الظروف متوفرة - رفح هي الكمين المنصوب لإسرائيل في هذه الحرب
تاريخ المقال
المصدر
- يختلف القرار المتعلق بالعمل العسكري في رفح بصورة تامة عن القرارات التي تم اتخاذها منذ نشوب الحرب، من حيث المسؤولية المباشرة لرئيس الحكومة نفسه عن قرار اجتياح رفح. فلو تم احتلال المدينة في سياق مستمر ومتصل بالحرب، أي بعد احتلال خانيونس، أو في موازاته، لكانت هذه الخطوة حظيت بفرصة أكبر في أن تتحقق من دون أن تعترضها عقبات، ولكانت انطوت على مخاطر وتعقيدات أقل كثيراً. لكن الآمال التي علّقها رئيس الحكومة على الوصول إلى رأس السنوار في خانيونس كانت أكبر من ذلك، إذ إنه لم يكن يطمح إلى إنجاز آخر ليحققه، باستثناء القضاء على السنوار، ولا حتى احتلال رفح. يجب علينا أن ندرك أن الاستراتيجيا لا يمكن أن تكون مرتبطة بهدف واحد، أمّا الحرب من دون استراتيجيا، فيُرتكب فيها كثير من الأخطاء.
- أمّا رفح، التي لم تكن مهمة بما فيه الكفاية من أجل تحقيق هدف تفكيك "حماس"، صارت مهمة بصورة أساسية لأن السنوار لم يسقط في خانيونس، ولأن الإنجازات التكتيكية التي حققها الجيش، بحسب رئيس الوزراء، لم تكن تتطابق بما يكفي مع تعريف النصر المطلق الذي يبحث عنه، ولأن الحرب انتهت أبكر مما كان يتوقع. فنتنياهو يدرك أن نتائج هذه الحرب لا تزال قريبة جداً من تاريخ إخفاقه في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وما رغبته في مواصلة الحالة القتالية إلا لأن استمرار القتال هذا سيخدم، زمنياً، هدفه في إعادة ترميم صورته السياسية الداخلية، وضمان بقائه في منصبه.
- أمّا الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذان لا يفهمان شيئاً في الحرب، فهما غير مباليَين بالأثمان الدموية، وبالثمن الدبلوماسي الذي ستتكبده إسرائيل؛ فهما لا يهتمان سوى بقوتهما السياسية الداخلية. إنهما يدفعان في اتجاه خلق الفوضى في الميدان التي ستؤدي، في رأيهما، إلى خلق ظروف مناسبة لاستعادة "غوش قطيف". إن هذه المسيانية قاتلة، بالنسبة إلى إسرائيل.
فخ الكارثة الإنسانية
- حالياً، تتوفر في رفح جميع الظروف لنصب كمين استراتيجي لإسرائيل، ولرئيس الوزراء شخصياً. وبما أن الرجل مرتبك تماماً في إدارة الحرب وتوجيهها، فهو غير قادر على رؤية الحفرة التي تنتظره في رفح، والتي سيقع فيها بالتأكيد.
- فعلى الرغم من الجهود التي سيبذلها الجيش لإخراج المليون ونصف المليون من النازحين الموجودين في رفح، فإنه من الصعب التصديق أننا سننجح في إخراجهم جميعاً. إذ سيظل هناك نحو ربعهم على الأقل. وفي المقابل، ستحاول "حماس" العمل بصورة معاكسة ودفع السكان إلى البقاء. فهؤلاء يحمون قوتها، ويمثلون فرصة استراتيجية لإيجاد كمين الكارثة الإنسانية التي ستتيح وقف الحرب، عبر الضغط الدولي والأميركي من أجل إخراج الجيش من القطاع. وفي جميع الأحوال، ستقع المسؤولية على عاتق الجيش، وعلى إسرائيل.
