السبيل الوحيد للقضاء على "حماس" هو بناء بديل يكون للسلطة الفلسطينية دور فيه
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • لدى كتابة هذه السطور لم يكن من الواضح بعد ما إذا كان الاتفاق بين إسرائيل و"حماس" سيُوقّع في الأيام المقبلة، أم سنضطر إلى انتظار عودة المخطوفين إلى ما لا نهاية. لكن يظهر من التفاصيل التي تُنشر بشأن المخطط أن إسرائيل مستعدة للموافقة على شروط قاسية من أجل تحرير قسم من المخطوفين الآن.
  • من هذه الزاوية، نبارك الاتفاق، إذا تم توقيعه. لكن يجب علينا رفع الصوت بشأن أمر واحد: لماذا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، يبذل بنيامين نتنياهو كل ما في وسعه من أجل إدامة سلطة "حماس" في غزة؟
  • منذ بداية الحرب، كان واضحاً لكل مَن يتطلع إلى القضاء على "حماس" أن السبيل الوحيد لذلك هو بناء بديل منها. وهذا البديل واضح بالنسبة إلى الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وإلى وليّ العهد السعودي والرئيس المصري، وأيضاً إلى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وهو يظهر في توصيات معهد "دراسات الأمن القومي"، الذي تمثل مواقفه تيار التفكير المركزي في الجيش الإسرائيلي، وفي أجهزة الاستخبارات. وفي أساس هذه التوصيات، تبرز في المرحلة الأولى سياسة ذات رأسين: الدفع قدماً بالسلطة الفلسطينية نحو وضع تستطيع أن تأخذ فيه الحكم في غزة على عاتقها، والمساعدة على إقامة قوة دولية عربية وغربية، يمكنها أن تحلّ محلّ الجيش الإسرائيلي، وأن تقدم غطاءً أمنياً يسمح بالبدء بإعادة إعمار القطاع.
  • لقد تجاهلت سياسة نتنياهو هذا المخطط طوال مدة الحرب، وفي المطلق. صحيح أن أيّ محاولة للدفع قدماً بهذا المخطط ستقوّض استقرار ائتلافه، لكن لا يجوز أن نعزو اهتمامه بالحفاظ على سلطة "حماس" إلى حاجاته السياسية فقط، فالمقصود الاستراتيجيا التي انتهجها منذ وصوله إلى كرسي رئاسة الحكومة للمرة الأولى في سنة 1996.
  • وكما يبيّن أدام راز في كتابه "الطريق إلى 7 أكتوبر" (منشورات برديس)، كان تشجيع "حماس"، بالنسبة إلى نتنياهو، السبيل الأفضل لمنع المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بشأن حلّ الدولتين. هذا الحلّ المحكوم عليه بالفشل، في نظر اليمين الإسرائيلي. وحتى 7 أكتوبر، كان مؤيدو نتنياهو البارزون يثنون على هذه الاستراتيجيا الرائعة، وإليكم بعض النماذج:
  • ففي رأي أريئيل سيغال [صحافي وإعلامي]، ينطوي تفضيل "حماس" على "منطق استراتيجي" واضح؛ أمّا مستشار نتنياهو جوناتان أوريك، فاعتبر تشجيع "حماس" بالمال القطري، خطوة ستؤدي إلى القضاء على رؤيا الدولة الفلسطينية؛ لكن إيرز تدمر [إعلامي ومؤسس حركة "إم ترتسو" وكاتب خطابات نتنياهو] ومن قادة الفكر اليميني، كان يرى في ذلك خطوة مثالية.
  • في سنة 2019، كتبت غاليت ديستل عطيريان [شغلت منصب وزيرة الإعلام عن حزب الليكود في سنة 2023] على حسابها في فايسبوك: "يجب أن نقول ذلك بأمانة. نتنياهو يريد أن تبقى "حماس" واقفة على قدميها، ومن أجل ذلك، هو مستعد لدفع ثمن لا يمكن تصوُّره". وكان لها وصف جذاب للوضع: "قطة شارع ["حماس"] تمسك بنمر نووي [إسرائيل] من خصيتيه". وغنيّ عن القول إنه لم يكن لديها أيّ انتقادات لسياسة زعيمها العبقرية.
