أسوأ ما في العالم: إسرائيل يمكن أن يفوتها قطار التطبيع مع السعودية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • على الرغم من الحرب بين إسرائيل و"حماس"، وربما بسببها، فإن الحوارات السياسية التي تهدف إلى الدفع بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية لم تتوقف. لقد عملت الإدارة الأميركية على تحريك الملف الذي عملت "حماس" على إفشاله، وانضمت إليها إيران عبر أذرعها. لكن، بعد نصف عام من القتال، يمكن التقدير، بحذر، أن الدوافع الأساسية للولايات المتحدة والسعودية في هذا السياق لم تتغير. الولايات المتحدة تريد تأسيس نظام إقليمي جديد بقيادتها، من أجل التخفيف عنها، وعن دول الشرق الأوسط، بشأن المواجهة مع إيران، والتلميح إلى إنها لم تترك المنطقة. السعودية من جانبها، تسعى لتحسين وضعها الإقليمي، وبصورة خاصة في الخليج العربي والبحر الأحمر، وتحصين مكانتها وأمنها، وفي الأساس حيال إيران، عبر تقوية العلاقات مع واشنطن.
  • وأكثر من ذلك، فإن الحرب، التي تدور منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر على عدة جبهات، أوضحت للعائلة المالكة السعودية أن الأزمة الفلسطينية ليست ثانوية، ولا يمكن احتواؤها، أو تجاهُل وجودها. لذلك، فإن السعودية تطمح إلى الابتعاد عن التماهي مع إسرائيل، وتعبّر عن تضامنها المتصاعد مع الفلسطينيين، ولذلك، رفعت الثمن الذي تطلبه من إسرائيل من خلال التزامات مرفقة بخطوات فعلية لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في إطار حل الدولتين.
  • قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، طلبت الولايات المتحدة الدفع بصفقة، في إطارها، تعترف السعودية بإسرائيل، ويتم توقيع اتفاق تطبيع بين الدولتين، ونتيجة ذلك، يُعزَّز الاندماج بين الدول الإقليمية في المعسكر الداعم للولايات المتحدة. الآن أيضاً، تسعى الولايات المتحدة للربط ما بين التطبيع الإسرائيلي - السعودي وبين الترتيبات الإقليمية الشاملة التي توجد في مركزها الشراكة مع دول الخليج، وإنشاء معسكر إقليمي في مقابل إيران. عملياً، ما جرى منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أوضح لإدارة بايدن أهمية العقيدة التي صاغها الرئيس الأميركي للشرق الأوسط، وتتضمن عدة مسارات: 1) كبح العمليات السلبية لإيران في المنطقة، عبر أذرعها، وفي الوقت نفسه، إقامة حوارات معها؛ 2) الدفع بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، لا تهدد إسرائيل؛ 3) إقامة حلف أمني موسّع مع السعودية يتضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ 4) الدفع بتطوير اقتصادي ونمو في الشرق الأوسط يتضمن تأسيس مجموعة بنى تجارية من الهند إلى أوروبا. وفي نظر الإدارة، هذه المكونات مرتبطة ببعضها البعض.
  • إحدى نتائج الحرب هي أن "ثمن التطبيع"، بالنسبة إلى إسرائيل، ارتفع في المجال الفلسطيني، وحكومة إسرائيل ترفض الدفع. الثمن الذي على المملكة دفعه أيضاً لقاء التطبيع مع إسرائيل ارتفع، لأن عليها التدخل في الساحة الفلسطينية الآن، ودعم إعادة إعمار واستقرار قطاع غزة والتعامل مع مواقف الشعوب في الدول العربية، والتي باتت مواقفها ضد إسرائيل أكثر تطرفاً بعد الحرب، والآن، أكثر من 90% من المواطنين في الخليج، وضمنه السعودية، يعارضون التطبيع مع إسرائيل. الفجوة بين سياسة الأنظمة ومواقف الشعوب تتوسع، إلا إن السعودية، شأنها شأن بقية الدول الخليجية، فهي ليست دولة ديمقراطية، والعائلة المالكة تتخوف من احتجاجات جماهيرية يمكنها وضع استقرار النظام في خطر.
