منع عملية كبيرة في رفح، وعملياً، لإنهاء الحرب بالشكل الحالي. خروج الفرقة الأخيرة في الأمس يجعل القوة العسكرية الباقية في القطاع بحجم لواء في المحور الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها، وهذا اعتراف رسمي بأن المرحلة ج باتت هنا، بعد تأخُّر مدة شهرين وضرر كبير.
  • ومع الأسف الشديد، عملياً، هذا اعتراف بكذب حجة أن الضغط العسكري وحده سيدفع "حماس" إلى صفقة مخطوفين، وهي الحجة التي كررها كبار المسؤولين في الجيش، بمن فيهم رئيس الأركان نفسه، قبل بضعة أيام... عملياً، لا تجري ممارسة أي ضغط عسكري حالياً، والمساعدات الإنسانية صارت بحجم أكبر، بضغط أميركي، وسكان غزة يمكنهم التوجه إلى الشمال (الناطقون العسكريون يسوّقون الأمر على أنه تقنية ذكية لإخراج جماهير اللاجئين من رفح). ومع عدم وجود كيان يدير حياة السكان، فإن "حماس" تقوم بذلك تحت غطاء ما.  وماذا عن المخطوفين؟ هم سيعودون ضمن إطار صفقة ستُنهي الحرب الحالية في نهاية المطاف. لكن حتى لو حدث ذلك، لن نعرف قط عدد الأرواح التي أُزهقت خلال فترة الجمود السياسي والعمليات العسكرية الضئيلة الأهمية.
  • إن الوقت الذي أضعناه سيكون له تأثير خطِر بصورة خاصة، فهو يقلص الشرعية التي تحظى بها إسرائيل، ويزيد في الضغط الدولي من أجل عزلنا سياسياً وعسكرياً، ويُبعد رؤيا إنشاء ائتلاف إقليمي يشكل وزناً حقيقياً مضاداً للمحور الإيراني. إن فرصة إنشاء هذا الائتلاف لم تتبدد، لكن نظراً إلى أن نتنياهو (الذي يُعتبر مرور الزمن رصيده الحقيقي) وحكومته التي لا تُظهر حالياً أي استعداد للقيام بخطوات من هذا النوع، ونظراً إلى أن تحرُّك إسرائيل على الصعيد الإقليمي لا يزال تكتيكياً وموجهاً، بصورة خاصة من أجل خدمة أهداف داخلية (الاغتيال الذي ليس له أهمية عملية للضابط الكبير في الحرس الثوري حسن مهداوي في دمشق)، يزداد خطر بقاء إسرائيل وحدها في مواجهة "محور المقاومة". المواطنون الإسرائيليون الذين هرعوا إلى المحال التجارية للتزود بالمياه والمعلبات في الأسبوع الماضي، عبّروا بهذه الطريقة عن عدم ثقتهم باعتبارات القيادة، وبقدرة الجيش على الدفاع عنهم.
  • وكما ذكرنا، لا يزال هناك فرصة للانتصار في الحرب الكبرى، لكن الأمر مرتبط بعملية سياسية بعيدة الأمد: بلورة ائتلاف يجمع بين إسرائيل ودول تتطلع إلى ترسيخ الاستقرار في المنطقة، بتأييد أميركي. هذه هي الطريق لبلورة بديل حقيقي من "حماس" في غزة، يضمن عدم عودة التهديد الأمني من هناك، ويعيد سكان الشمال إلى منازلهم، لأن التحرك الإقليمي وحده يشكل ضمانة لردع حقيقي لإيران وحزب الله. ثمة شك كبير فيما إذا كان نتنياهو، الذي واصل في الأمس كلامه الفارغ عن "النصر المطلق" والحديث عن تفكيك كتائب "حماس" في رفح، قادراً على القيام بذلك. ومع الأسف، لم يظهر حتى الآن بديل فعلي في المنظومة السياسية.