- وبما أن رفح تحولت إلى حملة بحد ذاتها، ولم تعد جزءاً من القتال المستمر، ونظراً إلى أن مسألة النازحين معروفة مسبقاً، والجيش الإسرائيلي يعمل على إخراجهم من هناك، فلن نتمكن من الادعاء أننا لم نكن نعلم بالكارثة التي ستقع، أو إلقاء اللوم على "حماس". فكل شيء معروف مسبقاً، وعلى الرغم من ذلك، فإننا اخترنا الدخول إلى رفح. ليس هذا فحسب، بل إن رئيس الحكومة صادَق بنفسه على المخططات المفصلة للاجتياح، بمعنى أنه في حال وقوع كارثة إنسانية، فسيكون هو مَن يتحمل المسؤولية المباشرة عن نتائجها.
- وهكذا، يوقّع رئيس الحكومة بنفسه قرار استدعائه للخضوع للتحقيق الجنائي في لاهاي. ومن الأفضل له دعوة سموتريتش وبن غفير إلى هذا التحقيق، ليشهدا بأنهما هما اللذان أجبراه على اتخاذ قرار الاجتياح، وشنّ تلك الحملة الفائضة عن الحاجة، والتي تُعتبر من أخطر الحملات التي سينفّذها الجيش، والتي نعرف نتائجها مسبقاً.
- ونظراً إلى أن رئيس الحكومة لا يعتزم نقل السلطة على رفح إلى حركة "فتح"، فإن حملته لن تؤدي إلى تحقيق أيّ إنجاز، بخلاف القضاء على مزيد من "المخربين" وتفكيك مزيد من الكتائب. أمّا "حماس"، فستعود لتنظيم نفسها، عملياً، فور خروج الجيش. أمّا بخصوص خسائرنا: فسنشهد سقوط مزيد من القتلى في صفوفنا، إلى جانب فرص استعادة المخطوفين أحياء، فضلاً عن خسارة الدعم الأميركي والدولي، كما سنخسر الصفقة مع السعودية، والائتلاف المضاد لإيران. إن اقتحام رفح يعني عدم فوزنا بشيء، في مقابل خسارتنا كلّ شيء.
- يتوجب علينا الإشارة إلى أن أيّ تورُّط في رفح، سيؤجل بصورة فورية التوصل إلى حلّ على الحدود الشمالية مدة نصف سنة، أو أكثر. لا يمكنني أن أرى كيف سنتمكن من إعادة المستوطنين إلى الشمال بعد مرور مثل هذه الفترة. ليس واضحاً ما إذا كان في إمكان رئيس الولايات المتحدة مدّ يد الخلاص مجدداً لنتنياهو، في مواجهة تهديد لاهاي، قبل رفح. فكم بالحري ألّا يتمكن من ذلك بعد رفح؟
لا توجد حكومة تدير الأحداث
- إن استغلال سموتريتش وبن غفير لضعف نتنياهو، وتعطيل أيّ قرار منطقي ومسؤول يطرحه وزير الدفاع غالانت، أو رئيس الأركان، أو الوزيران غانتس وأيزنكوت، في مجلس الحرب، أمور كلها تمثل خطراً محققاً وأكيداً على الأمن القومي الإسرائيلي. لا يهمّ سموتريتش سوى هدف واحد، يتمثل في الاستيطان، وتفكيك السلطة، وخلق الفوضى في غزة. رفح هي الاختبار الأخير الذي سيحسم مسألة ما إذا كنا قادرين على الخروج من الحرب، مع ترجيح الكفة لمصلحتنا، أو مهزومين شرّ هزيمة.
- لم تُتخذ أيّ قرارات في نقاشات مجلس الحرب المصغّر منذ خمسة أشهر. أمّا نقاشات "الكابينيت" الموسع، فهي ليست سوى مسرحية فاقدة لأيّ معنى. إذ يتم إحباط كلّ موضوع مهم، على غرار موضوع المخطوفين، أو يتم حسمه، لاحقاً، عبر محادثة هاتفية سرية، أحد طرفيها نتنياهو، والطرف الآخر شخصية يرتاح لها نتنياهو، تدعوه إلى الاستمرار في تطبيق أيّ قرار بعد إقراره في المجلس، أو التراجع عنه.
