يتعين علينا الدخول إلى رفح كي نلجم "حماس"
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في هذه الأيام، وبينما يتردد "كابينيت الحرب" ما بين صفقة مخطوفين جديدة، وبين دخول عسكري كثيف إلى رفح، يدّعي كثيرون من النقاد أن غزو رفح خطوة غير مفيدة، ستكبّدنا عدداً كبيراً من الضحايا، وستؤدي إلى عزلة دولية وخلاف مع الولايات المتحدة، ولن تساعد في شيء، وخصوصاً أن رئيس الحكومة لا يخطط "لليوم التالي للحرب" في غزة كما يجب. وعلى الرغم من أنني أشارك في كل الانتقادات الموجهة إلى الحكومة، والمتعلقة بإخفاقها في التخطيط السياسي، فإنه من الصعب عليّ الموافقة على الادعاءات بشأن عدم الجدوى العسكرية من الدخول إلى رفح. طبعاً، هذا إذا كنا لا نزال مهتمين بمنع إعادة قيام دولة "حماس" في قطاع غزة.
  • الحجة الأولى المطروحة ضد الدخول هي أنها لا تساوي الثمن الذي سندفعه. إذا افترضنا أننا قضينا على 18 كتيبة لحركة "حماس" ، فما الذي سيتغير، إذا دمرنا أربع كتائب أُخرى؟ فالأكيد أنه مع عدم وجود خطة سياسية "لليوم التالي للحرب"، سيسارع التنظيم "الإرهابي" إلى تنظيم نفسه من جديد في المناطق التي أخلاها الجيش الإسرائيلي. لكن المنتقدين الذين يطرحون هذه الحجة هم على خطأ، وليس لديهم إلمام بالتجربة التاريخية. في الماضي، التنظيمات "الإرهابية" التي نجحت في ترميم قواها، بعد هجوم ساحق، كان لديها دائماً "منطقة حرة" تتمركز فيها. وفي معظم الأحيان، المقصود منطقة مجاورة بالقرب من خط حدود صديقة. من هناك، يمكن الحصول على العتاد والسلاح، وربما أيضاً على الجنود، وبصورة خاصة الحصول على مكان محصّن ضد الهجمات.
  • في حرب فيتنام، على سبيل المثال، كان في إمكان الفيتكونغ التعافي من  هجمات الولايات المتحدة بفضل الملاذات الآمنة (نسبياً) التي كانت موجودة ما وراء الحدود في شمال فيتنام، وبفضل الإمداد  الثابت بالعتاد العسكري من الصين، ومن الاتحاد السوفياتي. أمّا في أفغانستان، فقد نجح الطالبان في إنهاك الأميركيين، على الرغم من فائض القوة لديهم، لأن الملاجىء الآمنة كانت متوفرة في باكستان، وتنظيم "داعش" استطاع التعافي في العراق بفضل المناطق غير الخاضعة لسيطرة أحد، والتي نشأت في الحرب الأهلية في سورية.
  • ليس لدى "حماس" منطقة آمنة ما وراء الحدود، لكن لديها قناة تهريب من مصر، عبر محور فيلادلفي. وإذا تمكنت من تنظيم مدينة لجوء في رفح، فإن هذا سيسهل عليها السيطرة مجدداً على القطاع، بمساعدة الكتائب الأربع الباقية لديها. لكن إذا قطعنا أنبوب الإمداد الذي تستخدمه في معبر رفح ومحور فيلادلفي، فسيكون من الصعب عليها جباية الرسوم على البضائع والسيطرة على المساعدات، وتهريب السلاح والذخيرة، والتمدد كجهاز حكومي منظم  إلى سائر مناطق القطاع.
  • تُطرح حجة ثانية في هذا الإطار، تقول إن الضغط العسكري على "حماس" لن يؤدي إلى تحرير المخطوفين، بل على العكس، سيؤدي إلى تشدُّدها  في مطالبها. لكن الدلائل تشير إلى أمر آخر. الصفقة السابقة مع "حماس"، في  25 تشرين الثاني/نوفمبر وحتى 1 كانون الأول/ديسمبر، أتت في ذروة الضغط العسكري الإسرائيلي. في تلك الفترة، كانت "حماس" مستعدة للتنازل عن مطالب أساسية لها، وقف الحرب بصورة نهائية، ووافقت على تحرير نصف المخطوفين تقريباً، في مقابل هدنة موقتة، لا تمسّ بأهداف الحرب التي وضعتها إسرائيل. منذ كانون الثاني/يناير، خفّ الضغط العسكري بالتدريج، حتى توقّف، عملياً ونظرياً. وخلال الأسبوع الأخير، ومن اللحظة التي أصبح التهديد الإسرائيلي بغزو رفح مؤكداً ومباشراً، بدأ يظهر من خطوات "حماس" ازدياد الضغط عليها.
