في ضوء الخطر القادم من لاهاي، يواصل الإسرائيليون دفع الثمن الباهظ لاستمرار الحرب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في أيار/مايو 2004، وفي مثل هذا الأسبوع، قبل 29 عاماً بالتحديد، بدأ الجيش الإسرائيلي بالتحضيرات الأولى لتنفيذ خطة الانفصال عن غزة، والتي أعلنها رئيس الحكومة، آنذاك، أريئيل شارون، قبل ثلاثة أشهر من ذلك. سلسلة من الأحداث القاسية التي قُتل فيها 13 مقاتلاً من الجيش خلال أيام معدودة، هي التي شجعت هذا التحول في الرأي العام الإسرائيلي لمصلحة الانسحاب من قطاع غزة، والذي نُفّذ بعد أكثر من عام. يومها، قُتل 7 جنود من لواء "غفعاتي" في العملية في حيّ الزيتون، جنوب غزة، جرّاء انفجار عبوة ناسفة بناقلة جند مدرعة. في اليوم التالي، قُتل 5 عناصر من المهندسين من طاقم وحدة الأنفاق الجديدة التي أُنشئت في فرقة غزة، في انفجار مشابه، تعرضت له ناقلة جند مدرعة في محور فيلادلفي، بالقرب من رفح. كما قُتل جنديان من لواء غفعاتي في الأسبوع عينه، بينما كان الجنود يقومون بحماية عملية تمشيط في فيلادلفي، بحثاً عن جثامين القتلى.
  • وبحسب شهود عيان، لقد تبخرت الناقلتان المدرعتان اللتان مرّتا فوق عبوتين كبيرتين جداً. ومن أجل جمع الأشلاء لدفنها في إسرائيل، أرسل الجيش مئات الجنود لتمشيط الأرض في فيلادلفي، وفي ساحة الكارثة الثانية. وانتشرت صورة لا تُنسى، آنذاك، يظهر فيها جنود راكعين على الأرض الصحراوية، وهم يبحثون عن الأشلاء. وبقيت هذه الصورة في أذهان الناس أعواماً طويلة، وهي تعكس المأساة، وعدم جدوى الصراع المستمر مع الفلسطينيين في غزة.  لقد استغل شارون هذه المشاعر من أجل دعم خطته في الخروج الأحادي الجانب من غزة، ومن دون اتفاق.
  • الجنود الأربعة، من لواء "ناحل"، الذين قُتلوا في يوم الجمعة الماضي في انفجار عبوة ناسفة في حيّ الزيتون، لم يكونوا قد وُلدوا عندما وقعت كارثتا ناقلتَي الجند. فالأربعة كانوا في سن الـ19 عند مقتلهم، وكلهم وُلدوا بعد الحادثة...
  • تواصل إسرائيل دفع ثمن هائل من حياة مواطنيها وجنودها، ومن حياة المخطوفين، جرّاء استمرار الحرب ضد "حماس". على الحدود مع لبنان، حيث الوضع في حالة جمود نسبياً، والجيش في وضع الدفاع، نجح حزب الله في تحقيق إصابات أكثر من مرة، وفي الأسبوع الأخير، قُتل 3 جنود في هجمات بالمسيّرات. في نهاية الأسبوع الماضي، شبّت حرائق هائلة في كريات شمونة وضواحيها، جرّاء رشقة صاروخية كبيرة. هكذا تبدو أصعب حرب استنزاف عرفتها إسرائيل، من دون أن يظهر أيّ حسم في الأفق. ومن غير المجدي التذكير بوعود رئيس الحكومة بالنصر المطلق، فالواقع الحقيقي واضح أمام كل الناس.
  • من الممكن الاستمرار في رؤية الحرب كجزء من صراع الأجيال، على الرغم من وضوح رغبة نتنياهو في إطالة أمد الحرب والامتناع من التوصل إلى أيّ تسوية سياسية بشأن "اليوم التالي للحرب". في المقابل، لا يوجد سبب كي نقبل مواعظ السياسيين الذين يشرحون لنا أنه يجب علينا أن نكون سعداء في ذكرى "الاستقلال" هذا العام. فهذه السنة كانت الأكثر صعوبةً وكآبةً في تاريخ إسرائيل. يجب علينا أن نشعر بالحزن، ونطالب بالتغيير. نتنياهو الذي يقرأ استطلاعات الرأي العام، يخفف ظهوره العلني في المناسبات الرسمية هذه السنة، خوفاً من التعرض للإهانة في العلن...
