- طُرحت الصفقة الاستراتيجية الهادفة إلى إنهاء الحرب على الطاولة منذ أشهر عديدة، والتي تشمل:
1. إنهاء القتال في قطاع غزة والشمال، بمعنى: وقف إطلاق النار.
2. إطلاق سراح المخطوفين.
3. إعادة عشرات الآلاف من الإسرائيليين المهجرين إلى منازلهم.
4. إنهاء الأزمة الإنسانية في القطاع.
5. إيجاد إطار سلطوي موقت لإدارة قطاع غزة.
6. إيجاد منظومة مالية لإعادة إعمار القطاع.
7. التطبيع مع السعودية، وهي الدولة الأهم والأكبر في الشرق الأوسط.
8. ضمان المصالح السعودية والأميركية في مواجهة الإيرانيين.
9. تعزيز تحالُف الدول المعتدلة في الشرق الأوسط، وتثبيت المحور المعتدل ضد المحور الإيراني – الجهادي.
10. ترسيم أفق سياسي واضح، وصولاً إلى الاعتراف بدولة فلسطينية.
نعم، هذا البند الأخير هو شرط لمثل هذه الصفقة.
- لكننا نسمع، منذ أشهر، رئيس الحكومة نتنياهو وسياسيين آخرين يلتزمون، علناً، "الحؤول دون إقامة دولة فلسطينية"، ولذا، يمكن التوقع أن نشهد كثيراً من "اللطشات" الإعلامية والحركات البهلوانية المعارِضة للصفقة الاستراتيجية الهادفة إلى إنهاء الحرب، والتي يعلم كلّ مَن شهد ليلة الهجوم الإيراني بأنها الوحيدة التي ستضمن المصالح الإسرائيلية.
- لذا، من المفضل أن نتمسك بموقف حكيم وواضح، في مواجهة حركات نتنياهو وجماعته البهلوانية. إليكم الوقائع: أولاً- لن يذهب الفلسطينيون إلى أي مكان، ومن مصلحة الإسرائيليين ضمان انضمامهم إلى الحلف المعتدل، لا إلى الحلف الجهادي. وثانياً- إن مسألة إقامة الدولة الفلسطينية من عدمها لا تشترط موافقة إسرائيل.
- سأكرر: لا تملك إسرائيل حق النقض في هذا الموضوع.
- يمكن للكنيست الإسرائيلي، طبعاً، اتخاذ أي قرار يريده بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكن، من ناحية قانونية ودبلوماسية، إن حدوث الأمر من عدمه ليس من صلاحياتها. إذ يحدد القانون الدولي شروط الاعتراف بإنشاء دولة، وهناك أربعة شروط أساسية استوفاها الفلسطينيون:
1. وجود سكان دائمين: يعبّرون عن رأيهم من خلال مطامح حركة وطنية، وهذا متوفر.
2. وجود مساحة محددة من الأرض: وهذا متوفر أيضاً. فبحسب القانون الدولي، لا يُعتبر غياب حدود متفق عليها مشكلة من هذه الناحية.
3. وجود إدارة ناجعة: توجد إدارة، حتى لو كان هناك قيود مختلفة بشأن عملها المستقل في مجالات معينة (كالمجال الجوي)، أو في مناطق معينة (مثل قطاع غزة)
4. إمكان إقامة علاقات خارجية مع دول أُخرى: المقصود هنا تبادُل السفراء والقدرة على الانضمام إلى المواثيق الدولية. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين التزموا، في إطار اتفاقات أوسلو، عدم إقامة علاقات خارجية، فإنهم يقومون بها فعلاً، ولديهم سفارات في عدد كبير من الدول، وأيضاً هناك أكثر من 140 دولة اعترفت بالكيان الفلسطيني بصفته دولة.
- إذاً، إذا كانت إسرائيل لا تملك حق النقض فيما يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطينية، فلماذا تُعتبر مطالبة إسرائيل بترسيم "أفق سياسي واضح على طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية" أحد شروط الصفقة الاستراتيجية؟ إنه سؤال ممتاز.
- طوال الأعوام الثلاثين الماضية، وبفضل اتفاقات أوسلو، امتنع عدد من الدول الأكثر تأثيراً في العالم، والمقصود هنا الدول التي تتحكم في مجلس الأمن، والتي تملك عضوية دائمة فيه، من الاعتراف بفلسطين كدولة. والسبب الكامن وراء ذلك هو أن المنطق السائد، الذي يقوده الأميركيون، مفاده أن الاعتراف بدولة فلسطين سيتم في إطار مفاوضات وتسوية نهائية بين إسرائيل والفلسطينيين.
- أحد أكبر الإخفاقات المتكئة على التصور الاستراتيجي الخاطئ لدى نتنياهو، هي اعتقاده أن في إمكانه تأجيل تجديد المفاوضات مع الفلسطينيين إلى الأبد. فعلاً، هذا ما كان مشغولاً به طوال سنوات حُكمه الطويلة، ولهذه الأسباب ساهم في تعزيز "حماس" وإضعاف السلطة. لقد أمِل نتنياهو أيضاً بالدفع في اتجاه التطبيع مع السعودية من دون أيّ مقاربة للمسألة الفلسطينية، وهذا ما انفجر في وجوهنا في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
- لكن هذا انتهى الآن. لم يعد أمام إسرائيل سوى خيارين: دولة فلسطينية، برضاها أو عدمه. ما الذي تعنيه إقامة دولة فلسطينية من دون موافقة إسرائيل؟ المعنى أن الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، ودولاً أُخرى، ستتقدم في اتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية. هكذا بكل بساطة. ما معنى إقامة دولة فلسطينية بموافقة إسرائيل؟ أن إسرائيل ستملك فرصة أُخرى، وهي فرصة أخيرة، على ما يبدو، في الحفاظ على المصالح الإسرائيلية في إطار خطوات الاعتراف بالدولة الفلسطينية. بمعنى: ربط دولة فلسطين بالمحور المعتدل. مثلاً، المطالبة بشروط تلتزم بها الحكومة الفلسطينية لكي تحظى بالاعتراف، بما يشمل اعترافها بدولة إسرائيل، وأن تكون معتدلة، وأن يتم إخضاع النظام والمنهج التعليمي الفلسطيني لعملية نزع الراديكالية، وأن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح.
- في الخلاصة، لا تملك إسرائيل حق النقض بشأن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية. إذ إن هذه الدولة غير المنقوصة ستُقام برضاها، أو من دونه. ولذا، علينا نحن، الشعب الإسرائيلي، مطالبة الحكومة بالتالي: يكفي ذراً للرماد في العيون، ويكفي حركات بهلوانية. كونوا مسؤولين، واضمنوا أن تكون الدولة الفلسطينية العتيدة جزءاً من المحور المعتدل، وليست عضواً في المحور الجهادي: هنا تكمن المصلحة الإسرائيلية.