  • منذ توقيع اتفاق "كامب ديفيد" مع مصر، والذي قاده مناحم بيغن، في مؤتمر "كامب ديفيد"، كانت مساهمة اليمين الإسرائيلي في الأمن القومي لدولة إسرائيل هي انعدام الأمن. من بين المساهمات الأساسية لذلك تكثيف البناء في المستوطنات في قلب المناطق ذات الكثافة السكانية في الضفة الغربية، الأمر الذي يمنع أيّ تقدّم نحو حلّ سياسي، ويستهلك أفضل موارد الجيش الإسرائيلي، دفاعاً عنها. لقد رأينا نموذجاً عن هذا في 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكن مساهمة نتنياهو الشخصية تفوق كل شيء. في سنة 2019، تحدّث بتواضع كبير، في مقابلة أجرتها معه شبكة "السي إن إن"، عن الإرث الذي يريد أن يتركه وراءه، فقال: "أريد أن يتذكرني الناس كمدافع عن إسرائيل. هذا يكفيني ".
  • إرث الدمار الذي سيتركه نتنياهو وراءه سيُدرّس في أهم المدارس في العالم في حلقة دراسية، عنوانها "مسيرة الحماقة". تشجيعه لحركة "حماس"، الطرف الأساسي في العالم العربي الذي يدعو إلى القضاء على إسرائيل، يجعل "حصان طروادة"، أو غزو نابوليون لروسيا، أفعالاً تافهة. أمّا سياسة نتنياهو بشأن المسألة النووية الإيرانية، السياسة التي جعلته يحظى بلقب "أبو القنبلة النووية"، فهي التي ستجعله يدخل كتاب "غينيس" للأرقام القياسية.
  • أنت بحاجة إلى مؤهلات خاصة لكي تكون على رأس حملة عالمية ضد القنبلة [النووية الإيرانية]، وفي الوقت عينه، تخرّب العلاقات مع إدارة ديمقراطية في الولايات المتحدة لمنع اتفاق يُبعد إيران عن الحصول على سلاح نووي، وتدفع الرئيس ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق، من دون أن تفعل شيئاً، بينما إيران تتحول إلى دولة على عتبة النووي. وحده نتنياهو "سيد الأمن" قادر على فعل ذلك.
  • من الصعب معرفة ما إذا كانت حكومة نتنياهو ستصمد في عاصفة الاتفاق الوشيك [اتفاق بشأن المخطوفين]. من المحتمل ألّا تصمد. وإذا سقطت، فمن المنتظر أن نخوض معركة انتخابية حول 3 موضوعات فقط: الأمن، والأمن والأمن. ليس واضحاً كيف سيهندس نتنياهو الرأي العام، إذا قرر الترشح لرئاسة الحكومة. لكن هناك معارضة لا تتعهد تشجيع سلطة "حماس"، ونأمل أن ينظر زعماؤها، بإيجابية، إلى البدء بمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، كجزء من خطة شاملة لبناء ائتلاف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة، ضد إيران ومحور المعارضة الذي أقامته.
  • في هذه الانتخابات، يجب ألّا نسمح لبني غانتس وغادي أيزنكوت ويائير لبيد وأفيغدور ليبرمان ويوسي كوهين ونفتالي بينت (إذا ترشحوا إلى الانتخابات) بالتهرب من الرد على مسألة مركزية واحدة: كيف ينظرون إلى مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين؟ لا تسألوا يائير غولان [من كبار مؤيدي حلّ الدولتين]، فردّه واضح. ولا تسألوا أيضاً نتنياهو لأن ردّه واضح أيضاً.

 

 

المزيد ضمن العدد