  • تعثرت المفاوضات بشأن صفقة المخطوفين من جديد، بعد فشل جولة المحادثات في القاهرة. ما زال هناك أمل بأن ترسل إسرائيل وفدها إلى المحادثات في الأيام المقبلة، لكن التقديرات ليست متفائلة. أولاً، يرى زعيم "حماس" يحيى السنوار المأزق الإسرائيلي المتعلق بالأزمة مع الولايات المتحدة، وكيف تتبدد إنجازات الجيش الإسرائيلي في القتال، وهذا ما يدفعه إلى التمسك بمطالبه. ثانياً، من الصعب أن يبدي نتنياهو مرونة في مواقفه، في ضوء معارضة شركائه المتطرفين. في أثناء النقاشات في "الكابينيت الأمني" في الأسبوع الماضي، طالب وزراء اليمين المتطرف باتخاذ قرار يمنع استئناف المحادثات. لقد رُفض طلبهم، لكن يبدو أن هامش المرونة السياسية المتاح لنتنياهو ضئيل، على الرغم من آمال ويأس عائلات المخطوفين.
  • في غضون ذلك، يضع نتنياهو ثقله في العملية في رفح، والتي لا تزال محدودة ومقلّصة، أكثر مما يحاول إظهاره أمام الجمهور. حتى الآن، ما زال الجيش الإسرائيلي موجوداً فقط في ضواحي رفح الشرقية، وفي الثلث الشرقي من محور فيلادلفي على الحدود المصرية، وعلى معبر رفح. والخطر هو دائماً من أن يدفع استمرار القتال الجيش إلى احتلال مواقع متقدمة أكثر، بحجة الحاجة إلى الدفاع عن قواته. في الوقت عينه، تجددت الغارات على حيّ الزيتون من عدد من الألوية، وعلى مخيم اللاجئين في جباليا، ومناطق تقع شمال القطاع، كان الجيش الإسرائيلي انسحب منها قبل عدة أشهر. قُتل في هذه المعارك عشرات العناصر من "حماس" الذين استرجعوا سيطرتهم على الميدان، بعد الخروج الإسرائيلي.
  • لقد اعتمد الجيش مسبقاً نموذج الغارات الدورية، بافتراض أنه غير قادر على القضاء على سلطة "حماس"، من دون سيطرة دائمة على الأرض، ومن دون وجود بديل من الحكم. والآن، يجري تقديم ذلك كأخبار مهمة، في محاولة للتخفيف من انتقادات وتساؤلات الجمهور. لكن من المحتمل حدوث أمر خطِر للغاية: في ظلّ عدم وجود بديل، ومن دون قرار مُعلن، من المحتمل أن تنزلق إسرائيل إلى إقامة حُكم عسكري في القطاع. وهذا سيشكل كارثة إضافية، وسيعقّد الأمور، وسيجرّ إسرائيل إلى نفقات باهظة وانشغال أمني كبير يستمر أعواماً، على حساب معالجة المشكلات الاستراتيجية الأُخرى، مثل المواجهة مع إيران...
  • التساؤلات بشأن سياسة نتنياهو بدأت تتسلل الآن إلى مؤيدي استمرار عمليات الجيش الإسرائيلي. ويمكن أن نشعر بها من خلال تصاعُد قلق عائلات الجنود التي يشارك أبناؤها في العملية في رفح، وفي الاقتحامات في جباليا والزيتون. بالإضافة إلى الوحدات النظامية. هذه العمليات تتطلب تعبئة محدودة في وحدات الاحتياطيين. لقد بدأت منظمات أهالي الجنود بتوقيع عرائض ضد استمرار الحرب، والمطالبة بصفقة سريعة لتحرير المخطوفين، على الرغم من أن فرصها مشكوك فيها. حتى الآن، لا توجد مظاهر لرفض الخدمة. لكن استمرار الحرب والشكوك الكبيرة في السياسة والاعتبارات التي توجّهها، يمكن أن تقود إلى هناك، بالإضافة إلى ظواهر "رفض رمادية"، وعمليات تهرُّب غير معلنة من الخدمة.

......