  • لذلك، بسبب الحرب في قطاع غزة ونتائجها، حدثت تغييرات في شروط الأطراف لتوقيع اتفاق تطبيع:
  • مطالب السعودية: بالنسبة إلى الرياض، القضية المركزية هي امتيازات ستحصل عليها من الولايات المتحدة. وتتضمن اتفاق دفاع يحصّن أمنها ومكانتها في مقابل إيران، والحصول على أسلحة متطورة من الولايات المتحدة تتضمن طائرات F-35، ومساعدات أميركية لإقامة بنية تحتية نووية تتضمن دائرة وقود نووي على أراضيها. هذا بالإضافة إلى أن لدى السعودية مطالب من إسرائيل، في صلبها موافقة الأخيرة على الدفع بحل الدولتين وسلطة فلسطينية "مجددة" تكون عنواناً مسؤولاً على الساحة الفلسطينية. فإذا كانت السعودية طلبت من إسرائيل دعماً لحل الدولتين قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فهي الآن تريد أن ترى خطوات إسرائيلية عملية، كتسليم السلطة الفلسطينية مسؤولية قطاع غزة، وهو ما سيؤدي إلى استقرار الساحة الفلسطينية. يبدو أن الرياض موافقة على ربط إعادة تحريك مسار التطبيع مع إسرائيل، مع تدخُّل أكبر لها في غزة في "اليوم التالي لحماس". وهذا كله منوط بالاستجابة الأميركية للمطالب التي طرحتها الرياض، وأيضاً بموافقة إسرائيلية على المكونات الإشكالية، بالنسبة إلى إسرائيل، في قائمة المطالب، كالقدرات النووية السعودية، وهو ما سيؤدي إلى تراجُع تفوّق إسرائيل النسبي.
  • مطالب الولايات المتحدة: تتضمن مطالب الولايات المتحدة من المملكة موضوعات داخلية، مثل التزويد المنتظم بالنفط، وتقليص العلاقات مع الصين، وخصوصاً في مجال التعاون التكنولوجي والأمني والنووي. وفي المقابل، تطالب الولايات المتحدة بتوقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل، كجزء من الاندماج الإقليمي، ولكبح المنافسة الإيرانية؛ كما تتوقع الإدارة الأميركية ربط بلورة نظام إقليمي بتدخُّل سعودي في الساحة الفلسطينية، وخصوصاً في تشكيل وترميم القطاع ومساعدة السلطة الفلسطينية المتجددة على العمل بفعالية.
  • مطالب إسرائيل: تتوقع إسرائيل من السعودية أن تكون شريكة في قوة عربية داخل القطاع، وتساعد في الدفع بالاستقرار فيه، وتسهّل تقديم المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، وأن تساعد قيادات فلسطينية معتدلة تستطيع أن تتحمل مسؤولية إدارة القطاع على النمو. إسرائيل تواجه صعوبات في استيعاب الرسائل التي تصل من الولايات المتحدة، ومن العالم العربي، وأيضاً المجتمع الدولي، وبحسبها، التمثيل الحصري على الساحة الفلسطينية يعود للسلطة الفلسطينية. إلاّ إن إسرائيل ترفض أن يتم تعريف السلطة كعنوان، لأن هذا سيكون الأساس للضغط على إسرائيل من أجل الحوار معها بشأن الدفع بترتيب يستند إلى حل الدولتين. جهات أُخرى تمثل حكومة إسرائيل تحاول التقليل من شأن المطالب السعودية، حتى إن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى في المواجهة العلنية مع الإدارة الأميركية في هذا السياق، والمعارضة لحل الدولتين، خطوة قيادية من شأنها أن تزيد الدعم الجماهيري له.
