الأطباء شركاء، على ما يبدو، في الجرائم
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • منذ وقت ليس ببعيد، تم نشر نداء كتبه طبيب يعمل في مستشفى ميداني أقيم في المرفق الاعتقالي العسكري سديه تيمان، حيث يُحتجز على مدار الأشهر الماضية كثير من الفلسطينيين ممن تم اعتقالهم خلال الحرب في غزة. وفي رسالة موجهة إلى وزيرَي الأمن والصحة، والمستشارة القضائية للحكومة، تحدّث الطبيب عن شروط الاحتجاز المرعبة في المكان، وعن تجاوزات القانون التي تُعد ناظمة لنشاط المرفق الاعتقالي. ويأتي ضِمن ما كتبه الطبيب: "خلال أسبوع واحد فقط، تم بتر سيقان اثنين من المعتقَلين نتيجة تكبيلهما، وهذه الحادثة لا تعدو كونَها مجرد حدث روتيني هناك."
  • وفي المقابل، صُدمنا لدى قراءتنا ما كتبه د. يوئيل دونخين، الذي أعلن أنه اختار العمل في تلك المنشأة ("هآرتس" 7/4)، وأنه يرى الأمر بصفته عملاً رسالياً أخلاقياً (إلى حد بلغ فيه أنه قد قارن نفسه بالدكتورة جیزلا پرل، التي عملت في معسكرات الإبادة النازية على إنقاذ حياة النساء اليهوديات). إننا، بصفتنا من العاملات في مجال الطب والصحة النفسية، كرّسنا حياتنا المهنية من أجل معالجة ضحايا التعذيب وتوثيق الانتهاكات في حقهم، ومن المهم بالنسبة إلينا أن نطلق هذه الصرخة؛ لا يا دكتور دونخين، إن معالجة المرضى في منشأة سديه تيمان هي عار أخلاقي وخرق لجميع قواعد الأخلاقيات التي ينبغي أن نلتزمها، نحن وأنت. ومن العار أن توافق على تقديم العلاج إلى هؤلاء المرضى وهم مكبَّلو الأيدي ومعصوبو الأعين، وتتم تغذيتهم بواسطة قشة شراب، ويقضون حاجاتهم في السرير الذي هم مكبلون فيه، من دون تلقّي موافقتهم الواعية على تلقّي العلاج، وفي ظل أوضاع تضر بصحتهم.
  • لقد جاءت الرسالة التي كتبها الطبيب العامل في منشأة سديه تيمان لكي تعزز التحذيرات التي أطلقتها لجنة مناهضة التعذيب (التي نحن عضوات في إدارتها العامة)، ومنظمات حقوقية أُخرى غيرها، بشأن ما يحدث في تلك المنشأة الواقعة جنوبي البلد. إن التقارير التي تسربت قبل ذلك الوقت، سواء عبر الأخبار المنشورة في صحيفة "هآرتس" أم عبر وسائل الإعلام الأجنبية، وعن طريق شهادات متعددة وصلت إلى المنظمات الحقوقية، قد أثارت شكوكاً كبيرة في أن ما يجري في تلك المنشأة أمور لا يقدر على تصوُرها عقل بشري.
  • ويُضاف إلى ما تقدّم التعليمات التي صدرت عقب اندلاع الحرب، والقاضية بحبس المقاتلين غير الشرعيين [تعريف قانوني إسرائيلي يهدف إلى تلافي اعتبار أسرى المقاومة الفلسطينية كـ"أسرى حرب" كي لا تنطبق عليهم المعاهدات الدولية المتعلقة بأسرى الحرب] بأمر من قائد عسكري لفترة من الزمن حتى إحالتهم على المحاكمة، ومنعهم خلال هذا الوقت من رؤية محامي، ومن أي اتصال بالعالم الخارجي ولاحقاً، تمت توسعة هذا التعريف القانوني لكي يشمل جميع الذين يعتقلهم الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة؛ إذ تم، على سبيل المثال، تعريف السيدة فهمية الخالدي، التي تبلغ من العمر 82 عاماً، والتي تعاني جرّاء عدة أمراض، منها مرض الخرف، بأنها مقاتلة غير شرعية، وقد تم اعتقالها على مدار شهرين من دون أن تعرف عائلتها أي خبر عنها، أو أن تتلقى علاجاً للأمراض العديدة التي عانت جرّاءها، وهذا كله طرح علامات تساؤل كثيرة. لقد أفرغت هذه التعديلات كل الضمانات الإجرائية الهادفة إلى ضمان حقوق المحتجَزين في الحرّية، والحياة، وسلامة الجسد، من مضمونها.
  • وقد قدّمت لجنة مناهضة التعذيب التماساً إلى المحكمة العليا ضد هذه التعديلات، وطالبتها بإعادة النظر في أوامر الطوارئ، خشية أن تمثّل مساساً بالحق في الحياة وسلامة الجسد والحق في الحصول على محاكمة منصفة، بصورة لا تليق بالمبادئ التي تقوم عليها إسرائيل بصفتها دولة ديمقراطية، والتأكد من أن هذه الأوامر لا يتم استخدامه بصورة استنسابية.
  • لكن الآن، وبعد مرور 6 أشهر على اندلاع الحرب، يمكننا أن نقول بوضوح: يبدو أن دولة إسرائيل تدير ما يشبه "سجن غوانتانامو" خاصاً بها؛ فالأوصاف المرعبة المشمولة في رسالة الطبيب، ومعها شهادات أُخرى، تشير بوضوح إلى أن هؤلاء الموقوفين في منشأة سديه تيمان يتعرضون لمعاملة وحشية، وغير إنسانية، ومهينة، بصورة تعرض حياتهم للخطر يومياً، وتتسبب بإيذاء أجسادهم ونفوسهم. إن الأمر يحوّل الضالعين في العمل داخل هذه المنشأة، بجميع رتبهم، إلى شركاء مزعومين في انتهاك القانون الدولي، وهم يشاركون، عملياً، في ارتكاب جرائم الحرب.
  • إن اختيارنا لكتابة هذه الأسطر، والعمل، بصورة عامة، على منع تعذيب من يُشتبه في ارتكابهم النشاطات المرتبطة "بمجزرة" 7 تشرين الأول/ أكتوبر وما تلاها، (ولربما كان بعض هؤلاء غير ضالعين)، يمثّل تحدياً في ضوء الأفعال المنسوبة إلى هؤلاء، والتي استنكرتها لجنتنا بشدة لدى وقوعها. لكن، وعلى الرغم من جميع الصعوبات، فإنه من الواضح بالنسبة إلينا أن المعارضة الصارمة، والتي لا هوادة فيها، للتعذيب، وهذه الانتهاكات الخطِرة لكرامة الإنسان، يجب أن تكون أهم حتى في هذه الحالة. وهذا هو خيارنا؛ التزام القانون الإسرائيلي والدولي، ونحن نطالب في هذه الأوضاع أيضاً (ولربما بصورة خاصة فيها) بألاّ نفقد إنسانيتنا، وألاّ نصم أذاننا أمام هذه الجرائم التي تُرتكب باسمنا جميعاً.