- لا ينطوي عمل مجلس "الكابينيت" على تفكير معمّق، أو إدارة سليمة، أو اتخاذ قرارات استراتيجية. للأسف الشديد، هذه المكونات مفقودة هناك. والموضوعات التي يتم نقاشها ليست سوى موضوعات تكتيكية، وتُتخذ القرارات الخاصة بها، انطلاقاً من دوافع شخصية وسياسية داخلية. هذا الضعف، وهذا العمى لدى رئيس الحكومة، يؤديان إلى تفويت دراماتيكي للفرص، مثل إيجاد شروط مريحة لإسرائيل في "اليوم التالي للحرب"، أو تحرير الأسرى، أو الدفع في اتجاه تحويل إنجازات الجيش التكتيكية إلى إنجازات استراتيجية، أو استغلال التحالف الدولي، الذي تشكّل، في المعركة ضد إيران، والأهم من هذا كله: غياب قيادة تدير معركة دبلوماسية وسياسية، وعدم وجود أيّ جهود دعائية [هسباراة]. الوحيد الذي يبذل جهداً في مضمار "الهسباراة" في العالم، هو الناطق بلسان الجيش. أمّا الحكومة، فهي غائبة تماماً عن هذا المضمار.
- من الجدير ذكره أيضاً أن الحكومة، بصفتها المسؤولة عن إعادة إعمار البلد، تعاني جرّاء خلل وظيفي تام. فكلّ وزير يعمل على تعزيز مصالح القطاع الذي يمثله فقط، ولا يوجد أيّ عمل، أو إدارة حكومية شاملة. لقد بقي النازحون في الجنوب متروكين، أمّا النازحون من الشمال، فظلوا كالأيتام، من دون أن يكون لديهم عنوان يتجهون إليه. هؤلاء لا يهمّون أي وزير، ولا رئيس الحكومة. وسموتريتش لا يهتم باقتصاد الدولة، ولا بإعادة ترقية ائتمان الدولة الذي انخفض، ولا بسعر الشيكل الذي ينحدر، ولا بتوقّف الاستثمارات في البلد، ولا يعنيه هروب الشركات الناشئة من البلد، ولا يهتم بانهيار قطاع البناء، ولا بمسألة تعاظُم الجيش الذي يقوم بنفسه بوقف تمويله الميزانية التي تم إقرارها [والتي جرى توجيه كثير من مواردها إلى قطاع المستوطنين والحريديم]، وهو لا يتوانى عن طعن رئيس هيئة الأركان بسكين في ظهره في عزّ الحرب، ولا يهتم مطلقاً بالثمن الذي سنضطر إلى دفعه، في مقابل شعارات انتصار إسرائيل، والتي تشير إلى كونه فاقد الصلة تماماً بواقع الحرب وما يحدث فيها. ما يهمّ سموتريتش أمر وحيد هو قوننة المستوطنات غير القانونية، وضخّ الأموال للجمعيات التي قام بإنشائها. ما يهمه هو ترقية الضباط، بناءً على ارتدائهم القلنسوات الدينية [التي تمثل التيار الذي ينتمي إليه]، وبحسب ولائهم له، وليس بناءً على قدراتهم العسكرية، بل ما يهمه إقامة دولة "يهودا" على أنقاض دولة إسرائيل.
- يجب على كلٍّ من غالانت وغانتس وأيزنكوت القيام بكل ما في وسعهم لإعادة المخطوفين، الآن، قبل عملية رفح. إن أيّ شخص لن نتمكن من استعادته قبل دخولنا إلى رفح، سنواجه مشاكل أكبر كثيراً في استعادته بعد ذلك، هذا إذا تمكنّا من ذلك أصلاً. وكل صفقة تسبق الحملة على رفح، من الأفضل عدم إتمامها. في ظل الوضع القائم، يُعتبر إسقاط هذه الحكومة حاجة أمنية. فتكوينتها الحالية، والضعف الشديد الذي يبديه رئيس الحكومة، لا يتيحان اتخاذ القرارات الضرورية لانتشالنا من الوضع الصعب الذي وجدنا أنفسنا فيه.