  • على سبيل المثال، بثّت الحركة شريطَي فيديو للمخطوفين متتاليَين، وأرسلت نائب يحيى السنوار، خليل الحية، لإجراء مقابلة مع الإعلام الغربي، لكي تُظهر أن الحركة مستعدة للاعتراف بحلّ الدولتين والتخلي عن سلاحها، بعد قيام الدولة الفلسطينية. أيضاً الوسطاء المصريون، بدورهم، بدأوا بزيادة الضغط على "حماس" من أجل التوصل إلى صفقة. فإذا كانت هذه طبيعة الوضع، قبل أن ندخل إلى هناك، فماذا سيجري عندما ندخل إلى رفح، ونبدأ بتدمير أنفاق التهريب المهمة بالنسبة إلى "حماس"، وقطع أنبوب الأوكسجين عنها من الحدود؟
  • إذا تغيّر سلوك "حماس" الآن، فهذا دليل على أن التهديد المؤكد بالضغط العسكري بالتحديد يؤثر فيها. إن الدخول إلى المدينة الجنوبية في القطاع سيعرّض المخطوفين للخطر، لكن المفارقة أنه أيضاً يشكل الأمل الوحيد بتحرير عدد منهم على الأقل، من دون أن ندفع الثمن بعودة حُكم "حماس" إلى القطاع كله.
  • الحجة الثالثة تقول إننا سندفع ثمناً دولياً باهظاً، وسننفصل عن المجتمع الدولي، إذا تجرأنا ودخلنا إلى رفح. لكن الضرر الدولي الأساسي حدث بسبب الحرب على غزة بحد ذاتها، وليس بسبب الدخول إلى  هذه المنطقة، أو تلك. وكوْني أستاذاً في التاريخ، أستطيع أن أشهد بأن الحروب الشديدة تتسبب دائماً  بموت ودمار كبيرَين للسكان المحليين. وهذا ما حدث في غزة، على الرغم من الأساليب الحذرة غير المسبوقة التي اتخذها الجيش الإسرائيلي. تكفي الإشارة إلى أنه بعد الإنزال في النورماندي، تسببت قوات الحلفاء بسقوط عشرات الآلاف من الضحايا وسط السكان الفرنسيين،  الذين كانوا حلفاء لها. وهذا ما حدث في الحروب في كوريا وفيتنام وأفغانستان والعراق. وحتى لو كنا نتقيد بقوانين الحرب، فإن الطابع الحضري للمعركة في غزة، واستخدام "حماس" المنشآت المدنية، والحاجة إلى محاربة الأنفاق، كل هذا تجلى في الصور الفظيعة التي لا نهاية لها على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • لا يمكننا القتال في غزة من دون أن ندفع ثمناً دولياً، سواء قمنا بغزو رفح، أم لا. لكن إذا امتنعنا من القيام بذلك، وتركنا "حماس" تتعافى، فسيتضح لنا أننا دفعنا هذا الثمن من دون مقابل.
  • من أجل كل هذه الأسباب، يتعين على إسرائيل الدخول إلى رفح بأسرع وقت ممكن، وقطع أنبوب الإمداد عن "حماس" من مصر، وتدمير أنفاق التهريب الاستراتيجية الموجودة تحت محور فيلادلفي، وتحرير المخطوفين، إذا استطاعت. في الوقت عينه، يجب مواصلة الاتصالات بشأن الصفقة، لكن من موقع قوة، وفقط الضغط العسكري الحقيقي يمكنه أن يمنحنا هذا الموقع. في الأساس، نحن بحاجة إلى الصبر وطول النَفس، مثل أعدائنا. ومن دونهما من الصعب أن نبقى في قيد الحياة في الشرق الأوسط.