  • حتى لو أن دوافع الدول العربية إلى السلام مع إسرائيل لا تزال كما هي عليه، فإن حسابات الربح والخسارة لدى الأنظمة العربية تتغير. وفي نظرهم، إسرائيل ليس فقط لم تُخضع "حماس" بعد، بل إن الدمار والقتل في قطاع غزة يهددان بإشعال غضب الجماهير في دولهم. هذا بالإضافة إلى أن خطر الانجرار إلى مواجهة إقليمية مع إيران وأذرعها لا يزال قائماً. إلا إن السعودية، كبقية دول المسالمة، تفضّل ألّا تكون في هذه المرحلة جزءاً من تسوية في القطاع تؤدي إلى نهاية الحرب، ويُفرض عليها التدخّل الفاعل، على سبيل المثال، أن تكون شريكة في قوات عربية في القطاع.
  • إدارة بايدن تعرف جيداً أن حكومة إسرائيل تواجه صعوبات في اتخاذ قرارات استراتيجية جدية وأيديها مقيدة بالسياسة الداخلية الإسرائيلية. لذلك، هي تعمل على الدفع بخطوات، أيضاً من دون موافقة حكومة إسرائيل، وتعبّر عن استعدادها لفرض خطوات من الصعب القيام بها. في ضوء ذلك، يجب النظر إلى توسيع المساعدات الإنسانية لغزة وإقامة الميناء الموقت على شاطئ غزة في هذا السياق؛ وأيضاً دعم الإصلاحات في السلطة الفلسطينية وتركيبة الحكومة الجديدة التي تستند إلى تكنوقراط؛ وتحضيرات لبناء قوة فلسطينية لحفظ النظام العام في القطاع برعاية السلطة الفلسطينية، وبتدخُّل مصري وأردني.
  • العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تتوطد لدرجة أنها تسمح لهما بالاستفادة القصوى من هذه الشراكة، وذلك عبر تقليص مركزية التطبيع بين إسرائيل والسعودية. تتعامل واشنطن مع وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان على أنه تعلّم من أخطائه، وذلك بسبب سياسته البراغماتية تجاه إيران واليمن، وحتى إسرائيل، ويُنظر إليه على أنه قادر على تحمُّل المسؤولية الإقليمية. إمكانية إزالة عبء التطبيع عن السعودية هو الأفضل في العالم، لأنه سيسمح بالحصول على مقابل من الأميركيين من دون دفع الثمن إزاء الرأي العام بسبب التقارب مع إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، فإن السعوديين، كما يبدو، في حالة تنسيق مع الولايات المتحدة، وسيتركون الباب مفتوحاً "لتطبيع مشروط"، حسبما عبّر المسؤولون الكبار علناً. وأهم المطالب - الطلب من إسرائيل اتخاذ خطوات عملية من أجل إقامة دولة فلسطينية.
  • بالنسبة إلى إسرائيل، فإن هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث لأنه سيؤدي إلى إضاعة فرصة التطبيع مع العالمين العربي والإسلامي، والتخلي عن "تشكيل استراتيجيا" متوفرة - التطبيع والاندماج الإقليمي - التي ستشكل الرد الأفضل على "حماس" وإيران اللتين أرادتا وقف مسار التقارب بين إسرائيل والدول العربية، وأيضاً الدفع بترتيب لإنهاء الحرب بتدخّل عربي فاعل، ومن خلال الدفع قدماً بإعادة إعمار قطاع غزة (مع سلطة فلسطينية مجددة). لهذا السبب، سيمنح اتفاق التطبيع الإسرائيلي - السعودي إسرائيل امتيازات اقتصادية، وسيعزز شرعيتها في العالمين العربي والإسلامي، ويقوّي مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، ويعزز القوة السياسية والأمنية للسعودية في مواجهة إيران. على إسرائيل أن تتأكد من أنها لا تضيع هذه الفرصة التي لا تُعوض، والتي يمكن أن تكون لمرة واحدة فقط.