يجب أن تقولوا الحقيقة: لا يوجد حل في الشمال
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- من الصعب تعداد التهديدات التي وجّهها كلٌّ من رئيس الحكومة ووزير الدفاع والقيادة العسكرية إلى حزب الله في الحرب الحالية. لكنهم توقفوا مؤخراً. تبدو هذه التهديدات محرجة جداً عندما نفحص الوضع في الشمال. المأزق حقيقي، ولا أحد في القيادة لديه حل حقيقي. في الجيش، يصرّون على القول إن في إمكانهم إخضاع حزب الله، وأن لديهم العتاد والقوات والخطة. في نهاية أحد التدريبات، سألتُ مسؤولاً كبيراً عمّا إذا كان يعتقد أن حسن نصر الله سيسحب قواته إلى ما وراء الليطاني؟ فأجابني: مَن قال إن حسن نصر الله سيكون موجوداً في نهاية المناورة؟ وأضاف أن لبنان، بعكس غزة، دولة مهمة بالنسبة إلى دول كثيرة في العالم، وبيروت مدينة تنبض بالحياة، على الرغم من كل الصعوبات. وهذه الدول ترفض تدمير لبنان نهائياً في حرب كهذه.
- لقد صرّحت إسرائيل منذ وقت طويل بأن لبنان سيكون هدفاً مشروعاً في الحرب المقبلة، وستضرب محطات الطاقة والمطار ومنشآت البنى التحتية. وسينطفىء النور في هذه الدولة بصورة نهائية. لكن من الأفضل الحفاظ على قدر من الشك في كل ما يتعلق بالقدرة الفعلية على تحقيق هذا التهديد. فبمجرد البدء بالقصف، ستأتي مكالمة من الرئيس الأميركي، وكلنا يعلم مدى قدرتنا على القتال في لبنان من دون دعم قوة عظمى.
- رئيس الأركان خلال حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006] دان حالوتس، روى في مذكراته أنه لم يُسمح للجيش الإسرائيلي بمهاجمة أهداف لبنانية. رئيس الحكومة، آنذاك، إيهود أولمرت يلوم نفسه على ذلك حتى اليوم. لكن من الواضح أن الأميركيين أدّوا دوراً حاسماً حينها، وإذا حاولنا مهاجمة لبنان هذه المرة، فإنهم سيعودون إلى الصورة.
- وعلى الرغم من ذلك، فلنفترض أننا دمرنا البنى التحتية اللبنانية، فهل سيؤدي هذا إلى ابتعاد حزب الله مسافة 40 كلم عن الحدود؟ ثمة شك كبير في ذلك. هل ستدفعه المناورة البرية إلى ذلك، في الوقت الذي يُطلب من الجيش البقاء في غزة، والانتشار بشكل واسع في المناطق؟ الاعتراف بأن هذا الأمر أكبر منا غير مريح. تسيطر على أذهاننا كل أنواع الأوهام، على سبيل المثال، أن الجيش قادر على القتال على كل هذه الجبهات في آن معاً، وطوال أشهر. لديه ما يكفي من العتاد العسكري، ومن القوة البشرية، ومن الاحتياطيين، لكن في الواقع، ما زلنا بعيدين عن تحقيق ذلك.
- هذا كله من دون الحديث عمّا ستتعرض له الجبهة الداخلية. تتحدث هيئة الطوارىء الوطنية عن سيناريو عتمة. يدّعون إن شركة الكهرباء غير مستعدة، وأن توقُّفها المفاجئ سيؤدي إلى شلّ المنظومة كلها، وإعادتها إلى العمل ستستغرق وقتاً. ومع انقطاع الكهرباء، ستتوقف شبكة الهواتف الخليوية عن العمل بعد ساعتين. وزير الاتصالات منشغل بمهاجمة وسائل الإعلام "اليسارية" وإقالة مدير البريد، وقد انتبه إلى أهمية الأمر بشكل متأخر جداً.
- الخلاصة من هذا التحليل أنه ليس لدى إسرائيل كثير من الخيارات. يجب تحريك صفقة المخطوفين التي ستؤدي إلى وقف إطلاق النار في غزة، كما يجب استغلال وقف النار من أجل التوصل إلى تسوية في الشمال. في أحسن الأحوال، في إمكان هذا الاتفاق إبعاد قوة الرضوان بضعة كيلومترات عن الحدود على الأقل، بحيث لا يرى السكان أفراد هذه القوة بالعين المجردة، وأي محاولة تسلُّل يمكن كبحها. خط المواقع التابعة لحزب الله، والذي دمّره الجيش الإسرائيلي، لن يُعاد بناؤه. وربما ستضطر إسرائيل إلى الدفع في المقابل من خلال الاتفاق على خط دقيق للحدود مع لبنان.
- في مثل هذه الحالة، هل سيعود سكان الشمال إلى منازلهم التي سيبقى جزء منها في مرمى صواريخ حزب الله المضادة للدروع، فضلاً عن تخوّفهم من أنفاق تتسلل إلى أراضيهم؟ على ما يبدو، لن يعود الجميع. وهذا الأمر ليس مثالياً، لكن هذا هو الواقع. عاش هؤلاء السكان عشرات الأعوام في مناطق متعددة من الدولة، وهم معرّضون لتهديدات تسلُّل "المخربين". الجبهة الداخلية كلها مكشوفة منذ عشرات الأعوام أمام الصواريخ السورية الكيميائية، من دون حماية، وهذا لا يشجع فعلاً، وهذا الخطر لا يزال موجوداً، لكن مهمة القيادة أن تعرض الوضع أمام الجمهور مثلما هو. وحالياً، هذا أفضل ما يمكن للدولة تقديمه إلى سكان الشمال. حرام علينا خداعهم بأن بعض الخزعبلات العسكرية ستؤدي إلى اختفاء تهديد حزب الله من حياتنا.